حسم معركة الحديدة عسكرياً نقطة النهاية لتحرير اليمن

> منى علي المطوع*

> كيف ستحسم معركة “النصر الذهبي” لقوات التحالف العربي لاستعادة مدينة الحديدة اليمنية من قبضة ميليشيات الحوثي، بعد أن تم إيقاف العمليات العسكرية مؤقتاً من قبل قوات التحالف العربي، لأجل الوصول إلى مفاوضات لتسليم الحديدة وانسحاب جماعات الحوثيين الإرهابية منها دون خسائر بشرية، وفي سبيل إنجاح المفاوضات من قبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن مارتن جريفيثس لإقناع الحوثيين بالمبادرة الأممية لتجنب المواجهات المسلحة والتصعيد العسكري؟
كل المؤشرات على الساحة حالياً أمام تعنت الحوثيين وأمام خطابات حزب الله اللبناني الإرهابي والحشد الشعبي العراقي وإعلانهم المستمر مساندتهم لجرائم الحوثيين وإرهابهم، تؤكد أن عودة الخيار العسكري هو مفتاح الحل. وحسبما كشفته مصادر، فإن المبعوث الأممي في اليمن سيعلن عن موعد لانطلاق مشاورات تسوية يمنية خلال إحاطة لمجلس الأمن بعد غد الخميس، وهو ما لا يخدم بالتأكيد شعب اليمن الذي يعاني من ويلات حروب الحوثيين الإرهابية وتزايد المجاعة. فالتنعت الحوثي والمماطلة من الواضح أنها تأتي في سبيل كسب المزيد من الوقت للحوثيين في تنظيم صفوفهم وتجنيد الأفارقة والأطفال، وتخزين المزيد من الأسلحة والمساعدات الإيرانية المهربة عن طريق ميناء الحديدة أمام خسائرهم البشرية، واستمرار خنق الشعب اليمني في أزمات المجاعة واستغلاله كدروع بشرية وتجنيده أمام خيار الموت جوعاً أو القبول بالانضمام إلى صفوفهم بعد منع الحوثيين دخول مساعدات الأمم المتحدة إلى شعب اليمن.

الحوثيون يدركون أن مسألة استمرار حربهم الإرهابية في اليمن مسألة وقت لا أكثر.. فمدينة الحديدة (مركز المحافظة) التي يسكنها 600 ألف شخص، وتعتبر ثاني المحافظة أكبر مدينة من حيث عدد السكان في اليمن، سقوطها من أيديهم يعني قطع رأس الأفعى الحوثية، وهو أكبر انتصار ستسجله قوات التحالف العربي في إيقاف التمدد الحوثي وتراجعه.

الحوثي الذي منّى نفسه باقتحام مكة المكرمة، وقد هدد في عام 2014 وهو ينقلب على شرعية اليمن بدخولها والطواف حول الكعبة، يجد نفسه اليوم محاصراً أمام انكسار مشروعه الإجرامي في اليمن وتهاوي مملكته الإرهابية، وقد بدأت قوات التحالف الشرعية تدك عقر داره ومواقع تمركزه، بالأخص في الحديدة وصعدة وعدن وصنعاء.

الحوثي، الذي أكد خلال تصريحاته عام 2014 “الحوثيون سيطوفون في الكعبة الحج القادم” فيما شرعت ميليشيات الحوثي في عام 2016 والمدرسون الموالون للحوثيين إلى تدريس طلاب المدارس المتوسطة والعليا في المدن التي تقع تحت سيطرتهم كيفية اقتحام الحرم المكي تحت مسمى “غزو مكة” وحث الطلاب على الجهاد في صفوف الحوثيين بالجبهات وترك الدراسة وذلك بهدف إعادة الكعبة إلى صنعاء -كما يزعمون اليوم، سيغزى في عقر دار مشروعه الإرهابي، وسيستعيد اليمن أراضيه المسلوبة من هذه الخلية الإرهابية قريباً، سواء أكان ذلك بحل دبلوماسي تفاوضي، أو بحل عسكري حازم!

معركة غزو مكة المكرمة التي أراد الحوثي مسك زمامها أمام دعم تنظيم الحمدين الإرهابي في قطر والخلايا الإيرانية في كل من إيران والعراق ولبنان وسوريا، تفسر أسباب هجوم خامنئي بالتصريحات على المملكة العربية السعودية في تلك السنين “الصراخ على قدر الألم” أمام تقدم قوات التحالف وفشل الحوثيين في الاستيلاء على اليمن ونجاح موسم الحج دون تكرار الأعمال الإجرامية التي تقوم بها إيران كحادثة تدافع الحجاج في منى 2015 وأسباب الحملات الإعلامية والحقوقية المضللة التي لطالما قادها تنظيم الحمدين في قطر، لأجل تدويل قضية الحج في سبيل تحقيق الحلم الإيراني في دخول مكة المكرمة والسيطرة على الحج والسماح بإطلاق البدع الدينية وحمل الشعارات الطائفية أثناء الطواف عند الكعبة.

يومها قام الحوثيون في صعدة اليمن بإطلاق صاروخ باليستيسكود الـ37 صوب مكة المكرمة، ونجحت الدفاعات الجوية السعودية في اعتراضه على بعد 65 كيلومتراً من جبالها المقدسة، فتشغيل السيارة التي يحملها الصاروخ وإطلاق الصاروخ نفسه يحتاج لتقنية عالية ودورات متقدمة لا يمكن أن تحصل عليها ميليشيات الحوثي، وهو ما يؤكد أن من أطلق الصاروخ خبراء إيرانيون، وكل ذلك يؤكد استهداف الخلايا الإرهابية الإيرانية والحوثية والقطرية الحرم المكي الشريف، وأن مخطط الحرب الإرهابية في اليمن وتمكن الحوثيين منها يعني الإمساك بمفتاح الدخول واقتحام الأراضي السعودية الجنوبية.

صراع إقليمي
الحديدة اليوم هي عنوان الصراع الإقليمي العربي الإيراني، وحسم هذه المعركة يعني اقتلاع الجذور الإيرانية من اليمن وتهاوي مشروع السيطرة البحرية، فهو يمنع تهديد ومهاجمة السفن التي تمر عند مضيق باب المندب والبحر الأحمر، والحد من تهديد الصواريخ البحرية، وإيقاف زراعة الألغام البحرية، وتحرير شعب اليمن الأحرار من مشروع اختطاف هويتهم العربية، كما أن تحرير ميناء الحديدة يعتبر ضربة قاضية للمشروع الإيراني في اليمن وخنقه ومحاصرته ومنع تغذيته، حيث يعتبر هذا الميناء باب تهريب للأسلحة الإيرانية، فهو الشريان المغذي لهم، “ألم تستمر التمويلات الإيرانية وإمدادات الأسلحة ومعدات تصنيع الأسلحة عبر السفن الإيرانية لليمن عبر أكثر من 24 سنة لجماعات الحوثيين التي كانت وقتها خلايا إرهابية نائمة في اليمن مما جعلها تنطلق كقوة إرهابية لاحقاً؟”، كما أن الحوثي سيجد نفسه في مأزق كبير أمام خسارته لموارده المالية الكبيرة التي يتحصل عليها من عائدات الموانئ والمستخدمة في تمويل عملياته العسكرية، فتحرير ميناء الحديدة يعني عزل الحوثيين وحصرهم في المناطق الجبلية شمال اليمن.

كل هذه المعطيات، تؤكد أن الحوثي لن يستسلم بالانسحاب منها والاستجابة لمفاوضات الأمم المتحدة بدل المواجهة العسكرية، فالحوثي بالأصل مجرد دمية بيد المخططات الإيرانية في المنطقة، وإيران ستدفع الحوثي إلى المواجهة العسكرية حتى الموت وحتى آخر رمق في سبيل استمرار نفوذها الإرهابي في اليمن واستمرار تهديد أمن السعودية عسكرياً.

وللتاريخ الحاضر هناك مفارقة تكمن في أن مهاجمة السفن البحرية من قبل الحوثيين تعود بالذاكرة إلى الحرب العراقية الإيرانية عندما قامت إيران بمهاجمة ناقلات النفط الخليجية، كما أن قيام الحوثيين بالتنكر في عباءات نسائية أثناء التحرك داخل مدينة الحديدة بعد هلاك عدد كبير من قياداتهم ومرتزقتهم وأمام تزايد خسائرهم البشرية، يعود لنا بالذاكرة إلى أزمة البحرين الأمنية عندما قامت بعض قيادات عملاء إيران في البحرين بالتنكر أيضاً في عباءات نسائية والاختباء فوق أسطح المنازل بالقرى بعد تهاوي مشروع الدولة الإيرانية داخل مملكة البحرين، فالتاريخ يعيد نفسه اليوم.

أهمية الحديدة
تقع مدينة الحديدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر، وذات موقع جغرافي مميز وحساس من الناحية الأمنية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 2.2 مليون نسمة، بما نسبته 11 % من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية، وتحتل المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بعد محافظة تعز، وتتوزع على 26 مديرية جغرافية. وهناك حقائق تعكس أهمية هذه المدينة عند المخطط الإرهابي الإيراني القطري، فموقعها الجغرافي المميز كبوابة رئيسة لليمن تطل منه غرباً على البحر الأحمر، وهو أهم وأقدم بحار العالم وأكثر حيوية وأهمية وكثافة لحركة الملاحة البحرية العالمية، كما لو فكرنا فيها من ناحية أمنية سنجد أن الحديدة تعد نقطة التقاء هامة بين شبه الجزيرة العربية وبين دول المغرب العربي وأهمها مصر التي أيضاً تشن عليها مخططات إرهابية لزعزعة أمنها واستقرارها. بكلمات أخرى استمرار وجود الحوثيين فيها يعد تهديداً أمنياً لمصر ودول المغرب العربي، وهو ما تطمح إيران وقطر باستمراره بالطبع وعدم التخلي عنه مهما كلف الأمر!

فالحديدة تشكل واحدة من أهم مناطق التماس والالتقاء وتفاعل الإنسان اليمني مع العالم من حوله، واختطاف تاريخ وعروبة هذه المدينة سيكون منطلقاً لتغيير التركيبة السكانية للشعب اليمني على مدى السنين القادمة. كما أن الحديدة كانت دائماً الأرض التي عليها حسم تاريخ اليمن واستقلال اليمن كدولة، فهي من أول الساحات اليمنية التي شهدت تحولات هامة ومعارك تاريخية وطنية حاسمة لصد الغزاة والمستعمرين على اختلاف أجناسهم وتنوع مآربهم وأطماعهم.

والمجاعة التي تعاني منها اليمن اليوم يعود أحد أسبابها إلى أن الحديدة تحتل المركز الأول بين محافظات اليمن في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية، فهي تطل على شريط ساحلي طويل غني بالأسماك والأحياء البحرية كماً ونوعاً، والنشاط التجاري في الحديدة متميز من خلال عمليتي الاستيراد والتصدير في ميناء الحديدة الذي يعد ثاني ميناء رئيس في اليمن، وهو يمثل نقطة حيوية على البحر الأحمر لتسليم المساعدات لليمن ويستقبل نحو 80 % من واردات اليمن الغذائية، لذا كل هذا يفسر استهداف الحوثيين لها وتمركزهم فيها وعدم الرغبة في التخلي عنها، وهذا ما يؤكد أيضاً أسباب حرص قوات التحالف على تحريرها لأجل إنهاء معاناة الشعب اليمني من ويلات الحرب الإرهابية للحوثيين، حيث اشترط التحالف العربي خلال يونيو الماضي على الحوثيين الانسحاب منها كشرط لأي اتفاق سلام وإنهاء القتال، وذلك للحد من المجاعة التي يعانيها شعب اليمن.

إن تحرير الحديدة من الحوثيين سيكون بمثابة الضرب في مقتل للحوثيين، لذا فمعركة الحديدة معركة مصيرية قطعاً، فهي إلى جانب كونها تستنزف مقدرات الحوثي فهي أيضاً تعني كما يرى محللون تجفيف مصدرها الرئيس في تمويل حروبها في جبهات القتال المختلفة في بقية المناطق التي يستولون عليها، فهناك خسائر كبيرة فادحة لميليشيات الحوثيين وأحد أهم المؤشرات أن الحوثي لن يقبل بالتخلي عن الحديدة والاستجابة لمفاوضات الأمم المتحدة وعزمه على المواجهة العسكرية وقيامه باستثمار كسب الوقت في وقف القتال لإدخال الكثير من الأسلحة من صنعاء وتخزينها في مبانٍ سكنية داخل أحياء الحديدة، إلى جانب تجنيد الأفارقة لسد النقص داخل صفوفه أمام زيادة الخسائر البشرية والقيام بعمليات تفخيخ الأحياء السكنية وابتزاز الأهالي من خلال اختطاف أطفالهم وتجنيدهم للزج بهم في المعارك، حيث قاموا بابتزاز العائلات الفقيرة بطلب تسليم أطفالهم مقابل الحصول على المواد الإغائية التي يسيطرون عليها من خلال ميناء الحديدة، كما سارعوا لعمليات حفر الخنادق داخل الأحياء السكنية والتمترس فيها، متخذين من المدنيين دروعاً بشرية، كذلك منع سكان مدينة الحديدة الواقعة غربي اليمن من مغادرة أحيائهم وتهديدهم بتعرض منازلهم للسرقة والنهب وتحويلهم إلى دروع بشرية، كما أكدت مصادرة عدة قيام الحوثيين باستحداث معامل لصناعة الألغام والمتفجرات داخل الأحياء السكنية وجعل أحد أهم هذه المعامل خلف المستشفى العسكري بالمدينة.

كل هذا يؤكد أن الحوثيين يستثمرون وقت وقف القتال العسكري لصالحهم وفي محاولات لإنعاش مشروعهم الآخذ في الاختناق، وإن كان هناك من مازال لا يؤمن بأهمية الحرب في اليمن وعنده فكرة أن الحرب من قبل قوات التحالف العربي تعني استنزافاً للقدرات العسكرية والمالية، وأنها شأن داخلي يخص شعب اليمن لوحده، ولا يقيس الأمر على مدى بعيد مما يراه، ويفطن إلى مخاطره الكبيرة على المنطقة العربية ودول الخليج العربي تحديداً، فإن ما أعلنته كتائب ما تسمى سيد الشهداء المنتمية للحشد الشعبي الإرهابي في العراق بتاريخ 9 يوليو الماضي عن استعدادها للتوجه إلى اليمن للقتال إلى جانب الحوثيين كما أن قيام الإرهابي عبدالملك الحوثي بتوجيه الشكر لحزب الله اللبناني الذين عبروا عن استعدادهم للوقوف إلى جانب الحوثيين ولا ننسى كلمة الإرهابي حسن نصرالله للحوثيين بالقول “يا ليتني معكم في الحديدة”، هي بمثابة رسالة مبطنة للحوثيين بالاستمرار في القتال وأن خيار الانسحاب ليس وارداً بالأصل، وكل ذلك مؤشرات على أن المشروع الإيراني في اليمن يحتاج ليد عربية دولية تنتشله بأسرع وقت وتفك أسره من هذا المخطط الإرهابي المدعوم من إيران وتنظيم الحمدين في قطر، وأن المفاوضات الجارية هي نقطة فاصلة فقط، فيما الحل النهائي ونقطة النهاية ستكون من خلال الحسم العسكري والمواجهة التي ستقبر هذا المشروع وترسل معه الحوثيين إلى قبورهم للأبد.
* عن (الوطن) البحرينية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى