هل ينجح الانتقالي بفرض هيئاته وقياداته ممثلا وحيدا في الأمم المتحدة؟

> تقرير/ وهيب الحاجب

>
إشكالية تمثيل الجنوب بين ضغوط الخارج وتباينات الجنوبيين في الداخل

تأكيد المجلس الانتقالي موقفه الرافض لأي محاولة لتجاوز قضية شعب الجنوب وتطلعاته نحو تقرير مصيره يعزز حضور المجلس شعبيا والتفاف الجماهير حوله، ويرفع من رصيد الانتقالي لكسب مزيد من الثقة الشعبية فوق ما حققه في هذا الجانب حتى الآن.

الجمعية الوطنية للانتقالي عقدت أمس الأول الخميس دورة استثنائية وبدعوة عاجلة من رئيس المجلس أشعرت كثيرا من المتابعين والمهتمين أن ثمة موقف حاسم أو بيان مصيري سيتم الإعلان عنه، غير أن ما تضمنه البيان الصادر عن الدورة لم يكن بهذا المستوى ولم يكن عند تطلعات من كانوا يعولون على أكثر مما ورد في السبع النقاط التي تضمنها البيان.

الدورة الاستثنائية (برلمان الجنوب) يبدو أنها عُقدت بهدف البحث عن تفاصيل تمثيل الجنوب في مفاوضات جنيف وإعطاء الانتقالي- بصفته كيانا سياسيا جامعا- تفوضيا كممثل للجنوب على اعتبار أن الجمعية الوطنية هيئة تشريعة يُفترض أن تكون منتخبة من الجماهير أو على الأقل تمثل إرادة الجماهير وتعبّر عن تطلعاتهم لا سيما في هذه الظروف التي يمر بها الجنوب ولا تسمح بإجراء انتخابات.

في الفقرة الثانية من البيان ورد نص العبارة التالية «تعبر الجمعية الوطنية عن رفضها لأي محاولة لتجاوز قضية شعبنا الجنوبي وممثله المجلس الانتقالي الجنوبي في أي مفاوضات قادمة، وتوصي رئاسة المجلس باتخاذ ما تراه مناسبا رفضا لأي محاولة تهدف الى الالتفاف لتزييف إرادة شعب الجنوب»، ما يشير إلى دلالتين: الأولى أن «رفض تجاوز الانتقالي كممثل للجنوب» هو المقدم عن «رفض تجاوز قضية شعب الجنوب» في إجندات الدورة وأهدافها، وإن كانت «القضية» قدمت على «الممثل» في سياق النص كبروتوكول وديباجة اعتيادية، أما الثانية- وهي الأهم- فإن توصية الجمعية لرئاسة المجلس باتخاذ ما تراه مناسبا لرفض «الالتفاف وتزييف الإرادة» فإنها بذلك تكشف عن دلالات الدعوة لعقد الدورة الاستثنائية التي أطلقاها رئيس المجلس من محل إقامته في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بمعنى أن رئيس المجلس ورئيس الجمعية الوطنية المتواجد هو الآخر في القاهرة، يتنقلان بالخارج في إطار المشاروات مع أطراف دولية وإقليمة.. وهذا يعني أن هناك نوعا من الضغوط تمارسها تلك الأطراف على الانتقالي في مسألة تمثيل الجنوب ومحاولة إشراك أطراف أخرى يُخشى أن تكون من المؤيدين للشرعية اليمنية ومناصري مشاريع الأقلمة وتقسيم الجنوب.

عند الاستدلال بالمنطق الاستقرائي للبيان وفقرته الثانية تحديدا، يتضح نوع مما اُستدل في «الدلالة الثانية»، وهنا قد تكون الدعوة للدورة الاستثنائية نتيجة لتلك الضغوطات، وبالتالي فإن مخرجات الدورة جاءت لتفوض رئاسة المجلس في رفض ما تمليه عليه أطراف إقليمية من مشاريع أو على الأقل كيفية المشاركة في المفاوضات وما هي الأطراف التي ستمثل الجنوب، وهنا يكون الانتقالي محقا ومصيبا في دعوته للدورة، والجمعية الوطنية ملزمة في الاستجابة والموافقة على التفويض لتقوية موقف المجلس أمام ما يُفترض هنا من ضغوط.

المبعوث الأممي مارتن جريفيثس دعا في وقت سابق قيادات المجلس إلى المشاركة في مشاورات جنوبية جنوبية ستعقد في القاهرة أو بروكسل، غير أن رئاسة المجلس لم تحدد موقفها من المشاركة أو عدمها وطلبت فرصة للتشاور مع بقية قيادات المجلس في الداخل، رغم أن أكبر قيادات المجلس وأهمها كانت وماتزال في الخارج وهي من قُدمت لها الدعوة وكان بإمكانها اتخاذ قرار المشاركة دون تسويف أو تبريرات.. هذه الحقيقة ترجح أن تكون «الدورة الاستثنائية» للجمعية الوطنية رسالة موجهة إلى الداخل أكثر منها تأكيدا على موقف الانتقالي وإسطوانة رفض تجاوز الجنوب وإرادة الشعب، وبالتالي فإن الدورة ومخرجاتها تأتي في إطار التباينات بين المكونات السياسية الجنوبية حول أحقية تمثيل شعب الجنوب وهو ما تشير إليه الفقرة الرابعة في بيان الجمعية الذي دعم ما جاء في حديث رئيس المجلس «بخصوص تعزيز اللحمة الوطنية وعدم تهميش أو إقصاء أي جنوبي وضمان استمرار الحوار الوطني الجنوبي وفق الثوابت الوطنية التي يجمع عليها شعب الجنوب».. وهنا يبدو واضحا نوع من التناقض في البيان الذي اعتبر في بدايته أنه الممثل لشعب الجنوب ودعا في فقرته الرابعة إلى الحوار مع بقية المكونات لتعزيز اللحمة.

الجمعية فوضت رئيس المجلس عيدروس الزبيدي «اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة في المشاركة في أي مفاوضات أو مشاورات قادمة بما لا ينتقص من حقوق شعب الجنوب وخياراته»، ما يؤكد أن وراء الدعوة للدورة الاستثنائية نوايا للحصول على التفويض بطريقة ربما ينظر إليها الانتقالي بأنها شرعية أو يحاول فرض شرعيتها، للضغط على بقية المكونات الجنوبية التي ترغب بالمشاركة.

الجمعية الوطنية أكدت رغبتها وإرادتها في المشاركة بالمفاوضات القادمة، وبينت أن المشاركة «من أجل إحلال السلام في المنطقة والإقليم والعالم»، ولم تشر إلى أن المشاركة بتفويض من شعب الجنوب بهدف إيصال صوته للأمم المتحدة وحمل تطلعات الجنوبيين نحو تقرير المصير إلى أروقة الأمم المتحدة وطرحها بقوة أمام المجتمع الدولي، وهو ما يثير مخاوف لدى عامة الناس في الجنوب وكذا بعض السياسيين من أن الحصول على التفوض للمشاركة في المفاوضات هو المقدم عن طبيعة المشاركة وإجنداتها، كما أن البيان استهل فقراته بحرص الانتقالي «على إنجاح مهام المبعوث الأممي لما يتمتع به من إيجابية لامست جذور الواقع تجاه قضية شعب الجنوب»، وكذلك الترحيب بجهود جريفيثس ودعمها، في حين أن كل المشاورات التي قام بها المبعوث الأممي مع أطراف يمنية وإقليمية ودولية لم تتطرق إلى مستقبل الجنوب ومساعي الجنوبيين للاستقلال، وأكد المبعوث الأممي ذلك صراحة حين قال إن مستقبل الجنوب لن يطرح للتفاوض في جنيف وأن القضية الجنوبية ومطالب الانفصال ستُناقش في حوار يمني مع العملية الانتقالية، أي بعد المفاوضات الأممية وبعد التسوية السياسية التي تسعى لها الأمم المتحدة في اليمن.

الانتقالي اليوم أمام مسؤولية تحتم على هيئاته تجاوز ما يحاك ضد إرادة شعب الجنوب بفرض مكونات هلامية وتقديمها إلى مفاوضات جنيف كجزء فاعل من تمثيل الجنوب، والخطر الأكبر آتٍ من جنوبيي الشرعية الذين يعملون ضد إرادة الجنوبيين وضد المشروع الوطني الجنوبي.. هذه المسؤولية تقتضي أن يعمل الانتقالي على مقاربة المكونات والأشخاص المؤمنة بالاستقلال، وهي كثيرة، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحراك (الجناح الذي لا يمثله فادي باعوم) وكذلك حزب الرابطة، والمستقلين المؤمنين بالثوابت الجنوبية وعليه -أي الانتقالي- تقع المسؤولية في إيجاد فريق تفاوضي موحد وممثل جنوبي من كل الأطياف المؤمنة بإرادة الشعب بعيدا عن محاولات تقديم المجلس نفسه وقياداته كممثل واحد وشرعي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى