الذكرى الـ67 لوفاة الشيخ محمد عبد الله المحامي

> شيخ طارق محمد عبدالله, المحامي

>
 توفي الوالد الشيخ محمد عبدالله، المحامي - رحمه الله - في 12 أغسطس 1951 في لندن ودُفن في عدن في 27 أغسطس 1951.

في أسرتنا لا نحب أن نتحدث عن أنفسنا، لكن اسمحوا لي ولأول مرة أن أكتب القليل عن الأحداث التاريخية الرئيسية عن والدي المرحوم والمتعلقة بعدن لإثراء المعلومات لا غير ، وعلى وجه الخصوص للأجيال  الحالية، لذا طلبت من صحيفة «الأيام» الغراء إعادة ما نشر سابقاً في الذكرى الخمسين لرحيل الوالد، رحمه الله.

بدأ والدي الراحل الشيخ محمد عبد الله ممارسة مهنة المحاماة في عدن في العام 1927 م، وكان أول محامي مسلم في عدن في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.

منذ أيامه الأولى في عدن، أصبح مهتماً باحتياجات المسلمين وحقوقهم في عدن، وشجع كلاً من محمد علي لقمان وبابو هانده، وهما شابان ذكيان وأصغر عمراً منه لدراسة القانون. ذهب كلاهما إلى الهند على نفقتهما الخاصة وتخرجا في القانون. حياتهما وأعمالهما تستحق الثناء ومعروفة للجميع.

كان هذا قبل  أربعة أجيال، وبالنسبة لي فقد وُلدت في كريتر، عدن قبل 85 سنة وعِشت في عدن وشاهدت أحداث الأجيال الأربعة الماضية، عندما كنت شاباً  في المدرسة الثانوية في منتصف الأربعينيات ثم عاصرت المراحل التاريخية الاخرى إلى يومنا هذا.
 في الذكرى الخمسينية لرحيل الشيخ المجاهد محمد عبدالله المحامي.. أعقل وأنشط القانونيين
في 12 أغسطس 1951م، فجعت عدن وضواحيها برحيل الشيخ المجاهد محمد عبدالله المحامي، الذي فاضت روحه في بريطانيا التي كان يحضر فيها معرض لندن بعد أن اختير من بين أعضاء المجلس التشريعي ليمثل عدن في هذا المعرض، ولم تمض عليه أيام هناك حتى أصيب بالتهاب الكلى ثم تعرض لالتهاب رئوي.. فكان القدر وحل الأجل المحتوم.. وقد نقل جثمانه إلى عدن يوم 26 / 8 / 51م، ويوم وصوله مدثرا بالرداء الأبيض تقاطر رجال عدن وأعيانها ووجهاؤها وكل البسطاء زرافات ووحدانا لاستقبال فقيدهم في المطار.. آلاف مؤلفة ونحو مئتي سيارة لنقله إلى بيته لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة. وفي الليلة نفسها وتحديدا في التاسعة مساء شيع جثمان الشيخ الجليل محمد عبدالله، وسار خلفه وأحاط به نحو 20 ألف شخص في لحظات غمرها الحزن والأسى العميقان.. وبكته كريتر والمعلا والتواهي والشيخ عثمان ودار سعد وكل أزقة وحارات عدن.. أما نعشه فكان محمولا بين أعلام الجمعيات الخيرية الكثيرة التي كان رجلها وخادمها على الدوام، وفي مقدمة الأعلام كان علم الجمعية الحضرمية الخيرية، فالجمعية الإسلامية فرابطة الشباب الصومالي فرابطة أبناء الجنوب.. وقيل إن عدن لم تشاهد ميتا في حياتها شيع بمثل الجموع الغفيرة التي اتفقت على تعظيم الفقيد وتقديره.. فقد كان في مقدمة مشيعيه منصب عدن الجليل السيد زين بن حسن العيدروس، وسمو الأمير علي عبدالكريم، وعلماء ووجهاء وأعيان عدن.. كما شارك في التشييع عدد من المسئولين الحكوميين وعلى رأسهم مندوب والي عدن ومندوب والي الطيران بعدن وفصيلة من جيش محمية عدن.. إضافة إلى كشافة مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية وكشافة المعهد التجاري.

 أعقل وأنشط القانونيين
أما الحكومة فقد نعت الشيخ محمد عبدالله، على لسان سكرتيرها العام المستر جود الذي قال: «بوفاته فقدت الحكومة قانونيا من أعقل وأنشط القانونيين ورجلا كرس نفسه لخدمة أكبر مجموعة من الناس الذين عاش بينهم.. لقد اهتم، رحمه الله، خاصة بتعليم الفقير والترفيه عنه»، وأضاف: «إن الشيخ محمد عبدالله، خدم في لجان مختلفة معينا من قبل الحكومة، وعين في عام 1944 عضوا في اللجنة التنفيذية للمجلس البلدي التشريعي، وكان عضوا في لجنة إغاثة الفقراء ولجنة خيريات الحرب.

 لم يخاصم أحدا
صحيفة «النهضة» لناشريها السيد عبدالرحمن جرجرة وإبراهيم راسم، رثته في يوم رحيله إلى مثواه الأخير بالقول: «ذهب رجل فذ لم يخاصم أحدا بل كان يسعى لمصالحة أعدائه، فإذا توفق في مساعيه النبيلة كان ما تمناه وإلا فإنه يتركهم وشأنهم.. ذهب رجل كان يعترف بغلطاته ويصلحها شاكرا لا يستعين بالمشاتمة أو الدس كما هو حال المتزعمين في الشرق».

 قاسم مشترك في كل حركة شعبية
أما رابطة أبناء الجنوب فقد رثته بـ«الشخصية الإسلامية المحبوبة التي أوقفت نفسها لخدمة المسلمين وتوحيد كلمتهم ورفع شأنهم.. وأن مواقفه المشهودة في الدفاع عن القضايا الشعبية، وإخلاصه في خدمة مصالح أبناء هذه البلاد قد جعلته قاسما مشتركا في كل حركة شعبية ودعوة وطنية خالصة».. ثم وصفه السيد سالم الصافي بـ «الزعيم» كون الغالبية من الشعب تنجذب إليه لِمَ عرف عنه من نبل غايته وتفانيه في خدمة الناس وما أثر عنه من الخير.

 مواقف وأدوار
شهد المجلس التشريعي الذي انتخب الشيخ محمد عبدالله عضوا فيه، بعد أن اختاره العدنيون ممثلا لهم في سلطة الضواحي، عددا من المواقف التي اضطلع بها سندا للصحافة والموظف العدني والتعليم ومطالبته بتعديل قانون الهجرة وتشكيل لجنة لذلك، ومثل موقفه إلى جانب المكنسين الذين قبض عليهم في حالة إضراب وزج بهم في السجن في 21 / 1 / 1949م موقفا مشرفا وإنسانيا مع شريحة لا حول لها ولا قوة.

 نبذة عن حياة الفقيد
كان الفقيد، رحمه الله، عضوا في المجلس التنفيذي لبلدية عدن عام 1944م، عضوا في المجلس التشريعي منذ تأسيسه عام 1947، فأمين مصلحة ميناء عدن عام 1946م، مؤسس ورئيس الجمعية الإسلامية الكبرى عام 1949م، رئيس لجنة التحقيق نيابة عن مسلمي عدن في اضطرابات بين المسلمين واليهود وأثبت براءة المسلمين وإدانة اليهود عام 1947م، رئيس اللجنة التنفيذية لمدرسة بازرعة الإسلامية، رئيس مدرسة شيرين بهاي لالجي الإسلامية بالميدان - كريتر، مؤسس ورئيس الجمعية التعليمية الإسلامية عام 1951م.

ذاع صيت الفقيد الشيخ محمد عبدالله خارج حدود الجنوب العربي، حيث قال عنه زعيم هندي مسلم هو الحاج محمد عبدالعليم الصديق بعد رحلة طاف خلالها معظم البلاد الإسلامية بأنه يرى - نقلا عنه: «أن خير نظام لإصلاح رجال المسلمين هو تطبيق التشريع الاقتصادي السياسي، ويدعو إلى أن تكون الوحدة الإسلامية على غرار نظام الولايات المتحدة الأمريكية، فتتمتع كل دولة فيها بحرية التصرف في شؤونها، على ان تكون لها سياسة خارجية موحدة».

أخيرا.. للشيخ محمد عبدالله المحامي اثنان من الأبناء هما المحاميان الشيخ طارق والشيخ فاروق، وحفيدان محاميان هما خالد طارق وريم طارق... وقد قامت أسرته بتأسيس جمعية خيرية متواضعة في بريطانيا بمناسبة الذكرى الخمسينية لوفاته وستبدأ اعمالها في اليمن العام القادم.
«الأيام» العدد 3354 في 25 أغسطس 2001م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى