أزمة المحروقات بين فشل «الشرعية» ومصالح المتنفذين

> «الأيام» عن (العربي)

>
 تشهد مدينة عدن وغيرها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، حالة من الغليان الجماهيري واسع النطاق نتيجة لتفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والناجمة عن الفساد المستحكم في أداء الحكومة وتخاذلها عن وضع حلول اقتصادية فعالة، لإيقاف التدهوّر المتسارع في سعر العملة الوطنية مقابل سعر العملات الأجنبية.

لم تقف أسباب الغليان عند هذا الحدّ، بل زاد الأزمة اشتعالاً تجاهل الحكومة الكامل لأزمة المشتقات النفطية، التي ظلت طيلة السنوات الثلاث الماضية وما تزال في تصاعد مستمر، سواء أكان بعدم قدرتها على التحكم بتوفيرها في الأسواق، أو في تحديد سقف معين لأسعارها، ما أعاق العديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية، وأرهق كاهل المواطنين بأعباء إضافية. هذا التجاهل الحكومي فتح الطريق أمام السوق السوداء، لتنفرد بوضع الحلول والمعالجات التي تغيب فيها المصلحة العامة، وهي لا تعنى إلا بمصالح فئات انتهازية، وجدت من الظروف الراهنة مرتعاً خصباً لبقائها، حيث تجاوزت قيمة جالون البنزين 20 لتر 8500 ريال، فيما لا زالت حكومة «الشرعية» غير مكترثة لهذه الأسعار، وما زالت غير قادرة على وضع أي تبريرات، تطمئن مواطنيها عن المآلات الصعبة، التي يعيشونها.

اختفاء المشتقات
لم يكن مستغرباً اختفاء المشتقات النفطية عن الأسواق في المناطق التي من المفترض أن تكون واقعة تحت سيطرة حكومة الرئيس هادي؛ لأن هذا الاختفاء هو السائد، وهو الغالب الأعم في هذه المناطق. معظم محطات التموين بالوقود تكون مغلقة أصلاً، نظراً لعدم توفر مادتي البنزين والديزل، ومن النادر أن يفتح بعضها في بعض المديريات أو الأحياء، بعد حصولها على حصتها لمرة واحدة في الشهر كغيرها من المحطات، أو مرتين في الشهر للمحطات التي تحظى بأهمية نتيجة موقعها داخل المدينة. ازدحام مئات المركبات بطوابير طويلة، أضحى من أهم العلامات التي يستدل بها المواطنون على إمكانية حصولهم على حاجتهم من الوقود، حيث يتم الصرف وسط حراسة أمنية مشددة، لمواجهة حالات الاختناق المؤدي إلى حالات من العنف بين المستفيدين.

المهندس عبد الصمد سيف، من نقابة عمال شركة النفط، تحدث إلى «العربي» عن عملية توزيع الحصص من المشتقات النفطية على المحطات، قائلاً: إن «شركة النفط هي التي كانت من قبل المعنية بتوزيع الحصص للمحطات، وما زالت هي المعنية بهذه المهمة قانوناً، إلا أنه في الآونة الأخيرة، تم تجاوزها، وصار التوزيع من قبل الشركات المستوردة مباشرة لأغلب المحطات، بطريقة تغلب فيها العلاقات والوساطات».

وأضاف «حالياً تحوّل دور شركة النفط إلى وسيط بين أصحاب المحطات وشركات الاستيراد المسيطرة على خزانات مصافي عدن»، موضّحا ذلك بالقول إن «شركة النفط ترفع أسماء بالمحطات، ويتم صرف حصتها، إلا أن كثيرين يتم الصرف لهم من خارج القوائم المرفوعة، وهي مخالفة للقانون».

وأشار سيف إلى الأسباب التي تقف وراء اختفاء المشتقات النفطية عن الأسواق بصورة مستمرة، قائلاً: «لأن العملية اليوم تعتمد على السوق السوداء، والجهات الحكومية المعنية بتلبية حاجة السوق المحلية، ممثلة بشركة النفط صارت متوقفة عن عملها، ودورها صار مشلولاً، وصار المعنيون هم من يبحثون عن الفائدة الخاصة بالمستورد والمسوّق، الذين لا يهتمون بوضع احتياطي قومي، لمواجهة حالات العجز، لهذا كل ما يتم استيراده، يتم تسويقه، تبعاً لمزاج أصحاب الشركات المحتكرة للاستيراد».

المتنفذون يديرون الأزمة
كانت مدينة عدن قد شهدت إضرابات واعتصامات متوالية، نفذها عمّال وموظفو شركة النفط، رفعوا فيها شعارات مطالبة برفع أيدي المتنفذين عن عملية استيراد وتسويق المشتقات النفطية، وعدم تحويل مصافي عدن إلى مجرد مخازن لمشتقاتهم المستوردة، باعتبار أن القانون، قد حدد مهام المصافي بحدود عملية التكرير فقط، وألزمها بتحويل نتائج التكرير إلى مخازن شركة النفط لتقوم بعملية التسويق.

تلك التظاهرات تمت مواجهتها بالقوة المسلحة، وكان آخرها ما حدث للمعتصمين في شهر إبريل الماضي، حيث تم طرد المتظاهرين بالقوة المسلحة من أمام المدخل المؤدي إلى المصافي وشركة النفط، بمدينة البريقة، الأمر الذي فتح الباب أمام تكهنات عن الدور الذي ما زال يمارسه متنفذون داخل مكتب رئاسة الجمهورية، ولهم سلطات قوية على أداء الحكومة، خاصة في ما يتعلق باستيراد وتسويق المشتقات النفطية.

في مقدمة هؤلاء المتنفذين، الشراكة القائمة بين كل من جلال، نجل الرئيس هادي، والشيخ أحمد العيسي، اللذين يملكان أكبر الشركات النفطية، وأبرزها شركة «عرب جولف»، التي منحت حق الامتياز الكامل بتحويل خزانات تكرير النفط في مصافي عدن إلى مخازن للوقود التي يتم استيرادها من دول الخليج، بمقابل رسوم رمزية، تدفع لشركة «مصافي عدن»، كما منحت حق التسويق داخل السوق المحلية.

حكومة غير مؤهلة
إلى ذلك تحدث الباحث في جامعة عدن أحمد الديني، قائلاً: «لم يعد للحكومة ما يؤهلها في وضع حلول لأزمة اختفاء المشتقات النفطية، أو تحديد سقف معقول لأسعارها، لأنها حكومة فاشلة، ولأنها إذا فكرت بوضع معالجة لهذه القضية، فهذا يعني أنها قادرة على وضع حلول لقضايا مرتبطة بها في العملية الاقتصادية في البلد برمتها».

وفسّر ذلك بالقول: «إن مواجهة ما يتعلق باختفاء وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، يجب أن يسبقه قدرتها على التحكم بسعر العملة الوطنية، ويرتبط هذا أيضاً بقدرتها على ضبط إيرادات الدولة، إلا أن الحكومة أثبتت أنها غير قادرة على وضع أي معالجات».

وأبدى الديني اعتقاده بأن «ملف أزمة المشتقات النفطية، سيظل من الملفات التي لا تمس من قبل أي طرف، بمن فيهم رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، ووزير النفط؛ لأن هذه الأزمة تدار من قبل متنفذين، في مكتب رئيس الجمهورية نفسه، ومن اللجنة الاقتصادية في الرئاسة»، في إشارة منه للشراكة القائمة بين كل من جلال هادي والشيخ أحمد العيسي، نائب رئيس «اللجنة الاقتصادية» في رئاسة الجمهورية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى