بين حكومتي الحرب والظل.. الجنوب بات مهيّئا لإحداث تغيير نوعي نحو الاستقلال

> تقرير/ وهيب الحاجب

> بعد الإقصاء من جنيف.. ما هي قدرات الانتقالي لفرض «واقع سياسي» جديد؟

​أضحى في حكم المؤكد البات أن الجنوب خارج اللعبة السياسية في اليمن، ولن يكون طرفاً لا رئيسياً ولا هامشيا في أية تسوية قد تفضي إليها مفاوضاتُ جنيف المقرر إطلاقُها غدا الخميس، وتأكّد أن الجنوب أُقصي من المفاوضات باتفاقٍ وشروط وضعتْها الشرعية والانقلاب وقبلت بها الأمم المتحدة؛ ما يعني أن الوضع في الجنوب بات مهيئا لإحداث تغييرٍ نوعي في مسار القضية الوطنية بخلق واقع جديد يعيد رسم التحالفات السياسية ويؤسس لموازين قوى جديدة في الإطار العام للحرب والصراع والجهود السياسية في المنطقة.

موقف المجلس الانتقالي الذي عبر عنه أمس الأول في بيان للشعب الجنوبي كان عند مستوى المسؤولية التي تتطلع إليها كل القطاعات الجنوبية العسكرية والمدنية من مكون سياسي وُجد ليكون حاملا للقضية ومعبرا عن المشروع الوطني الجنوبي.

ما تضمنه البيان في ظاهره غير كافٍ لإحداث تغيير نوعي في مسار القضية الجنوبية ومشروع المجلس الذي يُفترض أنه يقود الجماهير نحو الاستقلال بعيدا عن الارتباطات السياسية والعلاقات الإقليمية التي تتعارض مشاريعها وترفض مصالحها فكرة استقلال الجنوب، فالبيان إن لم يكنْ مدروسا وتتبعه إجراءات عملية لتحريك الشارع الجنوبي وتوجيه المقاومة والتشكيلات العسكرية الجنوبية للضغط نحو التعاطي مع مشروع الاستقلال.. سيكون بيانا غيرَ ذي أهمية، وسيجعل الانتقالي في موقف صعب ومحرج أمام الأطراف الإقليمية والدولية التي تعتقد أن المجلس الانتقالي هو صاحب الكلمة الفصل في توجه القوات العسكرية في الجنوب والأخرى التي تقاتل في الشمال. وربما كان تواطؤ الأمم المتحدة مع حكومة الشرعية والحوثيين والاستجابة لرغباتهما في استبعاد الجنوب والانتقالي من مفاوضات جنيف.. هو بمثابة اختبار حقيقي للانتقالي ومدى قدرته على السيطرة في الجنوب وحجم التغيير والتأثير الذي سيحدثه قرار الانتقالي في سير المعارك بالساحل الغربي، وكيف سيغير موازين القوى ويثبت أن الحرب لن تتوقف بدون الانتقالي الذي يحمل هنا رمزية الجنوب سياسيا وعسكريا؛ وبالتالي فإن على الانتقالي أن يكون مستعدا لهذا الاختبار ويبدأ بإجراءاتٍ عملية تستخدم أوراق القوة التي يمتلكها وهي تحريك الجماهير واستخدام القوات العسكرية لفرض واقع جديد في محافظات الجنوب مع اللعب على المسار السياسي عند الأطراف الإقليمية والدولية ومع الأمم المتحدة نفسها.

فرض واقع جديد في الجنوب لا يعني أن يكون بالقوة العسكرية، واستخدام القوات العسكرية لا يعني بالضرورة المصادمات المسلحة أو الحرب، بقدر ما هو واقع سياسي مدروس بعناية تحميه القوات العسكرية الجنوبية وتباركه وتتبناه كخيار فُرِض على شعب الجنوب ومقاومته فرضا بعد سنوات من شراكته الحقيقية مع التحالف العربي والتزامه بالعملية السياسية التي أوهمت الجنوبيين بأنهم جزءٌ منها وأنها- أي التسوية - لا شيء بدونهم كطرف أساسي أو كطرف فاعل أو مشارك على أقل تقدير.. (الواقع الجديد) في الجنوب اليوم يجب أن يكون سياسيا بالبحث عن صيغة أكبر من المجلس الانتقالي تتبنى تسيير الدولة الجنوبية إداريا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا، من قبيل الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة حرب تتولى إدارة الجنوب أو حتى «حكومة ظل» تتولى مهام حكومة الشرعية في الإطار الجغرافي للجنوب، مع سحب عدد من الألوية الجنوبية التي تقاتل في صعدة وحجة وتركيزها في مناطق التماس مع الشمال لحمايتها من الاعتداء الشمالي الذي سيكون مرجحا في حال إعلان حكومة جنوبية أو اتخاذ أي قرار حاسم يخص مستقبل الجنوب وعلاقته بالشمال.

تكديس أكثر من 13 لواء جنوبيا في الساحل الغربي من باب المندب حتى الحديدة مسألة يجب أن ينظر إليها الانتقالي بما يحقق المصلحة العليا للجنوب ومشروع الاستقلال، ويعمل على إعادة نشرها ويشرف على انتشارها في المسرح العملياتي شمالا وما سيُستحدث جنوبا بإعادة عدد من هذه الألوية إلى عدن وإلى المناطق الحدودية لحماية (الوضع السياسي الجديد) وإبقاء ألوية أخرى للقتال في جبهات الشمال في إطار مشاركة الجنوب في التحالف العربي كعضو فاعل وشريك حقيقي في محاربة المد الإيراني والمشروع الفارسي ضد الخليج والمنطقة العربية.

العلاقة مع التحالف العربي يبدو أنها ستأخذ منحى آخر وستكون أكثر صراحة وصرامة خلال الفترة المقبلة. فالانتقالي ومكونات الجنوب كافة وكذلك القوات العسكرية واضحة الهدف وصريحة في مطالبها عند تعاطيها وتعاملها مع التحالف العربي منذ إطلاق العاصفة في مارس 2015، غير أن دول التحالف لم تكن- حتى الآن على الأقل- واضحة في تعاطيها مع مطالب الجنوبيين واستخدمت الشغف الجنوبي بالاستقلال لتقوية جبهتها ضد الحوثيين وكسر شوكتهم وهزيمتهم والعمل على ضمان مستقبل مصالحها الاقتصادية ونفوذها دون موقف واضح وصريح مما يسعي إليه شعب الجنوب.. اليوم سيكون التحالف مطالبا بموقف حاسم ورؤية واضحة لمستقبل الجنوب وموقعه من العملية السياسية والصراع الحاصل. بيان الانتقالي ومدى جديته سيجعل دول التحالف أمام مسارين لا ثالث لهما، فإما جنوبا أو شمالا، ولا مجال للضبابية بعد البيان وما يفترض أن تتعبه من خطوات.

رغم فرضيات الاعتقاد بأن أطرافا داخل التحالف تدعم المجلس الانتقالي وتساند مشروع فصل الجنوب، إلا أن مثل هذه التوجهات ستظل فرضيات بحاجة إلى إثبات وإخراج وترجمة حقيقية في (الواقع السياسي الجديد) أو حتى قبله، شريطة أن لا تكون لعرقلة أو تأخير أو تشويه ما يُنتظر من «واقع سياسي جديد» في الإطار الجغرافي للجنوب المعروف قبل 22 مايو 1990م.

التدهور الاقتصادي وانهيار العملة والعمل على إجبار الناس للخروج إلى الشوارع في الجنوب قبل مشاورات جنيف.. ورقة تلعبها حكومة الشرعية لزرع فوضى ورمي وزرها على المجلس الانتقالي في محاولة للضغط على الشارع للقبول بمخرجات جنيف، ومسعى لإظهار الشرعية نفسها بأنها المنقذ من هذا الوضع عبر المخرجات التي يرفضها الانتقالي، وبالتالي تصوير المجلس الانتقالي وكأنه المعرقل والمتسبب بالتدهور المعيشي، ولا يُستبعد أن هذه الورقة ضد الانتقالي بإيعاز من أطرف معينة بالتحالف رأت أن مهمة المجلس الانتقالي انتهت وأرادت أن تصوره للشارع الجنوبي بهذه النمطية لضرب شعبيته والتهيئة لتسوية سياسية تتجاوز الثقل السياسي والعسكري للمجلس الانتقالي والجنوب، وبالتالي إبقاء الجنوب والجنوبيين تحت الوصاية الشمالية التي سيُعهد إليها التحكم بمستقبل الجنوب، لا يُستبعد أيضا أن تعمل أطراف في التحالف على خلق كيان جنوبي جديد أو تدعم مكونا آخر لتكمّل به سياستها في الجنوب خلال الفترة القادمة، وهذا ما يجب أن تتنبه له الأطراف الجنوبية كافة بما فيها جنوبيو الشرعية.

اتفاق الشرعية والحوثيين على إقصاء الجنوب من المفاوضات ومن التسوية بشهادة المبعوث الأممي وبمعرفة التحالف هو بحد ذاته شهادة أمام العالم بالإقصائية التي تمارسها كل القوى اليمنية ضد الجنوب، وشهادة بالتمييز العنصري ضد الجنوبيين.. وبالتالي هو ورقة سياسية يجب على الانتقالي والقوى الجنوبية كافة حسن استغلالها سياسيا وتوظيفها لخدمة شعب الجنوب في تقرير مصيره بالوسائل المكفولة في القانون الدولي الذي اعتبر المقاومة المسلحة شكلاً من أشكال تقرير المصير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى