احتجاجات الجنوب.. هل تحوّل حاضنة التحالف إلى الضد؟

> تحليل/ صالح علي الدويل

>
المظاهرات ضد فساد الشرعية، ستستغلها قوى معادية للتحالف، وستتجه بها ضده في الجنوب، ولكن لكي لا نبالغ في تحليل الاحتقان ضد التحالف فليس كله حرف للاحتجاجات. أسباب تراكمت ضد التحالف جعلت الشارع الجنوبي يحتقن ضده، فقد شعرت غالبية واسعة أنهم «كالأطرش في الزفة» وأن التحالف خذل الجنوب، وهذا يدل على أنهم لم يفهموا كيمياء هذا الشعب ومحركاته، وهو ما حذر منه الكثير تصريحا وتلميحا منذ انطلاق الحرب، فمثلما لدول التحالف مصالحها التي تحرص عليها، فللجنوب مصالحه التي قدم من أجلها قوافل من الشهداء.

التحالف يتململ في تبني مشروع الاستقلال بحجة المرجعيات، لكن حربه لم تلزم الحوثي بها، ويعلمون أنه لم ولن يكون مشروعا وحدويا إلا على طريقة الثلث المعطل المسيطر على الدولة، كحزب الله في لبنان، وأي مشروع لا يتبنى قضية استقلال الجنوب سيفشل في الجنوب، بل سيجد أن الحاضنة الجنوبية تتحول إلى الضد. وخروج الناس في الاحتجاجات في اليومين الماضيين ليس حقوقيا كما قد تصوره اليمننة السياسية والإعلامية،  فالهتافات ضد التحالف تعبر عن خذلان سياسي للجنوب أكثر من الخذلان الحقوقي.

إن الأمن بالحزام القبلي استراتيجية عفا عليها الزمن، فشلت في اليمن بعد تجربة خمسة عقود، أمن استوعب قبائل اليمن الزيدية ولم يستوعب اليمن الشافعية التي صارت مرتعا للمشاريع الناصرية والبعثية والاشتراكية  والإخوانية وكلها تكن للجوار عداء إما سياسي أو سياسي ديني، أما قبائل ذلك الحزام فصارت خطرا بدل أن تكون أمنا عندما تحوثت!!

لن ينجح الأمن بالحزام القبلي الإخواني أو التقليدي في الجنوب مثلما فشل الأمن بالحزام القبلي الزيدي في اليمن، ولن تنجح منهجية الوجاهات في الجنوب العربي، كما فشلت في اليمن، وسيفشل اصطناع الدمى السياسية مثلما فشل اليمن، فتلك منهجية في جزء منها لا ترغب في تأسيس دولة في جوارها وتجربة الأمن بالحزام فشلت، والدولة في الجوار وإن لم تكن متطابقة في كل التفاصيل لكنها أضمن من اللادولة أو الدولة الصورية أو سلطة دولة بيد عصابة مليشياوية أو الأمن بالحزام القبلي.
نجاح الأقاليم يعني أن للحوثي الحق في العمل والتجنيد والدعوة له ولمذهبه مباحة بنص الدستور، في كل الأقاليم ليس في إقليمه فقط، وهذا على المدى المتوسط وليس البعيد لن يكون في صالح التحالف في الجنوب أن خذلهم التحالف وأصرّ على دعم الأقلمة وفساد الشرعية.

أي دول لها مصالح في الجنوب العربي ينبغي أن لا تستعدي المشروع الجنوبي كي تؤمن مصالحها، فهذا المشروع وإن لم يكن له حزب منظم، فهو فاعل وعملي وأثبت في الحرب الأخيرة ما لم تثبته الأحزاب المنظمة ذات العلاقات والامتداد الإقليمي، والاحتجاجات الأخيرة شاهدة بأنه المشروع الأقوى جماهيرا ومقاومة.

التحالف بين خطرين، خطر يحاربه وآخر يحالفه، فمصر الناصرية لما أرادت أن ينتشر مشروعها في دول الجزيرة العربية اختارت اليمن.. فهل سينجح تنظيم الإخوان العالمي في ما فشلت فيه الناصرية ويخدعون التحالف وينشرون مشروعهم في اليمن ثم الجزيرة بدعم من التحالف؟، فالمؤشرات تدل على تمكنهم من التحالف بطريقة أو بأخرى.

إخوان اليمن لا يمكن أن يقدموا شيئا لأي من دول التحالف إلا في مواجهة أي مشروع سني سواء أكان وطنيا أو دينيا ليبقوا متفردين في الساحة، وتجربتهم في صنعاء قبل حرب التحالف معروفة، ومحاربتهم للقضية الجنوبية معروفة، وفي معاركهم في تعز ضد السلفية ماثلة للعيان، وتضييقهم على حزب الرشاد السلفي في مأرب وهو حليفهم ليس خافيا، واتجاه إعلامهم بوصم السلفية بالإرهاب، وأن الإخوان يمثلون العلمانية لم تأت من فراغ بل تأسيس لموقف ما مستقبلا! أما المشروع الحوثي فلن يواجهوه بل هادنوه من اليوم الأول. وليس بعيدا أن مشروع الإخوان الدولي يريد أن يستدرج التحالف أو بعض دوله، ويفتح لها جبهة استنزاف من خلال عُمان عبر استدراجها في المهرة وحضرموت الداخل، وهما منطقتان لهما وضع خاص وتأثير تاريخي على السلطنة، ما يجعل عُمان تتوجس خطرا على وجودها وتبحث عن حلفاء إن لم تكن بالفعل قد جهزتهم.

إن لبعض دول التحالف تجربة خمسين عاما مع صنعاء، تجربة لم تمنع الحوثي من الوصول للحكم، وبسبب تلك السياسة يخوض التحالف حرب استنزاف يبدو أن خروجه منها كسراب الصحراء، كلما اقتربت منه ابتعد!
هذه الحرب لن تخرج الحوثي من المعادلة، ولن تضعفه بل سيظل فاعلا في العقود القادمة، لأن بقاءه مطلوبا وإزاحته بهذه الحرب مستحيلة، والاعتقاد بأن محاربته ستكون بالمشروع الإخواني، ليست إلا الاعتماد على عدو مخاتل يحارب عدوا مبارزا. وستنتج مشروعا إخوانيا معاديا في مأرب وفي تعز وإب والجنوب إن أسقطته، وإخوان اليمن ينفذون الإستراتيجية الإخوانية بالبقاء والالتصاق بعدوهم مهما كانت سياسته قاسية وقاتلة لهم!! وهم في أفضل الظروف حلفاء تكتيكيون، ستتعارض مصالحهم وسيلجأون للتحالف مع قطر/ تركيا، الحليف الإستراتيجي لهم، ومشروعهم أخطر على دول التحالف من الحوثي/ إيران، لسنيته التي لن تجد رفضا عقائديا في الأوساط السنية!!

عُمان أقلية أباضية تاريخيا، كصنعاء أقلية زيدية تاريخيا، الفارق أن عمان ليست مثقلة بالدعوى التاريخية كصنعاء، وبين حكم الأقليتين متسع جغرافي سني واسع، عمان اكتفت بنفسها، وتعتمد سياسة التغلغل الهادئ في الجوار بالحجم المؤثر على أمنها بدون ضجيج، عكس صنعاء المثقلة كل نخبها بالادعاء التاريخي مهما كانت مناورة بعضها!!، والتي ظلت وستظل عبئا مادامت نخبها لا تريد دولة تحاسب وتسأل بل سلطة فساد فيد يديرونها!!

لكن عمان عند استشعارها الخطر على حكم أباضيتها تتحالف مع أبليس بما يحفظ امتيازاته،   مهما كانت النتائج والتداعيات، ففي سبعينات القرن الماضي لم تفتح أراضيها لإيران خوفا من الشيوعية كما يتوهم البعض، بل إدراكا منها أن أي حكم يزيحها، حتى لو كان شيوعيا، سيأخذ الحكم من الأقلية الأباضية ولن يعود إليها مطلقا!! 

الجوار أهمل الجنوب خلال خمسة عقود، وحتى المعارضة التي احتضنتها أيام تجربة الاشتراكي كانت معارضة من أجل المعارضة، وبعد حرب 94م استوعبت الجنوب كملحق تحت وصاية نخب صنعاء، فلم تستوعبه مستقلا حتى على المنهجية التي أنتجت خلطة «عفاش» والأمن بالحزام القبلي الذي أعطاها استقرارا مزورا لثلاثة عقود، وكان الابتزاز سمته، أما الأمن بالحزام القبلي فقد اختار طائفته وقاتل معها، عدا أن هذه السياسة في مرحلة الحرب على الإرهاب وتفكيك الشرق الأوسط مختلفة وتتطلب إدارة مختلفة، فحتى المنهجية القديمة لن تنتج لها «عفاش مبتز» يهدئها ثلاثة عقود مهما حاولت، يمنع حصول ذلك تعارض المصالح والأهداف الدولية والإقليمية في هذه الجغرافيا!!

سياسة الأمن بالحزام القبلي لم تعد مجدية، فالقبيلة في الشمال اختلفت وثبت أنها ليست حزام أمن، بينما الجهات التي تتعامل مع الملف لم تستوعب ذلك ومن أسباب عدم استيعابها طول الحرب بلا حسم، فلو كانت هذه القبائل حزاما أمنيا بصدق لبرزت نتائجها، أما في الجنوب فإن القبيلة تخلو من روح الأقلية الطائفية المتضامنة المتعصبة وتسود فيها الحزبية بتناقضاتها، ولم تكن ناجحة كقوة حاملة لمشروع سياسي، بل فشلت منذ عام 1967م، فعدا طبيعة تركيبتها غير الطائفية فإنها تعرضت لثلاث مؤثرات عميقة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تجربة الاستعمار ومؤثراته وتجربة الاشتراكي ومؤثراته، وتجربة الوحدة/ الاحتلال ومؤثراتها عدا الاختراقات الحزبية والهجرة... الخ، عوامل فككت الولاء والطاعة التقليدية للقبيلة في الجنوب، وأصبح أفرادها يحملون مشاريع سياسية حزبية في غالبهم، في ظل رئيس مكبل إخوانيا وإقليميا ودوليا لا يحسن إلا «هز رأسه « بالموافقة.

إن الجغرافيا التي تعمل فيها خطرة، فمن ناحية أنها ستستعدي قوى محلية عريضة ضدها ليست نخبوية تقليدية، لكنها مجتمعية عريضة مسيسة، داخل القبيلة ذاتها، فهي تعمل في جغرافيا أما وطنية عريضة أو نخبوية إخوانية منظمة، وكلا المشروعين ستتعارض مصالحهما معها عاجلا أو آجلا، وعلامات التعارض واضحة من الآن في حضرموت الداخل وفي الساحل وفي بقية المناطق الجنوبية المحررة، فتحالف الإخوان في مشروع التحالف تكيكي، فهو مشروع عابر الهويات والأوطان وفي خطته أن يتمكن من عواصم التحالف ضمن تمكين حكم الخلافة الإخوانية الأممية ونموذجه تركيا.

التحالف لا يكتفي بعدم التعامل مع القوى الوطنية لمشروع الاستقلال في الجنوب، بل يدفعه للبحث عن تحالفات إقليمية لن يعدمها في هذه المرحلة المشتعلة، بدعوى أنها ملزمة بالمرجعيات الدولية غير واضحة، فقد كسر الحوثي قدسية المرجعيات فاستوعبته، وتفاوضه الأمم المتحدة وسيعمد ذلك التحالف عاجلا أم آجلا، هذه السياسة لم يعد يصدقها أحد في الجنوب، خاصة مع طريقة الإدارة «بالسفير»، سياسة ستضعها أمام خصمين طائفيين هما حكم الأقلية في عمان وحكم الأقلية في صنعاء وتحالفهما الدولي والإقليمي، سيستفيدان من أخطائها في الحاضنة الجنوبية التي تعتقد أنها لن تجد الحليف الذي سيسلحها وينظمها بدرجة أساسية لمشروعه!!، هذه الحاضنة إلى الآن لا تحمل للتحالف وللمملكة بالذات إلا كل ولاء وود وأخوة جوار، وأثبتت خلال سنوات الحرب أنها مقاتلة ضد أعدائها، ليست كالآخرين، وأنها غير مستعدة أن تقف مع أي خصم لها بل لم تلتفت لبعض من أهم رموزها، وقدمت مصلحة التحالف، لكن «ما هكذا تورد الإبل يا سعد» ففي الأخير، المصالح ليس لها دين ولا أخوة، وتهميش قضية الجنوب وعدم الالتفات لما قدموه سينقلب إلى استراتيجية بيد الأعداء ضد التحالف والمملكة بالذات، وما تعتقد المملكة أنها تطبقه لمصلحتها من الوقوف على الضد من تطلعات مشروع استقلال الجنوب أو ما تطبقه في المهرة وحضرموت الداخل سيتطبق ضدها ذات يوم ليس ببعيد.

ليست استعانة عُمان بالإيرانيين في الحرب الباردة ضد الشيوعية بعيدة!.. ويعلم حتى الجاهل أن الأباضية تخشى السلفية أكثر مما كانت تخشى الشيوعية!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى