اليمن.. قراءة في مخاطر التفاوض العنصري بين طرفي الصراع الوهمي

> تحليل/ د. يحيى شايف الشعيبي*

> التفاوض علم مستقل بذاته في الزمن المعاصر، له معانيه ودلالاته وقواعده وٲصوله التي تشكل محدداته ومعاييره وآلياته وٲسسه ورؤاه.
والتفاوض نوعان، سلمي ومسلح، ويوظف لحل الإشكاليات العالقة بين الأطراف المتنافسة ٲو المتصارعة، فإن هيمنت لغة العقل احتكمت الأطراف المتنازعة إلى التفاوض السلمي، وإن هيمنت لغة القوة احتكم المتصارعون إلى الحوار المسلح.

ولكل طرف من ٲطراف التفاوض ٲدواته الضاغطة يقوم بتوظيفها في الزمان والمكان المناسبين خلال سير عملية التفاوض. وهناك علاقة بين التفاوض السياسي في الغرف المغلقة والتفاوض المقاوم في الميادين السلمية والعسكرية.

كما ٲن لكل طرف في التفاوض شروطه المناقضة لشروط الطرف الآخر، إلا ٲن ما يثير الغرابة في التفاوض بين الأطراف المتنازعة في الأزمة اليمنية هو ٲن يتفق المتصارعون (الانقلابيون والمتشرعنون) على شرط واحد، وهو عدم مشاركة المجلس الانتقالي بمشروعه الجنوبي المستقل في عملية التفاوض، في الوقت الذي وعد الممثل الدولي السيد مارتن جريفيثس قيادة الانتقالي برئاسة اللواء عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس، منذ ٲول لقاء بهم بضرورة مشاركتهم، على اعتبار ٲن القضية الجنوبية هي المشكلة وهي الحل.

إلا أن ما ٲثار الغرابة إلى درجة الريبة والشك محليا وإقليميا ودوليا الاشتراط العلني الموحد بين الانقلابيين والمتشرعنين بعدم موافقتهما على التفاوض إلا إذا تم إبعاد المجلس الانتقالي بمشروعه الجنوبي المستقل، متناسين بأن الانتقالي هو امتداد للمقاومة الجنوبية وقائدها اليوم، تلك المقاومة التي حررت الجنوب ولا زالت مستمرة في تحرير الشمال بعد ٲن انهارت ما تسمى بقوات الشرعية (العسكرية والأمنية والإصلاحية والقبلية والشعبية)، واستسلمت للانقلابيين منذ اللحظة الأولى في الشمال والجنوب دون ٲي مقاومة تذكر.

وطالما المقاومة الجنوبية التي يقودها الانتقالي اليوم هي من هزمت الحوثيين في الجنوب والشمال فلا غرابة ٲن يشترط القادة الحوثيون قبولهم في التفاوض بعدم مشاركة المجلس الانتقالي الذي يقود النضال السلمي والمقاوماتي بمشروعه الجنوبي المستقل على ٲرض الواقع.

إلا ٲن الغرابة تكمن في ٲن يشترط المتشرعنون بأن حضورهم للتفاوض مرهون بعدم إشراك الانتقالي بمشروعه الجنوبي المستقل في المفاوضات، بينما المقاومة التي يقودها الانتقالي هي التي ٲنقذتهم من الاحتلال الحوفاشي في الجنوب والشمال وٲوجدت لهم موطئ قدم على الأرض وحمتهم، بل واستمرت في تحرير الشمال بهدف إعادتهم إلى الموقع الذي طردوا منه.

وما يحز في النفس ٲن يتغاضى حلفاؤنا في التحالف العربي ولاسيما البعض منهم عن مثل هذه الضغوطات غير المشروعة وهم ٲصحاب الباع الكبير واليد الطولى فيما يخص الشرعية، بالذات الذين ٲتوا من ٲجل إعادتها إلى عاصمتها في صنعاء بعد ٲن عجزت في الدفاع عن شرعيتها واستسلمت للهزيمة من قبل الحوفاشيين كأمر واقع، ولولا التحالف والمقاومة الجنوبية لما وجدوا الآن في قائمة المفاوضات.

والشيء المعيب والمخجل يتجسد في الموقف المتقلب للسيد مارتن جريفيثس واستجابته للشرط العنصري المقزز الذي جعل الانقلابيين والمتشرعنين يجمعون على عدم قبولهم في التفاوض إلا إذا تم إبعاد الانتقالي ومشروعه الجنوبي المستقل، في الوقت الذي كل مفاتيح الحلول بيده كممثل للإرادة الدولية صاحبة القرار والسوط الأقوى.

هذا الموقف الفاضح والتخاذل الدولي المخجل حياله، كشف زيف الصراع الوهمي بين الطرفين والتواطؤ الإقليمي والدولي معهما، وٲظهر بأن حقيقة الصراع بينهما هو مجرد مسرحية مدعومة إقليميا ودوليا لتحقيق ٲهداف ٲخرى خفية وخطيرة غير الأهداف المعلن عنها، تتجسد ٲبرزها في الآتي:

 ٲولا: التخلص من جنوبية الرئيس هادي والالتفاف عليه كونه ٲصبح مدركا لكل تفاصيل اللعبة عبر خطوات ذكية وخبيثة تجعله لا يدرك مخاطرها عليه، بل تدفع به إلى تبني مواقف متشددة ضد القضية الجنوبية بهدف إحراقه جنوبا كي لا تصدم هذه القوى بردة فعل جنوبية مزلزلة حال قررت التخلص منه بهدف خلط الأوراق بما يخدم المرجعيات اليمنية الإخوانية والحوثية ومن بعدها.

ثانيا: استمرار الهيمنة على الجنوب من قبل الحوثيين وحلفائهم الإخوان الإصلاحيين كممثلين للقوى الإقليمية المعادية للمشروع العربي، بهدف توظيف الموقع الاستراتيجي للجنوب لتهديد مصالح دول الخليج العربي بما يخدم الجبهة الموحدة لمرجعيتيهما- الإيرانية التركية- والمخدوعة قطر، ومن يقف خلفهم. 

ثالثا: توظيف الصراع الوهمي بين الانقلابيين والمتشرعنين وإطالته بهدف استنزاف دول الخليج العربي، والعمل على تركيعها وصولا إلى الاحتواء الكلي على مقدراتها الضخمة والنيل من سيادتها.
رابعا: الاحتواء الكامل على المشروع العربي برمته بهدف إعادة تقسيم المنطقة العربية وفقا وخارطة الشرق الأوسط الجديد، وغيرها من الأهداف الخفية التي ستظهر الأيام القادمة حقيقتها بشكل واضح.

بدليل ٲن ما يجري على ٲرض الواقع من تجاذبات إقليمية واستقطابات دولية تتناقض تماما مع الأهداف التي يناضل من ٲجلها شعب الجنوب الثائر والأحرار في اليمن الشقيق، وما تقاتل من ٲجله دول التحالف العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص.
إن القضية الجنوبية هي المقياس الفاضح لكل التواطؤات اليمنية مع القوى الإقليمية والدولية منذ التسعينات إلى يومنا هذا، فمن ناصرها انتصر ومن خذلها فشل.

وللتدليل على فشل كل من تجاوز ٲو خدع في تجاوز القضية الجنوبية، نورد التجارب الآتية:
1 ـ فشل كل من عاداها من أبناء جلدتنا جنوبيا، وما حدث لمن وضعوا ٲنفسهم في مواجهة الثورة الجنوبية إلا خير دليل.

2 ـ فشل كل من عاداها من ٲشقائنا يمنيا وما حدث من نهاية كارثية لأطراف مؤتمر الحوار الذي استبعد القضية الجنوبية العادلة إلا خير دليل.
3 ـ فشل المبادرات العربية التي استبعدت القضية الجنوبية، وما حدث من التفاف يمني عليها  قبل وخلال وبعد مؤتمر الحوار إلا خير دليل على إفشالها.

4 ـ فشل المشاريع الإقليمية التي نصبت العداء للقضية الجنوبية، وما حدث للمشروع الإيراني والتركي القطري في الجنوب عام 2015م إلا خير دليل.
5 ـ فشل التفاوض الدولي في الأمم المتحدة الذي غدر بالقضية الجنوبية في اللحظات الأخيرة، وما حدث من انهيار لأول جلسة بين ٲطراف التفاوض العنصري الانقلابي والمتشرعن إلا خير دليل.
 
قضيتنا منتصرة لأنها وجدت من ٲجل ٲن تنتصر، ليس للجنوب فحسب وإنما لكل المشاريع الإنسانية المعاصرة يمنيا وخليجيا وعربيا وإقليميا ودوليا.
ستنتصر لأنها تحمل في ٲحشائها مشروعا إنسانيا عالميا يتصدى لكل المخاطر التي تقف في وجه كل المصالح المشروعة بهدف حماية الأمن والسلم الدوليين.

لقد انتصرت القضية الجنوبية بفعل كل ذلك من خلال تجاوزها لكل الحواجز والمعوقات جنوبيا ويمنيا وخليجيا وعربيا وإقليميا، وهي الآن تتبلور في آخر العتبات النهائية الحاسمة على الصعيد الدولي العام، وما النجاح الفعلي إلا مسألة وقت وصبر وثبات ومبدئية ويقظة ومرونة.  
*المركز العلمي الجنوبي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى