إخفاق المشاورات ليس جديدا مع فارق أن الأخيرة فشلت قبل أن تبدأ

> مأرب الورد*

>
​فشلت مشاورات جنيف كما كان متوقعاً، وقبل أن تبدأ في موعدها الأممي المحدد في السادس من الشهر الحالي، وهو ما يمثّل انتكاسة لجهود المبعوث مارتن جريفيثس، الذي تسرع في تحديد الموعد الزمني قبل الحصول على ضمانات كافية من أطراف الصراع المحليين بالمشاركة دون شروط مسبقة.

صحيح أن الحوثيين هم الذين أفشلوا المشاورات لعدم التزامهم بالمشاركة، واشتراطهم مطالب غير متفق عليها مسبقاً، مثل نقل عدد من جرحاهم معهم للعلاج بالخارج، وعلى متن طائرة عُمانية وليست تابعة للأمم المتحدة، رغم التزام الأخيرة بضمان عودة وفدهم إلى صنعاء، لكن الصحيح أيضاً أن المبعوث يتحمل جزءاً من المسؤولية، لمبالغته الكبيرة في الرهان على الوعود الكلامية، والإفراط في الأمل غير الواقعي.

لقد وقع جريفيثس في تناقض مع نفسه، أوصله لإخفاق سريع في مستهل مهمته، حيث بدا في سباق مع الزمن، رغم قوله في مناسبات سابقة، إنه يفضل التأني في خطواته حتى لا تكون هناك نتائج غير مرغوبة تفقد الناس الأمل في إنهاء الحرب.
والأمر الآخر اكتفاؤه بوعود كلامية من أطراف الصراع بحضور المشاورات، دون اختبارها بإجراءات عملية من قبيل إطلاق دفعة من المختطفين أو الأسرى، أو على الأقل إلزامها بعدم ربط المشاركة بتحقيق شروط معينة قبل الجلوس على طاولة الحوار.

وفي هذا المقام، يُحسب لوفد الشرعية التزامه بما قطعه على نفسه، والحضور إلى جنيف قبل موعد المشاورات بيومين تقريباً دون شروط مسبقة، وهو ما أكسبه تقدير المبعوث في إحاطته لمجلس الأمن الثلاثاء الماضي، والتي كشف فيها أيضاً عن التزام الوفد بإبرام صفقة تبادل للمختطفين والأسرى قريباً.

لكن هذا التقدير الأممي لوفد الشرعية، لم يقابله اتخاذ الموقف المناسب تجاه الحوثيين على رفضهم المشاركة إلا بتحقيق شروط مسبقة، بل إن الذي حصل هو التبرير لهم ومحاولة كسبهم، ظناً أن هذا سيدفعهم لتغيير موقفهم وتقديم تنازلات.
إن الدرس الذي يمكن استخلاصه من فشل هذه الجولة، أن المبعوث يرى في استئناف المشاورات إنجازاً شخصياً له، لا سيما مع عجز سلفه عن تحقيق ذلك منذ عامين، وهذا هو الذي يفسر اندفاعه لإعلان موعدها دون الاكتراث لتأثير فشلها على ثقة اليمنيين بالحل السياسي.

وبالطبع، فإن فشل الجهود الأممية هذه المرة ليس جديداً، بعد فشل 4 جولات من المشاورات في السنوات الثلاث الماضية، لكن الفارق أن المشاورات الأخيرة فشلت قبل أن تبدأ، بينما في السابق كانت تُعقد وتستمر لأشهر، وهو ما يعني في المحصلة أن المنظمة الدولية أصبحت غير قادرة على جمع أطراف التفاوض، فضلاً عن ضمان النتائج.

لهذا تمثل الهدنة مقياساً واقعياً للمبعوث، لاختبار جدية ورغبة جميع الأطراف في التسوية، قبل الدعوة لجولة مشاورات بناء على وعودها الكلامية، وحتى لا يتكرر الإحراج الأخير الذي أظهر الوسيط عاجزاً عن فعل شيء سوى الإعلان عن زيارات في المنطقة، لعل وعسى تأتي الرياح بما تشتهي سفنه.

والمهم أنه استوعب درس التسرع والمبالغة في تقدير الأمور، وخطأ تجاهل التجارب السابقة التي تمثل إرشادات مفيدة في طريق السلام الشائك.
*عن (مركز الإمارات للدراسات والإعلام)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى