هل يستيقظ المشروع القومي العربي؟

> د. مصطفى الفقي*

>
تلقيت دعوة من مجلس النواب المصري لإلقاء محاضرة على ضيوف ندوة يعقدها بمناسبة اجتماع اتحاد البرلمانات العربية وقد قبلت أن أكون متحدثًا وحيدًا في الجلسة الأولى التي يترأسها زميلي السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، ولقد طرحت في ذلك اللقاء، شديد الحساسية بالغ الصعوبة، أطروحات واضحة تمثل قناعاتي بالنسبة للعمل العربي والواقع المعاصر في المنطقة وطبيعة الضغوط ونوعية التدخلات التي يتعرض لها العرب في هذه المرحلة.

ولقد ألقى النائب البرلماني سعد الجمال كلمة ترحيب نيابة عن الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري، الذي حال ارتباط مفاجئ دون حضوره هذه الندوة المهمة، وقد بدأت حديثي مع الزملاء البرلمانيين من مختلف الأقطار العربية، مؤكدًا أن هناك أمورًا تستوجب الاهتمام وتستحق كل العناية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية باعتبارها قضية القضايا ومركز الاهتمام في كل ما يتعلق بالشأن العربي، وذكرت بوضوح أن القضية تتعرض لمحاولات التصفية النهائية رغم البسالة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر، والتي يبديها الشعب الفلسطيني نضالًا ويدفع ثمنها دمًا على امتداد ثمانية عقود على الأقل، وقلت إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والتضييق الكامل على وكالة الغوث (الأونروا) مع الإعلان الأمريكي بحق إسرائيل في إقامة مستوطنات كما تشاء، وقلت إن هذه في مجملها شواهد حاسمة على النكوص الأمريكي الشديد عن حل الدولتين، كما أنه يعنى أن الانحياز الأمريكي أصبح سافرًا بلا حياء، فاضحًا بلا مواربة لأن إسرائيل تسعى لحل القضية الفلسطينية على حساب أراض عربية فى دول الجوار دون أن تتكبد هي أية خسارة ولو لمتر مربع من الأراضي التي اغتصبتها، وقد وافقني معظم الحاضرين فيما قلته، خصوصًا وأنني أردفت بعد ذلك في إشارة إلى المسألة الثانية من حيث الأهمية والتي حددتها بأنها الحفاظ على عروبة العراق، فالعراق - التراث والتاريخ والدولة والشعب ــ هو ركن ركين في الجناح الأيمن للأمة العربية فضلًا عن أن العراق بلد يجمع بين العراقة الحضارية والثروة النفطية مع وفرة المياه والتربة الخصبة والكوادر البشرية ذات التدريب الجيد، ويكفى أن نتذكر أن العراق كان يملك سلاح طيران متميزا، بالإضافة إلى أن العراقي شديد المراس لا يلين بسهولة ولا يقبل أن يملي عليه غيره، فهو شعب أبي له إسهام ضخم في الحضارة العربية الإسلامية، وقد حذرت بوضوح من استخدام اختلاف الطوائف الإسلامية للتفرقة ولتمزيق البقية الباقية من كيان تلك الأمة الصامدة، ثم أشرت بوضوح وعن يقين كامل إلى أن الجيش المصري قد استطاع في عام 2018 أن يقترب من مرحلة الحسم النهائي في معركته على الإرهاب وفلوله الباقية.

كما عبرت عن الارتياح العام لحركة التحديث التي يمضي فيها النظام السعودي على اعتبار أن ذلك سوف يكون رأس حربة لتيار الحداثة الذي ينبغي أن يسود في أوطان العالمين العربي والإسلامي، وأكدت أمام الحاضرين أن الموقف المصري من المأساة السورية هو أشرف المواقف على الإطلاق، فمصر لم تتربح به ولم تقايض عليه ولم تتاجر فيه كما لم تكن لها أجندة خاصة على حساب الشعب السوري مثل إيران وتركيا وإسرائيل بالطبع، وقد تمكنت القيادة السياسية المصرية من وضع المسألة السورية في إطارها الصحيح وكان الذي يعنيها فقط هو سلامة الشعب السوري ورفع المعاناة عنه حتى إن الدبلوماسية المصرية وافقت ذات يوم على قرارين مختلفين في يوم واحد بالأمم المتحدة عندما كان القاسم المشترك بينهما هو السعي إلى تخفيف وطأة المعاناة عن الشعب السوري رائد الحركة القومية الذى غادره ملايين اللاجئين يضربون في الأرض بعد أن كان بلدهم هو الملجأ والملاذ والموطن لكل من يسعى إليه.

فإذا انتقلنا إلى الجناح الغربي للأمة العربية فإن الوضع في ليبيا يتصدر الأمر برمته ويبدو شديد التعقيد حيث عبثت فيه أطراف متعددة بعضها عربي وبعضها الآخر أجنبيا، كما أنها تحولت في بعض أجزائها إلى بؤرة لتجمع الإرهابيين، فضلًا عن عمليات تسريب السلاح عبر حدود مصر واستخدامه في عمليات إرهابية ضد الشعب المصري الذي يقدم كل يوم قافلة جديدة من الشهداء دفاعًا عن الوطن وترابه المقدس، ثم شرحت للسادة النواب العرب الوضع الإقليمي في مجمله والوضع الدولي الذي ينذر بأخطر العواقب وأسوأ السيناريوهات.

وقد اختتمت محاضرتي بالإشارة إلى عدد من الإيجابيات التي طرأت على البيئة السياسية في المنطقة العربية من أجل تعزيز مسيرة الديمقراطية وفتح أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة، كما أن المحاضرة لم تكن دراسة مسحية تتناول كافة الدول ولكنها كانت انتقائية تختار بعضًا مما يحدث حتى أعطي انطباعًا بخطورة الموقف وصعوبة المسيرة، وقد استقبل الحاضرون الأفكار المتجددة في ذلك اللقاء القومي الشامل بتساؤلات ذكية وتدخلات عميقة.
* عن «الأهرام العربي»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى