ممنوع من الحياد.. كلهم مذنبون في تعاسة اليمن

> آسيا العتروس*

>
جاء قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على عكس رغبة الأطراف العربية المعنية بالأزمة في اليمن حيث صوت المجلس بتمديد مهمة اللجنة المكلفة بالتحقيق في ارتكاب جرائم حرب في اليمن والتي يرأسها كمال الجندوبي بما يمكن أن يعني كشف مزيد من الحقائق المغيبة والمحرجة أيضا بشأن ما أفرزته هذه الحرب حتى الآن وهو ما يفسر أيضا توجه هذه الأطراف التي تشمل دول التحالف العربي بقيادة السعودية إلى دعم اللجنة الوطنية اليمنية لحقوق الإنسان ودعمها فنيا وتقنيا.. والحقيقة أنه بعيد عن استباق الأحداث أو الحكم على النوايا فان التجارب عندما يتعلق الأمر باللجان المحلية لا تحظى بثقة واطمئنان الرأي العام ولا يمكن أن ترقى للأهداف التي تأسست لأجلها وكم من اللجان تم تشكيلها في دول العالم الثالث ولم تحقق ولو جزءا بسيطا من أهدافها وكم من التحقيقات فتحت ثم قبرت ولم تعرف لها نتائج ولا تأثير على الواقع.

 لسنا في إطار التشكيك ولكن وجود هذه اللجنة الوطنية اليمنية في ظل المشهد اليمني النازف وفي ظل غياب سلطة قادرة على فرض سيادتها على كل شبر في اليمن لا يمكنها أن تكسب الرهان ولا أن تقوم بالتحقيق المطلوب بشفافية دون أن ترقى إليها الشكوك.

الواقع أيضا ان اليمن الذي بات اليوم عنوانا لتعاسة غير مسبوقة في بلد طالما وصف باليمن السعيد اذ برغم فقره المادي وعدم امتلاكه ثروات نفطية باطنية فقد كان ولا يزال اليمن منبع حضارة إنسانية تاريخية امتدت جذورها عبر العالم وأثرت المشهد الثقافي والأدبي والشعري بما لا يمكن للذاكرة الإنسانية تجاهله يتجه اليوم نحو الأسوأ وكل يوم يمر دون التوصل إلى حل سلمي يزيد حجم المعاناة ويقلص قدرة اليمنيين على التحمل والثبات في وجه كل محاولات التدمير التي يجنح لها المسلحون وجماعة الحوثي التي تدفع باليمن إلى الأخطر.

الحقيقة أيضا أن عمل لجنة التحقيق في الجرائم المرتكبة في اليمن لا يجب أن يدفع للخوف بل بالعكس فلعل ما يقدمه التقرير إذا ما كتب له أن يرى النور يساعد أطراف النزاع على إزاحة النظارات السوداء وتأمل الواقع القاتم في اليمن ويدفع بها الى إعادة تحديد أولوياتها وحساباتها والدفع الى إنهاء حرب عبثية لم يجن معها أهل اليمن غير التشرد والضياع...

ولو أننا نعود إلى عملية التصويت حول تمديد عمل اللجنة يمكن أن ندرك أن التباين كان حاضرا والانقسام كان سيد المشهد خلال العملية التي لم تحظ بإجماع من كل الأعضاء حيث لم تصوت غير 21 دولة من بين 47 لصالح القرار الذي رفضته 8 دول وامتنعت 18 عن التصويت، ولكن المهم أن هذا التصويت يمنح اللجنة مواصلة عملها أو هذا على الأقل ما يبدو حتى الآن إذا لم يتم الضغط في الكواليس لإجهاض جهود اللجنة.. وإذا كان لكل تبريراته وأسبابه ودوافعه المعلنة والخفية في التصويت أو الامتناع فان الأكيد اليوم أن القرار قد لا يعني بالضرورة الاقتراب من نهاية المأساة المستمرة في اليمن.. بل لعل المشهد اليمني اليوم الغارق في الخراب المادي والمعنوي وقد بات أقرب منه إلى عصور الجاهلية في حالة الفقر والجوع والأوبئة التي تكتسحه وتستنزف قدرات المدنيين والمستضعفين يجسد أسوأ كارثة إنسانية على الإطلاق بعد أن نجح الحوثيون وممولوهم في جر اليمن إلى حرب لا تبدو لها حتى الآن من نهاية وهي حرب تداخلت فيها الأطراف الإقليمية والدولية وتدافعت دفاعا منها على حماية مصالحها الأمنية الإستراتيجية في منطقة تمثل أهم معبر مائي للسفن التجارية والحربية وغيرها.

وفي انتظار ما يمكن أن تؤكده الأيام القادمة فان المنطق يفترض أن تستمر اللجنة في عملها وفي ذلك احترام لمشاعر أهالي الضحايا وحقهم في معرفة الحقيقة أو جزء منها على الأقل، ثم ان استمرار عمل اللجنة سيجنب التحالف العربي ومعه السعودية الكثير من الانتقادات والاتهامات بالسعي لإخفاء ما تخشاه  عن حق أو عن باطل. بل ربما يساعد عمل اللجنة على مزيد تضييق الخناق حول مجموعة الحوثي وحلفائها ويحملها المسؤولية صراحة إزاء المجازر اليومية التي ترتكب في حق أطفال اليمن خاصة وفي حق الشعب اليمني بصفة عامة.. أخيرا وليس آخرا قد يكون اليوم بإمكان الأطراف والقوى الإقليمية المتنفذة الضغط لمنع اللجنة من مهامها وقد تنجح في ذلك وتتمكن من مصادرة الكثير من الحقائق بشأن ما يجري في اليمن ولكن ذلك لا يعني أنها قادرة على إخفاء الحقائق إلى ما لا نهاية.

ولاشك ان الأصوات التي ترتفع كل يوم محذرة من كارثة إنسانية في اليمن لا تدرك فظاعة المشهد ولا تدرك أن الكارثة باتت واقعا قائما امتدت تداعياتها إلى أعماق اليمن وهي كارثة تهدد أجيالا متعاقبة لم تعرف  معنى الارتواء في غدائها ولا الاستقرار في حياتها وأمنها وهي أجيال من الأطفال والشباب الذين تسلب طفولتهم وإنسانيتهم بعد أن تحولوا إلى جنود مسلحين يدفعون دفعا إلى خوض معارك لم يختاروها وربما لا يدركون حتى أهدافها ولا يعلمون من يحرك خيوطها ويحرص على عدم إنهائها.. آن الأوان لكل الأطراف أن تزيح عن اليمن الوصاية المفروضة عليه وتتجه إلى إنهاء أهوال الحرب.
* جريد (الصباح) التونسية​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى