المسارات الثلاثة لتحرير الجنوب والمراحل التي ينبغي أن تنجزها الثورة

> تحليل/ د.صالح طاهر سعيد*

> ثلاثة مسارات لثورة تحرير الجنوب تعبر عن المراحل التي ينبغي أن تنجزها الثورة، تشكل كلا متصلا وتختلف فقط من حيث اختلاف مهمات ووظائف كل مرحلة.
المسار الأول: وهو المسار التحضيري للثورة وتركزت وظائفه على ما يلي:
1 - إيقاظ العقل وإعادة تشكيل وعي الشعب الجنوبي لذاته الوطنية وما ترتب على ذلك من وعيه لهويته الوطنية المستقلة، ووعي حق أبناء الشعب في السيادة على أرضهم وحقهم في تقرير مصيرهم.

2 - وعي تساوي أبناء الشعب ومكوناته الوطنية في الحقوق ووعي أهمية أن يجد هذا التساوي طريقه للتحقيق في التمثيل وفي إعادة توزيع الثروات الوطنية واقتسام الوظائف، وعلى هذا الوعي تقوم وحدتهم الوطنية، فالوحدة الوطنية بهذا المعنى هي تجسيد وتعبير عن سيادة الحق.
3 - شكل الوعي الجديد مدخلاً لإعادة قراءة الماضي وبيان سلبياته وهفواته التي انتهت بسقوط الدولة وضياع الوطن بما حوى.
4 - حدد هذا الوعي أولويات الجنوبيين في إعادة  تشكيل تمثيل الحاضر والاستعداد للإبحار صوب المستقبل. فتحددت طبقاً لذلك قضية شعب الجنوب والإعلان عن أهدافها الوطنية الكبرى:
- استعادة الهوية الوطنية المستقلة.

- استعادة سيادة شعب الجنوب على أرضه بحدودها الدولية المعترف بها.

- حق الشعب في استعادة قراره السيادي المستقل (تقرير المصير).
5 - ومن أجل ذلك طرح مشروع التسامح والتصالح وتحددت وظيفته بوضع نهاية لمشكلات وصراعات الماضي واستعادة الوحدة الوطنية لشعب الجنوب بوصفها الأساس المطلوب لحراك الشعب صوب تحقيق أهدافه الوطنية.

المسار الثاني: انطلاق الثورة الجنوبية بشقيها السلمي والعسكري:
تبنى شعب الجنوب الخيار السلمي في التحرك صوب تحقيق الأهداف ولم يستبعد الخيار العسكري. لذلك مرت الثورة الجنوبية بمرحلتين: مرحلة الحراك الشعبي السلمي الذي استمر من 2007 إلى 2015، ثم حدثت العديد من المتغيرات الداخلية والخارجية استوجبت الانتقال إلى الخيار العسكري.

كانت سنوات الحراك السلمي الجنوبي قد هيأت الشعب بكل قطاعاته وتكويناته الوطنية لخوض الحرب. فلم تأتِ الحرب إلا وقد تمكن الجنوبيون من حشد الشعب وتعزيز وحدته واستعداده لخوض حرب تحرير سريعة وحاسمة بالتعاون مع قوات التحالف العربي، فتحررت كل أراضي الجنوب باستثناء بعض الجيوب في وادي حضرموت ومكيراس وبعض مناطق بيحان.

خلاصة القول إلى أن المسار الأول والثاني أنجزا إنهاء مشكلات الماضي واستعادة الوحدة الوطنية وتثبيت الهوية الوطنية المستقلة وتحرير الأرض؛ فتهيأت كل الشروط للانتقال إلى المسار الثالث.

المسار الثالث: السلطة الانتقالية وتهيئة شروط الانتقال من مربع الثورة إلى مربع الدولة:
بخروج الاحتلال من أرض الجنوب ظهر فراغ سياسي فبرزت الحاجة على نحو واضح لاستكمال الهدف الثالث للثورة الجنوبية المتمثل باستعادة القرار السيادي المستقل وتهيئة الشروط للانتقال إلى الدولة.. ماذا يعني ذلك؟
استعادة القرار السيادي المستقل يعني قيام سلطة سياسية تتوفر لديها القدرة والشروط الكاملة لإدارة البلاد بعد تحريرها.

ومثلما أدير المساران- الأول والثاني- بخطوات تدرجية شملت التحضير للثورة ثم انطلاقها بمرحلتين السلمية والحرب، الخطوات التدرجية أيضاً مطلوبة للمسار الثالث، حيث ينبغي أن تمر خطواته بمرحلة انتقالية لها وظائفها التي من شأنها تهيئة الشروط للوصول إلى مرحلة إعادة تأسيس السلطة المنتخبة وإعلان الدولة، والعمل على استعادة وضعها الحقوقي والقانوني في مؤسسات الشرعية الدولية.

1 - المرحلة الانتقالية وتأسيس السلطة الانتقالية لشعب الجنوب ( ولادة المجلس الانتقالي).
 فكرة السلطة تقوم على معادلة ثنائية قطبيها الجهة الآمرة والجهة المنفذة وبينهما التشريع الدستوري والقانوني، فما الذي تم وما الذي لم يتم في تأسيس السلطة الانتقالية الجنوبية ؟.
أ - صدور إعلان عدن التاريخي ومليونية التفويض الشعبي.

ب - تشكيل الحلقة الآمرة في السلطة الانتقالية بالإعلان عن تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي.
ج - الإعلان عن قيام الجمعية الوطنية ومجالس المحافظات والمديريات.

بهذه الخطوات نستطيع القول إنه تم إنجاز الشق السياسي والسلطة التشريعية في السلطة الانتقالية وهذا يفتح الباب لإنجاز الشقين الآخرين.
1 - التشريع الدستوري والقانوني للمرحلة الانتقالية وهذه هي وظيفة الجمعية الوطنية (إعلان دستوري).
2 - تشكيل السلطة التنفيذية وهذه وظيفة هيئة رئاسة المجلس استناداً إلى التشريعات التي ستصدر عن الجمعية الوطنية (إعلان دستوري انتقالي) وبعض القوانين الضرورية للمرحلة الانتقالية.
3 - السلطة التنفيذية تمثل ذراع القوة لأي سلطة سياسية والتشريع الدستوري والقانوني هو تنظيم الاستخدامات الشرعية لهذه القوة.
4 - لهذه القوة بعدين:
1 - بعد مدني: يتثمل في الأبعاد الإدارية (الهياكل الإدارية للدولة) -الاقتصادية (المؤسسات الإنتاجية) والمالية (المؤسسات المالية -بنوك، جمارك، ضرائب...الخ)

2 - بعد عسكري: جيش (طيران، بحرية، برية) -أمن (عام، سياسي، قومي).
تتكامل الأقطاب الثلاثة للسلطة الانتقالية مع بعضها ( الأمر والتنفيذ وما بينهما التشريع)، مع بعضها لتشكل سيمفونية السلطة وإذا غاب احدهما فقدت السلطة معناها فلا أمر بدون تنفيذ ولا عمل تنفيذي بدون أمر وتوجيه ولا ذا ولا ذاك بدون ضوابط تشريعية.

أن المجلس الانتقالي وهو يهم في استكمال بناء معادلات السلطة الانتقالية الجنوبية وجد نفسه في حالة تصادم مع مشروع اليمن المتعدد الأقاليم الذي يتبناه تحالف الشرعية، فالانتقالي حين يعمل على إملاء الفراغ الذي خلفه ركام الهدم الناتج عن مشروع اليمن الواحد المتبني له التحالف العفاشي الحوثي.. يصدم بمشروع اخر، مشروع الشرعية (اليمن متعدد الاقاليم).

طبقاً لذلك تشكلت الخارطة الحالية للمشهد السياسي والعسكري:
أولاً: المشهد السياسي ثلاثة مشاريع:
1 - مشروع اليمن الواحد التحالف العفاشي الحوثي المفهوم ايرانياً.
2 - مشروع اليمن المتعدد الأقاليم تحالف الشرعية.وهو الاتجاة الاكثر غموضاً من بين المشاريع الثلاثة.

3 - مشروع العودة إلى وضع الدولتين على حدود مايو 1990م.المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرى ان الدولة الموحدة فشلت وان العودة الى الدولتين هو الخيار العلي.
ثانياً: المشهد العسكري:
1 - دعاة مشروع اليمن الواحد يسيطرون على معظم أجزاء أراضي اليمن الشمالية.
2 - مشروع اليمن المتعدد الأقاليم الفشل في الشمال ومنازعة الانتقالي في الجنوب واعاقته من استكمال بسط سلطته على الجنوب.
3 - مشروع الدولتين يخوض حرب استكمال بناء السلطة الانتقالية في الجنوب في ظل تصادم واضح مع تحالف الشرعية، وحرب الحاق الهزيمة بالمشروع الإيراني في الشمال شريكاً مع التحالف العربي.
4 - أبرز سمات المشهد السياسي والعسكر والحالي تكامل المشروعين الأول والثاني ضد المشروع الجنوبي الذي يعبر عنه الانتقالي.
5 - وعليه فإن على الانتقالي وهو يقوم بواجبه القومي في المشاركة بالحرب في الشمال فإن عليه فرض إرادة شعب الجنوب واستكمال شروط إعلان الدولة الجنوبية في الجنوب على حدود 1990م، وعدم السماح لأصحاب فكرة اليمن المتعدد الأقاليم القيام بأي عوائق وعرقلات تضر بالمشروع الجنوبي.
* أستاذ الفلسفة السياسية المساعد
كلية الآداب - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى