نساء تحدين العادات والتقاليد بالخروج لأسواق العمل بالمناطق غير المحررة

> تقرير/ خاص

>
 لم يُعد العمل في الأسواق الشعبية حِكراً على الرجال فقط، فمؤخراً برزت المرأة كعاملة فيها بقوة، لاسيما المكتظة بالخضروات والفواكه، فأينما ذهب المرء في شوارع الحديدة وتعز وغيرها من المحافظات يجد أمامه عربات وبسطات تقودها نساء بزيهن الشعبي قادمات من قراهن للبيع وكسب الرزق الحلال لأطفالهن.

ظروف مادية قاسية أجبرت المرأة للخروج للعمل، عكسن من خلاله مدى كفاحهن الحقيقي وتحديهن للواقع المر الذي يعيشه الوطن والمواطن لمساعدة أزواجهن وللتخفيف عنهم قليلاً من أعباء الحياة المكلفة.
توزعت أعمالهن بين بيع الخضروات والفواكه والأشغال اليدوية والأكلات الشعبية والفل وكل ما فيه مصدر دخل لأسرهن.

بيع الخضروات
فاطمة الصبري إحدى النساء اللآتي يعملن في سوق شعبي وسط مدينة تعز برفقة إخوانها في بسطة لبيع الخضروات، توفي والدها وهي في الصف الخامس بعد صراع مع مرض (الفشل الكلوي)، والذي كان يعمل في ذات المهنة، تاركاً خلفه بسطة الخضار في وسط السوق كمصدر رزق لفاطمة وأختها مسك، وشقيقين ما زلا طفلين صغيرين.

لم يكن أمام فاطمة إلا أن تتحدى العادات والتقاليد الزائفة وتكمل مشوار والدها، كان صديق والدها قد تولى أمر بسطة خضار والدها وبعد قرابة شهر من وفاته، اعتذر لفاطمة وغادر المدينة تاركًا لها البسطة، ضاق بها الحال ووجدت صعوبة في توفير لقمة العيش لها ولإخوانها ووالدتها المعاقة فقررت بيع مجوهراتها وشراء خضروات من أرياف المدينة وبيعها وإكمال مشوار أبيها من جديد.

عادت فاطمة لبسطة والدها عهدها وعاد الزبائن من جديد وبدأت تكافح من أجل توفير حياة كريمة لأسرتها.


كانت فاطمة أول النساء اللآئي يدخلن السوق في ذلك الحي والعمل في بيع الخضروات والفواكه. تقول فاطمة في حديثها لـ«الأيام» كنتُ الوحيدة، أخبرت صديقاتي أن العمل في بيع الخضروات مجدٍ وطرحت عليهن فكرة العمل بجانبي في السوق فوافقن وبدأ السوق يحتضن الكثيرات من البائعات، فلم أعد وحيدة".

أصبحن النساء ينافسن الرجال في الأسواق، خصوصًا بعد تدني مستوى المعيشة والحروب التي قتلت وشردت فدفعت المرأة للخروج والعمل بأشغال تحفظ لها كرامتها وتوفر حاجتها من متطلبات الحياة التي بات الحصول عليها صعبا للغاية.

أجبرن على العمل
سالي وزهرة شقيقتان قصتهما لا تختلف كثيرًا عن قصة فاطمة، كان والدهما يعمل معلمًا في مدرسة حكومية في أحد أرياف محافظة الحديدة، بعد انقطاع راتب والدهما، قررتا الخروج للمزاهيب والعمل مع النساء في مزارع الفل في جني محاصيل الفل وبيعها في الأسواق.

تقول سالي: "كنا مرتاحين لما كان أبي يستلم راتب، بعدها تعبنا وتعب أبي وهو يدور عن عمل، بعدها قررنا أنا وأختي الخروج للشغل بالمزاهيب حق امفل ونبيعه في السوق والحمد لله تحسن دخلنا".


وجدت المرأة اليمنية الخروج للأسواق والعمل بها فرصة لتثبت للعالم أنها جديرة بمحاربة أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلد، وقادرة على تحسين دخل أسرتها ومساندة الرجل في ظل الظروف التي تمر بالبلد في زمن تدهور العملة وارتفاع مهول لأسعار المواد الغذائية وانقطاع الراتب لأكثر من عامين.

كفاح
أمل هي الأخرى دفعتها الحرب للكفاح من أجل مساندة والدها وأسرتها النازحة، كانت أمل تسكن في المطار القديم في تعز، وحين أمطر الحوثيون القذائف على المدينة، قررت النزوح هي وأسرتها، بمعية أختها أسماء وأطفالها، بعد أن استشهد زوجها إثر قذيفة سقطت أثناء مروره في أحد الشوارع وسط المدينة.

نزحت أمل وأسرتها وأختها إلى ذمار واستقروا هناك وجدت نفسها بحاجة للعمل رغم أنها ليست متعلمة أخذت الابتدائية فقط وكذلك أسماء، لحسن حظهما أن ذمار تحتضن مزارع عملاقة خصوصًا مزارع الخضروات، أغلب الذين يعملون في تلك المزارع نساء، وجدت أمل وكذلك أختها فرصة للخروج والبحث عن فرصة عمل، كانت المزارع في موسم حصادها، وملاك المزارع بحاجة لنساء عاملات، عملت فاطمة وكذلك أسماء في جني المحاصيل بأجر يومي 2000 ريال، استطاعت أمل مساندة والدها في تسديد إيجار المنزل وتوفير مصاريف الأسرة وكذلك أسماء التي على عاتقها طفلان يتيمان، لم تكن أسماء وأمل الوحيدات في تلك المزارع في ذمار هناك عدد كبير من نساء المحافظة يعملن في المزارع الممتدة على امتداد البصر.

تحررت أجزاء من تعز وكذا الحي الذي كانت تسكنه الأسرة إلا أن أمل فضلت البقاء في ذمار بعد أن وجدت فرصة عمل توفر لها كل متطلبات أسرتها واستطاعت مساعدة والدها.
قصص كثيرة تروي سبب تواجد المرأة في أسواق العمل، خصوصًا النساء غير المتعلمات، تواجدهن في الأسواق الشعبية لفت أنظار عدسات المصورين وأقلام الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة في لفته لتشجيع المرأة على العمل والكفاح من أجل تحسين دخل الأسر بعد تدني مستوى المعيشة.

كسر العادات والتقاليد
وتحدثت أم ملاك الصلوي، وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة عن تواجد المرأة في الأسواق الشعبية بالقول: "في السنوات الأخيرة لاسيما فترة الحرب تواجدت المرأة في الأسواق الشعبية بشكل ملفت بعد تدهور مستوى المعيشة لكثير من الأسر والغلاء الفاحش فاندفعت المرأة للعمل وكسرت قانون العادات والتقاليد وتواجدت بقوة في أسواق العمل خصوصًا المرأة غير المتعلمة التي كانت عالة وأصبحت معيلة، بات المجتمع اليمني مجتمع يتشارك به الرجل والمرأة على تحسين دخل الأسر فتجد الزوج والزوجة يعملان معا وأحيانا الأبناء". 

ليس غريبا أن تعمل المرأة في أي مجتمع، الغريب أن تعمل المرأة غير المتعلمة وتنافس الرجل في الأسواق الشعبية في بلد له عادات وتقاليد صارمة مجتمعه ذكوري بامتياز، إنه رمز للقوة وقدرة المرأة اليمنية على الوقوف في وجه العيب المجتمعي، هذا مقاله الأكاديمي الدكتور منصور القدسي.

وأضاف في حديثه لـ«الأيام» أن "دور المرأة في المجتمع مهم والظروف التي تمر بالبلد دفع الكثير من النساء للخروج والعمل بشتى الأشغال التي يسهل للمرأة العمل بها خصوصا بعد أن وصلت نسبة الفقر إلى 80 %".

عمل مبكر
الفقر والجوع أجبر الجميع على الخروج والبحث عن العمل الصغار والكبار في محاولة ناجحة للقضاء على الفقر، سمية العريقي طفلة في التاسعة من العمر تدرس في الصف الرابع الابتدائي، والدها كان يعمل في إحدى المصانع التي تعرضت لتدمير، عندما وجد صعوبة في العمل قرر فتح عربة بجانب المنزل وبيع البطاط لأطفال الحارة، سمية بادرت في مشروع صغير يناسب سنها، جمعت مصروفها المدرسي واشترت كمية من الشبس والطرزان رغبة منها بمساعدة وأسرتها.

عندما تشاهد سمية تذاكر بجانب أشيائها تشعر أن الجميع يكافح في هذه البلاد وأن الرغبة بالبقاء قوية، الرجال والأطفال والنساء الجميع متشبث بالحياة.

دور المرأة في بناء مجتمعها مهما للغاية، حضورها في الأسواق الشعبية والمولات والمحلات وكذا تواجدها في المؤسسات أعطى للبلاد طابعها الحضاري في رسالة للعالم أن المرأة اليمنية تمارس حريتها على عكس ما يقال عن المرأة اليمنية جاهلة ومستعبدة ولا صحة في ذلك، أثبتت مكانتها الحقيقية وشجاعتها ورغبتها في بناء مجتمعها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى