من «كيري» إلى «ماتيس».. ماذا وراء المبادرات الأمريكية عن الصراع باليمن؟

> كتب / د. أحمد يوسف

>
دعا وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان الأسبوع الماضي إلى وقف لإطلاق النار في اليمن في غضون ثلاثين يوماً على أن تعقب ذلك مفاوضات تبدأ خلال الشهر الحالي على أساس أن المناخ بات مواتياً أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى تسوية للصراع الدائر هناك منذ ما يزيد على أربع سنوات، وأشارت تصريحاتهما إلى ضرورة أن يتوقف الحوثيون عن توجيه ضربات صاروخية وهجمات بطائرات مُسيرة ضد السعودية والإمارات وانسحابهم من المناطق الحدودية مع السعودية في مقابل كف يد التحالف عن مهاجمة المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتقدم فيها الولايات المتحدة بمبادرة من هذا النوع، ففي أغسطس 2016 تقدم جون كيري وزير الخارجية في إدارة أوباما بمبادرة أساسها احترام أمن السعودية وسيادتها والاعتراف بدور للحوثيين في حكم اليمن، وليس في هذا أدنى مشكلة لأن مؤتمر الحوار الوطني اليمني الذي سبق انقلابهم اعترف بهم كفصيل يمني أُعطي في المؤتمر أكثر من وزنه وشارك في التوصل إلى نتائج المؤتمر التي مازالت تشكل أساس الخروج من المعضلة الراهنة، غير أن المشكلة أنهم انقلبوا على هذا كله وحاولوا السيطرة على كامل الأراضي اليمنية ومن هنا تفجر الصراع، والمشكلة أن مبادرة كيري تحدثت عن حكومة وحدة وطنية وهو ما يناقض قرار مجلس الأمن 2216 الذى دعم الحكومة الشرعية اليمنية بكل السبل الممكنة.

وكان مفهوماً أن خروج مبادرة كيري على محتوى القرار الأممي ترجع إلى تعثر الحسم العسكري ضد الانقلابيين، وعموماً فقد فشلت المبادرة فشلاً ذريعاً، وها هي إدارة ترامب تحاول التدخل مجدداً بالمبادرة الأخيرة، ويوضح ما رشح من التصريحات السابقة لوزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين أنها تكاد تكون فارغة من المحتوى على نحو يذكرنا بمبادرة كيري.

وتشير خبرة تسوية الصراعات إلى أن هذا قد يكون مقصوداً لأنه لو تم الافصاح عن المضمون قبل بدء المحادثات لما قبل أحد الجلوس على مائدة التفاوض لأن هذا المضمون سوف ينطوي بالتأكيد على تنازلات مؤلمة بينما يُعَول على المناخ التعاوني الذي قد تُفضي إليه المفاوضات في التوصل إلى حلول وسط مُرضية للأطراف كافة، وقد يكون هذا صحيحاً لكن عدم الإشارة إلى المرجعيات الأساسية للحل من ناحية أخرى يعني أن المفاوضات سوف تبدأ دون الحد الأدنى من الاتفاق وقد تنتهي من حيث بدأت، ولنا في المفاوضات المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية درس وعبرة، فمنذ التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد الخاصة بإطار السلام في الشرق الأوسط 1978 وحتى الآن ومضمون هذه المحاولات لا يشير إلى حلول أو مرجعيات محددة وإنما يكتفى بالأمور الإجرائية مع النص على مرحلة انتقالية تُجرى فى أثنائها مفاوضات لحل قضايا الوضع النهائى، فكانت النتيجة في كل الأحوال صفراً كبيراً، وتكتسب هذه الملاحظة أهمية فائقة لأن متابعة مجريات الصراع اليمني ومحاولات تسويته تشير إلى أن بعض الأطراف الدولية إن لم يكن كلها تتعامل مع طرفي الصراع بنوع من المساواة، وكأن الحوثيين لم يغتصبوا الشرعية وكأن قرار مجلس الأمن لم يدعم هذه الشرعية تماماً، وكأن الشعب اليمني لم يتوصل، في مؤتمر الحوار الوطني بطريقة ديمقراطية غير مسبوقة قبل انقلابهم، إلى حلول شاملة لمشكلاته لا يتطلب الأمر لحل الصراع الراهن سوى العودة إليها، ولذلك لا نجد في المبادرة الأخيرة كما في سابقتها كلمة واحدة عن ضرورة استعادة الشرعية في اليمن، ودون ذلك في تقديرى لن يكون ممكناً أن يُكتب النجاح لأي مبادرة.

ويثور التساؤل حول توقيت طرح المبادرة، فلماذا الآن بالذات وقد قاربت إدارة ترامب السنتين في السلطة؟ وقد تعددت الاجتهادات في هذا الصدد فذهب البعض إلى تفسيرها بتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن وهو تفسير قاصر بالتأكيد وإلا كان العالم قد انقلب رأساً على عقب بسبب الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وأزمات اللاجئين في الصراعات الراهنة في الوطن العربي وخارجه، وذهب البعض الآخر إلى التلميح أو التصريح بأن أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجى سوف تجعل السعودية أكثر استعداداً لقبول تسوية في الصراع اليمني وهو اجتهاد بلا أساس علمي أو سياسي، فالصراع الدائر فى اليمن هو أخطر الصراعات العربية الراهنة من حيث تداعياته على أمن الدول المجاورة لليمن لأن انتصار الخارجين على الشرعية في اليمن يعني سقوطها في براثن فئة تُعَد ذراعاً لمشروع الهيمنة الإيرانية في الوطن العربي، ومثل هذا الصراع لا يتأثر بحوادث جزئية مهما تكن تداعياتها لأنه صراع يتعلق بأمن الدول وبقائها، وقد يُثار الاحتمال العكسي بمعنى أن تعاظم الضغوط على إيران قد يُغري باحتمال إبدائها مرونةً في الصراع اليمني، وهذا بدوره صعب لعدم وجود أي مؤشرات حتى الآن على نية إيرانية للتهدئة، ولأن إيران تعول على دورها الإقليمي في مواجهة التحديات الراهنة التي تُحدق بها، أما الاجتهاد الثالث فقد ربط توقيت المبادرة بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي وهو في تقديري الاجتهاد الأقرب للصحة، فأهمية هذه الانتخابات لمستقبل ترامب السياسي معروفة وثمة انتقادات ديمقراطية حادة لسياساته ومنها سياسته تجاه الصراع اليمني، ولذلك فهو يريد بهذه المبادرة وغيرها أن ينتزع الأوراق من أيدي الديمقراطيين، وقد يكون صعباً على المراقبين أن يبتلعوا تزامن توقيت تشديد العقوبات على إيران والهجمة غير المسبوقة للاجئين من أمريكا اللاتينية ومبادرة التسوية في اليمن مع الانتخابات، فكلها أحداث تعمل فى اتجاه إثبات صحة سياساته أو تواجه الانتقادات الموجهة لهذه السياسات، وخطورة هذا التفسير لو صح أنه يعني أن مصير هذه المبادرة وهي أصلاً فاقدة لمقومات النجاح سوف يكون رهناً بنتائج تلك الانتخابات، والله أعلم.
عن (الأهرام) المصرية​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى