الفئران تأكل بعضها

> عزيز لسين

>
> في أحد الأزمان وأحد البلدان... لا الحكاية لا تصح هكذا، تصح إذا حددنا الزمان والمكان.. الزمان: بعد الميلاد .. المكان: مكان ما في هذا العالم.. هاقد صار الزمان والمكان معروفين.

لنأت إلى الحادثة، في المكان الذي ذكرناه، والزمان الذي حددناه، كان ثمة مخزن كبير، المخزن كان مملوءا بما يؤكل، يحرق، يلبس، يغسل .. كل شيء مفصل مرتب.. الخضار اليابسة كالحمص والفاصوليا والفول ... في طرف، الحبوب كالذرة والأرز والشعير في طرف ... والأحذية والألبسة في طرف آخر.

كان يدير المخزن المحدد المكان والزمان مدير ناجح, في يوم لم يعد يعرف المدير الناجح ماذا يعمل، الفئران احتلت المخزن .. المأكولات صارت تتناقص، الفئران قرضت الجبن والخبز المقمر.
المدير الناجح لا يجلس ويداه على خصره أبدا، حارب الفئران بكل ما أوتي من بأس، لكنه وبالرغم من كل ما بذله, لم يكسب الحرب.. الصابون وقطع الجبن تتناقص يوما بعد يوم، الملابس أصبحت مثقبة ومهترئة، أعشاش الفئران بنيت داخل أكياس الطحين...

لم يبق اطمئنان على سلامة المخزن من الفئران التي أخذت تسمن وتسمن وتعجعج وتتكاثر كلما أكلت من الحبوب والأطعمة, غصّ المخزن بالفئران، واحتل جيش منها المخزن الكبير.. بدا أنه حتى الوقوف بالمخزن مستحيل .. لم تكتف الفئران بالتهام المأكولات وقرض الملبوسات وقضم الجبن والسجق، بل إنها راحت تسن أسنانها وأظافرها بالجلود والأحذية والخشب ..

أصبحت الفئران من وفرة الغذاء، بحجم القطط, ومع الزمن بحجم الكلاب، كانت لا تهجع أبدا تتراكض وتتلاعب وتنط في المخزن.. وفوق ذلك سدت أكثر أماكن التهوية والإنارة والجمال فيه..
المدير الناجح استمر في حربه مع الفئران دون هوادة.. وضع أكثر أنواع السموم مضاء كل جهة وكل صوب ... لم يستفد شيئا... !! لا بل إن الفئران اعتادت على السم المقدم لها .. لأنها كانت تنتشي بتناولها كما ينتشي الإنسان المعتاد على سموم النشوة، وبدأت مع مرور الزمن تطلب السم أكثر .. وإذا لم يقدم لها هذا السم .. مع الزيادة عن اليوم السابق.. كانت تدب على الأرض بأرجلها فتكاد تهد المخزن.

جمع مدير المخزن أفضل أنواع القطط وفلتها في المخزن ليلا .. وفي الصباح وجد وبر القطط المسكينة وبقايا عظامها, لم تستطع القطط مجابهة الفئران, ولم يقتلها أقوى السموم.
بدأ المدير الناجح يضع أفخاخا كبيرة .. وصار ... يحدث أن يقع بعض الفئران فيها في الفخ ... لكن إذا وقعت خمسة فارات في الفخ ليلا ... فإنها تلد ما لا يقل عن عشرين أو ثلاثين فارا في النهار.

وفكر المدير ... اهتدى إلى طريقة فريدة: صنع ثلاث أقفاص جديدة .. رمى في كل منها ما كان يقع من الفئران الحية في الفخ .. امتلأ كل قفص من الأقفاص بالفئران .. لم يقدم للفئران طعاما أو أي شيء.. اختارت الفئران التي باتت على الجوع ثلاث أيام, خمسة أيام, اختارت الفئران الأضعف بينها, قطعتها أكلتها أشبعت بطونها .. وبعد وقت جاعت ... بدأت تتصارع ... وبنتيجة صراعها الدامي هذا ... سطت على واحدة منها .. حنقتها, قطعتها ... أكلتها .. وهكذا أخذ عدد الفئران يتناقص مع مرور الأيام .. تبقى الفارة الأكبر, صاحبة العزم الأقوى, وتتقطع الفارات الضعيفات ويؤكلن.

تحولت الأقفاص المملوءة بالفئران إلى ساحات حرب حقيقية ... بقي في كل قفص من الأقفاص الثلاث ثلاث إلى خمس فئران ... الفارات الباقيات صرن يترامين على بعضهن ويتعاضضن .. قبل أن يشعرن بالجوع .. ذلك أن الواحدة منهّن إذا لم تفتك بالأخرى فان الأخرى ستقطعها تقطيعا .. لذلك صارت كل فارة من الفئران من أجل حماية نفسها تستغل فترة نوم أو سهو الفارة الأخرى لتنقض عليها وتخنقها وتقطعها ... وأكثر من ذلك ... صارت تتحد فارتان أو ثلاث في كل قفص ويهاجمن أخرى .. وتلك المتحدة في المطاف الأخير ... تتحاين الفرصة ليأكل بعضها الآخر ...

أخيرا بقي في كل قفص فأرة واحدة: الأقوى, الأذكى, الأكبر, الأكثر صمودا...
عندما بقي في كل قفص فارة واحدة ... فتح الرجل أبواب القفص وفلت الفئران الثلاثة داخل المخزن .. واحدة واحدة ؟؟!!

بدأت تلك الفئران الثلاث، الضخمة، المغذاة ... المتوحشة، المعتادة على أكل بنات جنسها تنقض على فئران المخزن .. مهما بلغ عددها، تخنقها وتقطعها وتلتهمها.. ولكونها توحشت ... صارت تأكل ما يأكل من الفئران وتقتل الباقي من أجل حماية نفسها... كيلا تخنقها وتلتهمها الفارات الأخريات.
وهكذا، وخلال مدة قصيرة تخلص المحزن الآنف الذكر من الفئران... الحكاية انتهت هنا سؤال أوجهه لكم أيها القراء الأعزاء: كيف خطر في بال المدير الناجح هذا المكر الذي لا يخطر ببال الشيطان ؟؟.. كيف اهتدى إلى أسلوب الخلاص من الفئران وذلك بإطعامها بعضها البعض؟؟
 الجواب: لأن مدير المخزن كان الفأر الأقوى الذي بقي سالماَ بنتيجة تآكل أبناء جنسه .. لقد أصبح مديرا لذلك المخزن عن طريق أكل وقتل أصدقائه... طبق على الفئران أسلوب حياته الخاص... الناجح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى