قلب يقظ (قصة قصيرة)

> زهرة صالح

> «لدي حُلم؛ أن تنتهي الحرب وأعود لأرجوحتي».
لم تكن تتخيل أن تجد مكتوبًا في القُصاصة مِثلَ هذا الكلام، كانت تتخيل أن الجميع سيكتبون أحلامهم وكلها مليئة بالحلوى واللعب!
وحده هذا الطفل من غيَّر الحُلم، وكتب ما اشتاقت إليه نفسُه حقيقة!

منذ اشتعلت نيرانُ الحرب في بلاده، مما اضطرَّ والديه إلى الهرب بأبنائهما الثلاثة عن أصوات الطلقات والصواريخ اليومية؛ بحثًا عن أرض يسُودها السلام والأمان؛ ليعيش أبناؤُهما بعيدًا عن وجع الحرب ونيرانها.
وصلاَ المطار، بعد رحلة هرب دامت ثلاثة أشهر بحثًا عن مكان آمن، استقرَّا في المنطقة الريفية القريبة من الجبل؛ لتكون مشابهةً لبيتهما القديم حيث الوطن.
بدأت رحلة الأب للبحث عن عمل، وتأمين احتياجات الأسرة.

بقيت الأمّ ترعى الأطفال الثلاثة، أكبرُهم لم يتجاوز العاشرة.
بعد مُضيِّ أربعة أشهر كانت الأسرة قد استقرَّت وتأقلمت مع الغربة؛ الأبناء درسوا، وتفوَّقوا ونجحوا، وكأن حربًا لم تشرِّدهم.
ذات مرة اشتاقت الأمّ لأهلها؛ أمها أخواتها، بيتها وبرد الوطن، لكن لا حيلة لها.. ليس أمامها سوى الصبرِ والتحمّل والصمت!
لم تجد أحدًا تحكي له معاناتها سوى الطفل الذي أتى في أول سنوات الغربة.

في كل يوم تحكي له قصصًا من طفولتها، وأرجوحتها المعقودة على غُصن شجرة الرُمان!
وأحيانًا تتوجع فتحكي له عن الحرب وأصوات الطائرات المحلقة فوقهم كل يوم، وكيف أنها تجعلهم مستيقظين طوال الوقت.
ومرَّاتٍ تبكي له شوقها إلى أمها، وحنينَها إلى قطعة الخبز من يديها..

وأُخَرَ تقص له وجع البرد القارس، وجلوسها القُرفصاء حول موقد النار وهي ترتعد بردًا.
يعجبها أنه يبقى مستمعًا ومشدوهًا معها، قد لا يفهم كلامَها، لكنه على الأقل لا يقاطعها، ويركِّز في حديثها وبكائها!
منذ ذلك الحين والطفل يكبر، ويكبر معه حُلم رؤية الأرجوحة تلك، والعودة إلى وطن لم يعِشْ به يومًا!
ذات يوم طلب الطفلُ من والدته أن تعمل له أرجوحةً تشابهُ أرجوحتها تلك على شجرة الياسَمين التي تتوسَّط حديقتهم، وقال لها: «أعدكُ أن أترُكَك تلعبين بها وقت ما تشائين؛ لتتذكَّري الوطن وأرجوحتك، بشرط... ألا تبكي أبدًا!».

تنهَّدت الأم وصمتت بعد أن أخبرت معلِّمة الصَّف لِم كتب ابنها ذلك الحُلم..، وأنها - دون قصد - رسَّخَتْه داخل قلبِه اليقظ!
انتهت، ولم تنتهِ الحربُ!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى