تحولت إلى ظاهرة في عدن.. التسول معاناة أم مهنة؟

> تقرير/ سليم المعمري

> تزايدت، خلال السنين الماضية، عمليات التسول في شوارع العاصمة عدن حتى وصلت إلى بيوت الله، وهو ما حولها إلى ظاهرة شملت الأطفال والنساء وكبار السن وحتى من هم في سن الشباب.
ومع تزايد هذه الظاهرة، التي باتت ملفتة وتشكل ازعاجاً للكثيرين لاسيما مرتادي المساجد، انقسم الرأي المحلي إلى قسمين اثنين، ففي الوقت الذي يرى فيها البعض أن الحاجة والعوز والفقر المدقع هو السبب الرئيس وراء دفع العديد من المواطنين للتسول؛ لتوفير ولو جزء بسيط من القوت لإسكات جوع أطفالهم المتضورين، ويرى آخرون بأنها أضحت مهنة يمتهنونها لكسب المال وليس بدافع الفقر والحاجة.

فقر ومجاعة
وجدان الصبيحي
وجدان الصبيحي
وقال الصيدلاني وجدان عبده الصبيحي: «إن هذه الظاهرة موجودة على مستوى المجتمعات العربية، ولكنها منشرة بكثرة في البلاد، إذ لا يكاد يخلو شارع أو مسجد من متسول واقفا يطلب يد العون والمساعدة من الآخرين، بسبب المجاعة والفقر اللذين باتا يخيمان على معظم أفراد المجتمع، والحرب التي تشهدها البلاد وفقد على إثرها الكثير من أرباب الأسر لمصادر رزقهم  وأماكن عملهم».

وأضاف لـ «الأيام» مهنة التسول هي كالعلقم للكثيرين، ولكنها ملجؤهم ووسيلتهم الأخيرة للصراع من أجل البقاء هم وأفراد أسرهم، وهذا ما تعكسه جلياً مظاهرهم وأصواتهم وأساليبهم، ومع الأسف هناك من ينظر لهذه الشريحة من الناس نظرة سلبية، وهذا ناتج عن التأويل والتفسير والظن الخاطئ.

أسباب كثيرة
فؤاد عبدالقوي مرشد
فؤاد عبدالقوي مرشد
وقال الاختصاصي الاجتماعي ورئيس فريق التوجيه التربوي بمديرية التواهي، فؤاد عبد القوي مرشد: «هناك أسباب كثيرة لبروز هذه الظاهرة منها؛ تدني المستوى المعيشي للناس، وتزايد الفقر، وانتشار البطالة لانعدام فرص العمل، وكذا الحرب التي تشهدها البلاد، وما يترتب عليها من نتائج كارثية من وقف للمرتبات ونزوح للمواطنين، إضافة إلى عودة أعداد هائلة من المغتربين من دول الجوار، كل هذه الأسباب أدت إلى توسعة دائرة الفقر، وبالتالي الاضطرار للخروج إلى الشارع للتسول لسد ولو جزء بسيط من حاجة أطفالهم وأنفسهم من مأكل وغيره من مقومات الحياة، ولهذا نجد الكثير من النازحين ومن الفئات التي تعيش تحت مستوى الفقر في الجولات وفي المساجد وفي الأسواق العامة وأحيانا بأبواب المنازل، ولا ننكر بأن هناك من اتخذوا من التسول منبهة؛ لما رأوا فيها من أنها وسيلة سهلة لكسب والمال ولكنها قليلة».

وأكد مرشد في تصريحه لـ «الأيام» بأنه متى ما قامت الدولة بإنشاء صناديق خاصة بكفالة الأسر الفقيرة وقضت على تداعيات الحرب ستخفف هذه الظاهرة وستحصر في فئات معينة، وهو ما سيمكنها من مساعدتهم، وبالتالي التخلص من هذه الظاهرة نهائيا.

اتساع دائرة الفقر
من جهته، وصف الكاتب أحمد ناصر حميدان، التسول بـ «الظاهرة الاجتماعية المزعجة» والمرتبطة ارتباطًا مباشر بمعاناة المجتمع
احمد ناصر حميدان
احمد ناصر حميدان
.
وأضاف في تصريحه لـ «الأيام» في ظل الحرب وتداعياتها تزداد معاناة الناس نتيجة حرمان أعداد كبيرة لمصادر أرزاقهم المعيشية، كما أن هذه الحرب استهدفت أيضاً مؤسسات الدولة ومؤسساتها الضامنة للحقوق والمنظمة للواجبات والفارضة للنظام والقانون فضاعت على إثرها حقوق المواطنين في الحصول مستحقاتهم ورواتبهم التي تُعد مصدر رزق أسرهم.
كما أن ما تخلفه الحرب من ضحايا الألغام والمتفجرات وتشريد ونزوح، وكذا الضعف في إدارة الأزمات من قبل المعنيين في الدولة والمدينة ومنظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية المعنية بتوفير الإعانات والإيواء، كلها أسباب تزيد من معاناة الناس واحتياجهم للقمة العيش، فتدفع بعضهم إلى التسول،

وإجمالاً أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بشكل مزعج وخطير، فحجم المتسولين أضحى كبيراً في الشارع والأسواق وحتى المساجد، التي تسمع بها توسل الناس الجياع والمحتاجين بعد كل صلاة، كما تجد أبوابها تكتظ بهم، ظاهرة تنتشر ويختلط فيها المحتاج بالهاوي والمحتال، حتى صار الناس لا يستطيعون التفريق بينهم، وانتشارها يتطلب اليوم معالجة ومحاربة بطرق إنسانية تكفل هذه الاحتياجات بتفعيل دور المعنيين بالإغاثة والإيواء ومحاسبة المتحايلين، مع ضرورة ماسة لتنظيم الإغاثات والإعانات بحيث تستهدف المحتاجين الحقيقيين من هذه الشريحة، واهتمام المعنيين بهذا الأمر من ناشطين ومنظمات في إيجاد السبل والبدائل لإيواء اللاجئين والأسر المحتاجة التي فقد عائلها ومصدر رزقها، بحصر معلوماتي وتوفير كل سبل المناسبة لذلك، وكذا تسهيل وصول الإغاثة لهم دون المس بكرامتهم وإنسانيتهم.

مهنة منظمة
فيما قال المواطن محمد علي أحمد: «انتشار المتسولين في شوارع العاصمة عدن يذكرني بشوارع مصر، والتي ينتشر فيها المتسولون التي تديرهم شركات، وما نشاهده في هذه المدينة يوحي أنهم يسيرون وفق خطط تديرها شركات وليس أفراد، فمثلًا سترى اليوم متسول في مسجد بالشيخ عثمان، وستجده غداً في التواهي، والعكس صحيح».
وأضاف لؤي فضل هادي بن هادي، التسول تدل على معاناة؛ ولكنها ظاهرة سيئة في الشوارع وفي المساجد؛ حيث يرفعون فيها أصواتهم بشكل كبير، ومن المصادفة بأنني رصدت كثيراً ممن يتسولون في المساجد وهم في أسواق القات وبهيات غير التي رأيناهم فيها أثناء التسول من عجز ومرض وما إلى ذلك من الأساليب.

ظاهرة قبيحة
إمام وخطيب مسجد الهاشمي الشيخ حامد قال: «إن التسول ظاهرة قبيحة تُسيء إلى سمعة المجتمع، وتُعكر صفوّه، وتُشوه صورته، وتجعل المتسول يظهر بصورة المحتاج والذليل، وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يُذلّ المؤمن نفسه، بقوله (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) أخرجه الترمذي، كما حذّر من هذه المهنة ونفّر منها؛ لأن صاحبها يفقد كرامته في الدنيا ويسيء إلى آخرته؛ لِما روى البخاري ومسلم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ)».

وأضاف لـ «الأيام»، حرص الإسلام على حفظ كرامة الإنسان، وصون نفسه عن الابتذال والتعرض للإهانة والوقوف بمواقف الذل والهوان، فحذّر من التعرض للتسول الذي يتنافى مع الكرامة الإنسانية التي خصها الله تعالى للإنسان، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء 17، كما حرّم الإسلام المسألة على كل مَن يملك ما يُغنيه عنها من مال أو قدرة على التكسب، سواء كان ما يسأله زكاة أو تطوعاً أو كفارة، ولا يحل للمتسول أخذه، قال بعض أهل العلم: «لو أظهر الفاقة وظنه الدافع متصفاً بها لم يملك ما أخذه؛ لأنه قبضه من غير رضى صاحبه، إذ لم يسمح له إلا على ظن الفاقة»، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ». رواه مسلم، وقوله «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» رواه الترمذي، ولهذا فالمحترف لهذه المهنة القبيحة يأكل أموال الناس بالباطل، ويُطعم أبناءه سُحتاً، أي: مالاً حراماً.

ومما يسيء إلى صورة بلدنا المبارك أن نرى أطفالاً صغاراً ونساءً أُرسلوا من قِبل أوليائهم إلى الطرقات والمساجد وإلى المستشفيات.. وغيرها، وعاشوا في الشوارع حفاة، وبلباس مبتذل، يظهرون العوز والفاقة والكآبة ليستثيروا عواطف الناس، وأنهم ما أخرجهم من بيوتهم إلى الجوع.
وقد عالج الإسلام هذه الظاهرة المسيئة بتحريم التسول، والحض على العمل والإنتاج، وجعل أفضل ما يأكل الرجل من كسب يده؛ لقول صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». رواه البخاري، أما من كان في ضيق وكربة؛ فعليه بتقوى الله عز وجل وبذل الأسباب في ذالك، وهي في بلدنا كثيرة ولله الحمد، فالمتسول يأخذ أموال الناس بغير حق وسيسأل عنها أمام الله عز وجل، والتسول بغير سبب مشروع جريمة يستحق صاحبها العقاب عليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى