مخاطر قد تجبر مجلس الأمن الدولي على التدخل العسكري

> محمود الطاهر

>
بدأ رئيس فريق لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار في الحديدة اليمنية، باتريك كومارت أول اجتماعاته في الحديدة يوم الأربعاء 26 من ديسمبر، بعد خمسة أيام من موافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على نشر فريق دولي لمراقبة وقف إطلاق النار في منطقة الحديدة باليمن؛ وذلك بعد أيام من الخلافات بين الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا.

وفوض مجلس الأمن، المؤلف من 15 بلدًا، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بنشر فريق لمدة شهر، مبدئيًا، لمراقبة ودعم وتسهيل تنفيذ الاتفاق بين الطرفين، ويدعو القرار الحكومة اليمنية والحوثيين إلى إزالة العقبات البيروقراطية أمام تدفق الإمدادات التجارية والإنسانية بما في ذلك الوقود، وأن يضمن الأطراف الأداء الفعال والمستدام لجميع موانئ اليمن.

كما طلب من جوتيريش تقديم مقترحات بحلول نهاية الشهر الحاليّ بشأن عمليات المراقبة الأساسية؛ لوقف إطلاق النار، وإعادة نشر قوات المليشيات الحوثية والقوات الحكومية، ودعم إدارة وتفتيش موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وتعزيز وجود الأمم المتحدة في منطقة الحديدة.
وأعلنت الحكومة اليمنية موافقتها على القرار الأممي واستعدادها للتعامل بإيجابية؛ شرط أن يلتزم الحوثيون بكل بنوده، وهو تسليم موانئ الحديدة، والانسحاب من المدينة وتسليمها لأبناء المدينة، التي سيديرونها تحت إشراف وزارة الداخلية اليمنية.

واعتبر الحوثيون، أن القرار الأممي 2451، متقدم على القرار السابق 2216، الذي يدعو المليشيات الحوثية إلى الاستسلام الكامل وتسليم السلاح والانسحاب من المدن اليمنية وتسليمها للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.

وقبل أن نقرأ أسباب الانفتاح الحوثي على القرار الجديد، وكذلك استعداد الحكومة اليمنية للتعامل معه بإيجابية، لابد من الإشارة إلى الخروقات التي ارتكبتها المليشيات الحوثية الموالية لهذه الهدنة، فوفقًا لشهود أعيان، فإن المليشيات الحوثية ما زالت تعمل على الحشد العسكري إلى نقاط التماس بين مليشياتها والمقاومة الوطنية، إضافة إلى إطلاق قذائف الهاون والصواريخ البالستية على المناطق التي حررتها المقاومة الوطنية المشتركة المدعومة من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

وأعلن التحالف تسجيله 140 خرقًا ارتكبته المليشيات الحوثية منذ 18 من ديسمبر وحتى 25 من الشهر ذاته، وهو ما يشير إلى أن المليشيات الحوثية غير ملتزمة بتلك الهدنة.

لماذا رحبت الحكومة اليمنية؟
الحكومة اليمنية لا تملك قرارها، وليس لديها القدرة لاتخاذه منفردة، ورغم أنها تقاتل من أجل استعادة ميناء الحديدة؛ وبشكل عام اليمن، وطرد المليشيات الحوثية منه، فإنها وافقت على أن يحل محل الحوثيين المواليين لإيران قوات متعددة الجنسيات؛ لتشرف أولًا على انسحاب الحوثيين من الحديدة والقوات الوطنية أيضًا، وثانيًا لتشرف على واردات موانئ الحديدة.

ورغم الانتقادات التي تعرضت لها الحكومة اليمنية وفريقها التفاوضي نتيجة تنازلها عن السيادة، لا سيما أن القوات الحكومية كانت على بعد من 3- 5 كيلومترات للوصول إلى ميناء الحديدة، فلدى الحكومة منظور آخر في هذا الاتفاق.

ربما للتحالف العربي والحكومة اليمنية رأي عميق في مثل هذا الاتفاق، وقبولها به على وجه السرعة قد يكون له نتائج مستقبلية في الجانب السياسي والعسكري والإنساني.

ففي الجانب السياسي، تتحدث كل من الحكومة اليمنية والتحالف العربي، أن قبول الحوثي بالتفاوض بعد أن كان يرفض ذلك على اعتبار أن ممثلي الحكومة «مرتزقة العدوان» بحسب وصفهم، هو تقدم كبير، وذلك لم يكن ليتحقق إلا نتيجة الضغط العسكري على المليشيات الحوثية، التي خضعت أخيرًا لمثل هذا الحوار بعد أن عانى التحالف والحكومة من هذا الأمر طيلة الأربع سنوات الماضية، التي كان يرفض الحوثيون الاعتراف بالحكومة الشرعية، ويطالبون بإنهاء العمليات العسكرية، وفك الحصار قبل بدء أي حوار تفاوضي، ومجرد وصولهم إلى ستوكهولم وإبرام اتفاقية تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في الحديدة بداية لمشوار الألف ميل.

أما في الجانب العسكري، قد يكون هناك حسبة إستراتيجية من الحكومة اليمنية والتحالف العربي، وهو الحفاظ على القوات الحكومة، التي تقاتل في الحديدة والساحل الغربي، والاستعانة بها في جبهات أخرى لها أهمية للحوثيين كأهمية الحديدة، وتنفيذ اتفاق ستوكهولم بحذافيره يعني أن المليشيات الحوثية سلمت الحديدة ومينائها إلى الحكومة اليمنية دون قتال.

وليس ببعيد في الجانب الإنساني، فالتحالف العربي والحكومة اليمنية تعرضوا لضغوط كبيرة من منظمات حقوقية دولية، نتيجة لما قد يكلف اقتحام الميناء من خسائر كبيرة في العتاد والأرواح، وسيعيق تدفق المواد الغذائية والأساسية والمساعدات الإنسانية إلى اليمنيين، وهو ما يعني أن الأزمة الإنسانية ستتفاقم أكثر، وتسبب مجاعة كبيرة في البلاد، ولهذا كان لا بد للتحالف أن يقبل مثل هذا الاتفاق ليخفف عبء الضغوط الدولية عليه؛ من أجل أن يستمر في إنهاك الحوثيين عسكريًا، والاعتماد على عامل الوقت؛ كونه يدرك أن المجتمع الدولي سيعود إلى نقطة البداية نتيجة عدم التزام المليشيات الحوثية بوقف إطلاق النار.

لماذا رحب الحوثيون؟
الحوثيون، بعد توقيع الاتفاقية، كانوا ينشرون التفاؤل عبر وسائل إعلامهم، أن المرحلة مرحلة سلام، والجولات القادمة ستشهد اتفاقًا على تشكيل مجلس رئاسي انتقالي مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية؛ رغم أن ذلك يحالف القرار الأممي 2216، لكن هدفهم اتضح بعد عودتهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء.
حيث تحدثت وسائل إعلامهم أن اتفاق ستوكهولم سجل نصرًا لهم بعد أن أذلوا الحكومة اليمنية، وبدأوا يفسرون تلك الاتفاقية وفقًا لأهوائهم لمنح دفعة معنوية لمقاتليهم؛ لمواصلة القتال في مناطق أخرى، وإحداث شرخًا بين الحكومة اليمنية وشعبها والقيادات العسكرية ولدى الوسط القبلي في اليمن.

وأشاع الحوثيون بعد وصولهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء، أن اتفاقية السويد بشأن تبادل الأسرى والانسحاب من ميناء الحديدة، سينفذها طرف الحكومة اليمنية، إضافة إلى أنهم استطاعوا إلزام الحكومة اليمنية بدفع الراتب لموظفي الدولة، وعززوا بإشاعتهم أنه سيكون هناك فريق أممي للإشراف على انسحاب المقاومة الوطنية من الحديدة، التي ستتسلمها السلطات المحلية الموالية لهم.

أهم سبب لقبولهم تلك الاتفاقية، هو معرفتهم أنهم منهارون في الجبهات، ورفضهم لهذا المقترح، الذي جاء لهم على طبق من ذهب، سيكلفهم الكثير، لذا رأوا تسليمه لجهة محايدة سيحفظ ماء وجههم، وسيمنحهم ذلك فرصة لإعادة ترتيب أوراقهم وتجميع صفوفهم، ومن ثم محاولة استعادة بعض المناطق، التي خسروها في مأرب أو صعدة.

وهذا ما تبين بالفعل من خلال سيطرتهم على صرواح في مأرب الغنية بالنفط والقريبة من شبوة، مجرد إعلان بدء سريان وقف إطلاق النار في الحديدة، وتلك لها حسابات حوثية، بهدف التعويض عن موارد الحديدة، والحصول على موارد مضمونة، وأيضًا نفاذ الحوثي من محاصرته في إقليم آزال المجدب، وتعويض الحديدة بعد خروجها عن السيطرة.

هل يلتزم الحوثيون بالاتفاق؟
الشاهد حتى لحظة كتابة هذا الموضوع لا يدل على أن الحوثيين سيلتزمون في الاتفاق، إذا حاولوا الالتفاف على اتفاق الحديدة، من خلال سلسلة من الإجراءات، من بينها إلزام عناصرهم في المدينة بارتداء الزي العسكري والأمني، وإحلال العشرات منهم في الأجهزة الأمنية والإدارية بالمحافظة، معتقدين أن هذه الخدعة ستنطلي على الجانب الحكومي وبعثة الرقابة الدولية.

وسبق هذا الإجراء أيضًا قيام المليشيات الموالية لإيران بنهب وثائق موظفي الخدمة المدنية وتزويرها بإحلال موظفين مواليين للحوثيين بدلًا عن الموظفين الأصليين من أبناء محافظة الحديدة؛ للتحايل على اتفاق السويد والقرار الأممي 2451، وهو ما يعني أن البلاد قادمة على أزمة سياسية وعسكرية أشد مما هي عليه الآن.

موقف الأمم المتحدة
ستستمر المليشيات الحوثية بارتكاب الخروقات اليومية، وهو ما قد يضعها أمام المساءلة القانونية الدولية، على اعتبار أن اليمن تم إدراجه في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فقد يكون المجتمع الدولي ضغط على التحالف العربي والحكومة اليمنية لمنح الحوثيين فرصة أخيرة، وأيد ذلك بقرار مجلس الأمن الدولي 2451، ليصل مضطرًا لاستخدام بنود وقوانين الفصل السابع.

إذ تقول المادة 40 من الفصل السابع: «منعًا لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعون للأخذ بما يراه ضروريًا أو مستحسنًا من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه»، وهذا ما طبق في اتفاقية السويد، إذا يعتبر الانسحاب الحوثي من الحديدة يتزامن مع انسحاب القوات الحكومية أيضًا إلى مناطق حددتها، أمس الأربعاء، اللجنة المشتركة برئاسة الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كومارت، لا تخل بحق المليشيات الحوثية ولا الحكومة.

ستأتي المرحلة التالية، وهو تفعيل المادة 41 التي تقول: «لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير، التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية.. وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًا أو كليًا، وقطع العلاقات الدبلوماسية».

ثم ستكون المرحلة الأخيرة وهي الحسم العسكري بتأييد دولي، وفقًا للمادة 42، التي تجيز للأمم المتحدة أن تتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه.

الخلاصة
طرفا الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية الطائفية، يران أن وقف إطلاق النار في الحديدة سيمنحهما الفرصة؛ للظفر بالحرب والتحايل على البنود، لكن تلك مخاطرة قد تجبر مجلس الأمن على التدخل العسكري في اليمن، وهذا ما يشير إليه قرار مجلس الأمن الدولي، الذي قدمته بريطانيا.
وفي كل الأحوال، يبدو أن قرار مجلس الأمن الأخير، يعمل على إطالة أمد الأزمة اليمنية؛ ليمنح لبريطانيا ودول إقليمية العودة إلى اليمن والسيطرة على موانئه، التي تطل على أهم ممرات النقل والمعابر البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي إفريقيا، من بوابة الحوثيين.

عن (نون بوست)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى