> تقرير/ فردوس العلمي

يوسف عبد الكريم محمد نعمان، طفل يدهشك بحديثه عندما يسرد قصة كفاح حياته، لاسيما وأن عمره ثلاثة عشر عاماً.

فالطفل يوسف كبر قبل أوانه، فخلع رداء الطفولة وارتدى رداء الكبار، فحمل على عاتقه حملاً ثقيلاً، وهو رعاية (أم، وجدة، وخال مريض)، فلقد عرف يوسف المعاناة منذ صغره، حيث تجده في الشارع الرئيسي بمديرية المعلا في العاصمة عدن يشقى ويعمل دوماً، حيث صنع لنفسه مصدر دخل يقتات منه هو وأسرته.

فالطفل يوسف يدرس في الصف الثامن، ويشغل نفسه في صنع بعض الألعاب منها (البلياردو، والجيم)، فهو يعتمد على ذاته في توفير لقمة العيش له ولأسرته.

صناعة الألعاب تُحرمه الطفولة
يقطن يوسف في منزل متواضع بالمعلا مع والدته وجدته وخاله، وهو من يتحمل رعايتهم.

يقول يوسف عن نفسه: «يوسف الطفل الصغير البسيط من يعيش دوراً أكبر من سِنه لتحمله مسؤولية أسرته لتوفير القوت اليومي، والأدوية الضرورية لأمه وجدته، ويرفه عن نفسه بصنع الألعاب التي حرم منه في صغره، ويحاول الآن أن يصنعها بيده ليسعد بها الأطفال الآخرين، وهذا العمل أصبح هوايتي المفضلة، وحاجتي للحصول على ما يعيننا في العيش».


ويضيف، في حديثه مع «الأيام»: «جاءت فكرة ممارسة هوايتي في صنع الألعاب منذ الطفولة عندما كنت في الثالثة من العمر، حيث كانت الألعاب تشدني فكنت أصنع من المكعبات السيارات والطائرات والمنازل والسيوف والمسدسات وألعب بها، فهذه الألعاب لم تكن تتوفر لي في المنزل، وأكثر شيء كان يزعجني في الروضة عندما ينتهي الدوام، لأني سأعود للمنزل ولن أجد ما ألعب بها، وعندما أعود للمنزل كنت أتلهف للعودة إلى الروضة، لهذا أنام مبكراً ليأتي الصباح وأذهب للروضة لإشباع رغبتي في اللعب وصنع الألعاب المختلفة».

صعوبة الحصول على مواد الخام
يتحدث يوسف عن عمله بثقة، ولا يقلقه إلا افتقاده في بعض الأحيان للمواد الخام، ويقول: «في عملي استخدم المواد البسيطة منها بقايا كراتين وورق واللعب البلاستيكية والمعدنية والخشب وبقية المواد، وأمي حفظها الله تعمل على توفيرها لي من خلال مساعدتي في شراء هذه المواد عندما يتوفر لها المال من خلال بيعها لـ(البخور)، وتشتري لي الأشياء التي أتمناها».

وعن فترة استغراق العمل في صنع الألعاب يشير إلى أنه «ليس هناك وقت محدد، فالفترة الزمنية تختلف من لعبة لأخرى، فبعضها تستغرق ساعات والبعض الآخر أيام، وما يؤخرني هو عدم توفر المستلزمات الضرورية للألعاب التي تخطر على بالي، فأنا أحب أنوّع في الألعاب التي أصنعها بيدي، وعندي أفكار كثيرة لكن المواد الخام وصعوبة الحصول عليها يؤخرني».

ويتابع «صنع الألعاب هواية أحقق فيها رغبتي في إشباع النفس؛ لكن ما يزعجني عدم توفر بعض أنواع المواد الخام التي أريدها للأفكار التي تأتي على بالي، وهي أيضاً عمل ومصدر عيش استخرج منها دخلاً يعينني أنا وأسرتي على العيش بكرامة وشرف، وما يزعجني أيضاً هو عدم تفهم بعض الأولاد والشباب حيث يلعبون بعنف، لهذا أتمنى أن يلعبوا بهدوء بدون عنف أو بلطجة».

عدم تقدير المعلمين
يجد الطفل يوسف صعوبة في التوفيق بين دراسته والعمل، وكثيراً ما يقع في حيرة، هل يستمر في عمله ليكسب قوته وينمي موهبتها؟ أم يكتفي بها كموهبة ومصدر دخل يومي؟
لكن طموح يوسف وأحلامه الكبيرة يدفعانه إلى أن يكمل دراسته ليصل إلى مستقبل علمي أفضل، خصوصاً وأنهُ يحلم بأن يكون مخترعاً، حيث يقول: «أحلم أن أكون مهندساً ومخترعاً كبيراً».

ويضيف بألم «بدأت في إهمالي دراستي بسبب هوايتي التي هي مصدر عيشي، لكن للأسف بعض المدرسين والمدرسات لا يقدرون ظروفي حتى أنهم يكرّهوك بالاستمرار في الدراسة، فمثلاً أنا بطيء في الكتابة، والمعلمة تكتب بسرعة على السبورة ولا أستطيع أن أجاريها ومقعدي بعيد عن السبورة ولا أرى بوضوح وأحياناً لا تتوفر لدي الكتب المدرسية ولا أتمكن من شرائها وكل هذا يجعلنا عرضة للعقاب، ويقومون باستدعاء والدتي وهذا الشيء يزعجني كثيراً، ورغم هذا أبذل جهداً كبيراً في التوفيق بين الدراسة وممارسة هوايتي وعملي، وكل هذا بفضل الله ثم بفضل دعاء أمي وثقتها بي وتحفيزها لي، فأمي هي من تقف دائما إلى جانبي وتشجعني لمستقبل أفضل، بالإضافة إلى تشجيع خالي لي».

وتابع «طموحاتي كثيرة وخيالية وكبيرة فأنا أحب الاختراعات وأحب أن أصنع سيارة وطيارة بها مميزات خاصة وأن أتحمل مسؤولية أمي وجدتي وأوفر لهما كل ما يتمنيانه، وأن أكون عوناً لخالي وأن تفتخر بي أسرتي».

بين الفخر والخوف على الابن
من جانبها، تقول أم يوسف، في العقد الرابع، وهي تتألم عن وضع صغيرها الذي كبر قبل الأوان: «يعتصر قلبي ألماً وخوفاً وأنا أرى صغيري يحمل همّ الأسرة، وأتمنى أن يعيش حياته كأي طفل؛ لكني فخورة به ويغمرني الفرح عندما أراه يتحمل المسؤولية وهو سندي بعد الله».

وتضيف لـ«الأيام»: «أحاول أن أملأ حياته بالحب والحنان ليشعر بالبهجة خاصة حين يصاب بالإحباط وخيبات الأمل.. أحب يوسف وأرى دنيتي من خلاله».

وعن يومه وكيف يقضيه تتابع حديثها «يصحو الصبح ويذهب إلى المدرسة والظهر يذهب لدرس خصوصي ولا ينسى يوسف في ظل زحمة وقته أن يعطي أسرته وقتاً يقضيه معهم في البيت، وبعد الساعة الرابعة عصراً ينزل لعمله في البلياردو، ويظل يعمل حتى العاشرة، وأيام الإجازات يقضيها مع أصحابه، وساعات كثيرة نخرج مع بعض إلى البحر، وعندما يتيسر لي الحال أعزمه في مطعم».

واستطردت «يوسف تحمل الهمّ مبكراً؛ فهو من يتحمل مسؤولية ثلاثة أفراد يعتمدون عليه، فأنا بلا عمل وخاله وجدته مريضان، وليس لنا أي معاش أو مصدر دخل غير راتب ضئيل لخاله».

ذكريات موجعة
تتذكر أم يوسف ذكريات مؤلمة حين تعرض يوسف لحادث سير، وتقول: «صدمه موتر (سيكل) من شخص بلا ضمير رفض أن يعالجه، وكان هذا الحادث يوم عيد ميلاده التاسع، حينما كانت الدنيا فوضة ولا توجد دولة، فتحملنا علاج يوسف وكل التكاليف وجلس فترة يعاني وأنا فوضت أمري إلى الله».

مرض نادر
ليوسف خال يعاني من مرض نادر ومؤلم جداً، وهو انتفاخ في الوريد البابي وأوردة الأمعاء، وسبب له انتفاخ في أوردة القولون ومعرض في أي لحظة لحدوت انفجار.

تقول أم يوسف: «عندما يرى يوسف حالة خاله يشعر بالعجز كونه لا يستطيع أن يخفف عنه أوجاعه وألمه، فخاله محتاج عمليتين توسع الانسداد الموجود في الوريد البابي مع تركيب دعامات معدنية واحتمال تركيب دعامة معدنية بين الوريد البابي والوريد الكبدي».

وأضافت «ناشدت عبر كثير من الصحف كي يساعدنا أهل الخير، ولكن للأسف لم نجد إلا قلة قليلة والعملية مكلفة، حيث تبلغ تكاليفها إلى 220 ألف جنيه مصري، وخاله ساءت حالته وراتبه ضئيل ولا يكفي حتى لعلاجه».
وتابعت «ابني يوسف يعتبر خاله مثله الأعلى، وعند رؤيته لخاله بهذا الحالة يستاء وتتغير نفسيته وتكتسي ملامحه الحزن والاكتئاب فيشعر بالعجز كونه لا يستطيع مساعدته».​