الأخطاء العشرة التي انتقصت من شرعية «الشرعية»

> وضاح اليمن الحريري

>
تتيح المسافة الزمنية المنقضية منذ اندلاع الحرب في اليمن في مارس 2015م حتى يومنا هذا، والتي تكاد تكمل عامها الرابع، أن نلقي الضوء على هذه التجربة المؤلمة والمؤسفة في آن واحد، من منظورنا الشخصي، طبعاً، لتقييم أعمال الشرعية، باعتبارنا من المواطنين الذين مستهم الحرب وتضرروا منها، وعانوا بسببها الكثير والكثير من المعاناة اليومية على مستويات عدة.

لقد واكبتْ مسار الشرعية من البداية مجموعة من الأخطاء التي صارت مزمنة، بل صارت جزءاً من خصائص الشرعية التي تثبت ملامحها يومياً وتكرّس لتبعاتها الجارفة لأي فرص للعودة إلى زمن ما قبل الحرب، كونها أقرب المراحل إلى مرحلة الحرب وسابقة لها. وباقتضاب سنشير هنا لأهم تلك الأخطاء من وجهة نظرنا.

الخطأ الأول:
ظهرت الشرعية على الشاشة السياسية ممثلة لتحالف واسع وعريض من القوى السياسية والاجتماعية يغطي نطاقاً واسعاً من جغرافيا اليمن، إلا أن عناصر هذه الشراكة لم تتناغم أو تنسجم مع بعضها أو حتى تتقارب لتجعل الشرعية تعبر مسافة الحرب بثقة كافية تعكسها في الميدان، لقد كان وما زال بإمكان الملك أو ولي العهد أو غيرهما من قيادات التحالف أن يلتقي بقيادات أطراف الشراكة الشرعية منفردين أو مجتمعين ليقرروا أو ليتفقوا بدون أن يسجل أن الشرعية هي الغطاء الصحيح لمثل هذا الإجراء، هذا التخلي عن الطابع الرسمي في العلاقة بين الشرعية والتحالف وبين عناصر الشراكة أنفسهم، جعلهم جميعاً أنداداً وموازيين للشرعية في ثقلها السياسي والميداني.

الخطأ الثاني:
انطلقت الشرعية من هذه القاعدة لتوزيع المناصب وبناء التوازنات، على أساس أن شراء الولاءات هو الطريقة الكلاكسيكية المثلى للحفاظ على كيانها وتعزيز تماسكها في مواجهة الأخطار الداخلية والتحديات الداخلية بصفة رئيسية، لكنها في الحقيقة لم تستطع أن تغير في المواقف العملية لتلك التوازنات تغييراً جوهرياً يفضي إلى لغة مشتركة تمكنها من التوغل في مناطق سيطرتها وفي مناطق المواجهة مع خصومها.

الخطأ الثالث:
استندت الشرعية بكل ثقلها وأعبائها على دول التحالف، واعتمدت كلياً على الثقل الخارجي للمواجهة، متخلية عن وضعها السياسي الداخلي تاركة له في مهب الريح، وفي المقابل ليس في مقدورها التعامل مع البند الخارجي باستقلالية تتيح لها أريحية في تقديم الرؤى الممكنة والمتاحة التي تقدرها والتي تبني عليها مقومات واعية للحرب أو للسلام.

الخطأ الرابع:
مثلت الرياض محور ارتكاز رئيسيا لأداء الشرعية، بل اختزل معظم دور الشرعية السياسي في الرياض مع أذرع مشلولة كما يبدو للدبلوماسية في الخارج، فصارت الرياض هي المتكأ للتعامل مع قرار الحرب هذا أولا، أما ثانياً فقد ظهرت حالة عميقة من الانزواء اللطيف للشرعية المتعدد، وبالمقارنة مع النشاط الإعلامي الدولي الذي يتناول الحرب، نكاد نجزم أن الشرعية لم تتواجد في أكثر من ثلاثة أو أربع مواقع منه، منها الرياض والقاهرة، باكتفاء الشرعية بهذين كمنافذ لها إلى الداخل اليمني وليس للاتصال بالعالم.

الخطأ الخامس:
غياب الإنجازات الملموسة ليس العسكرية ولكن السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية التي يحاكيها المواطن ويقيس على ما تقدمه له من فوارق بين مرحلة وأخرى، قاد إلى أن المواطن صار في حالة انعدام ثقة مع الدولة وفي رمزيتها الشرعية باحثاً عن حلول بديلة تحمي مصالحه وتتمثلها، وقد يكون للقصور الإعلامي الرسمي شيء من تحمل هذا الخطأ بطابعه الروتيني المتهالك والمكرر.

الخطأ السادس:
في المعارضة المعتادة تشكل حكومة ظلت تتابع وتنتقد حكومة الحاكم، لكن ما نشأ وما نتج عن الممارسات المختلفة في نطاق سيطرة الشرعية أو في ظل وجود خصومها الذين تحاربهم، هو حضور حكومات عديدة ومتعددة لعل الظاهر منها حكومتان فقط، بينما تدل أحداث الواقع عن عدة حكومات تتصرف في نفس الوقت لخدمة مصالحها، وأحداث سقطرى وغيرها ليست عنا ببعيد، هذه الحكومات فتحت شهية أطراف كثر ليأخذوا نصيبهم من كعكة الشرعية، وهم في طريقهم لمساندتها مع أنانية مفرطة بالرغبة في تجاوزها وتخطيها أيضا.

الخطأ السابع:
لم يتضح، على مدى أربع سنوات تقريباً، أي أسلوب أو أداء قيادي مميز للشرعية كي تستقطب به المواطنين وتجعله مثلاً وكاريزما يتم الانصياع لها أو القبول بها، وهذا يدل على شدة التنافس بين أعضاء تحالف الشرعية البين، وكذلك بينهم وبين خصومهم مما جعل الشرعية لا تمثل الخيار الأوحد في الداخل اليمني؛ فلمعت أسماء كثيرة وتعملقت في تطاول غريب على مفهوم الدولة ونظمها وإجراءاتها صارخة بصراحة أن لا يد ستكون أطول من يدها أو ذات قدرة أن تطولها.

الخطأ الثامن:
التفتت الغالبية العظمى من رجال الشرعية إلى نفسها ومصالحها أولا وأخيرا وقبل كل شيء؛ لأنهم ببساطة وفي حالة انعدام المحاسبة بمبرر الحرب يمكن لهم بناء مستقبلهم القادم، فهم في السلام سيكونون المستثمرين ورجال الأعمال والباحثين عن النظام والقانون، لكن في هذه اللحظة هم لا يجيدون شيئاً أهم من التهيئة لبناء تلك المصالح القادمة.

الخطأ التاسع:
إن حساب أن النصر يجب أن يتحقق ولو كلفنا ذلك كل شيء فإن هذا التصور خاطئ 100 %، فلا يمكن بأي حال من الأحوال النظر لأي نصر تكاليفه وضحاياه أعلى ما يمكن، فالخسائر الفادحة والجسيمة التي يمر بها اليمنيون مادياً ومعنوياً ووجدانياً أضاعت حلاوة أي انتصار قادم، فالتكلفة الباهظة هذه تجعل الانتصار في محل شك وتجعل المرارة والخسائر في محل اليقين، بينما تتجه الشرعية لهذه الحالة دون انتباه بأنها ستكون هفوة وفخاً ستقع فيه بالمجان.

الخطأ العاشر:
في سؤال فردي صريح، يقول ما العدالة التي جاءت بها الشرعية بين الناس؟ قد نستطيع عند توفر الجواب القول إن الملك سيبقى معدوما وللسياسيين نظرتهم المميزة للعدالة التي تجعلهم قادرين على تقييم المصير النهائي للشرعية والدولة برمتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى