كيف يبدو مستقبل سوريا بعد الانسحاب الأمريكي؟

> «الأيام» وكالات

>  تساءلت مجلة «إيكونوميست» في مقال في نسختها المطبوعة عن الآثار المتوقعة للانسحاب الأمريكي المزمع من سوريا، مرجحة أن يعيد ذلك تشكيل الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت المجلة إن الأمر لم يستغرق طويلاً حتى ترددت أصداء القرار في أنحاء الشرق الأوسط. فقد ابتهج النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون به، وسارعت دول عربية للمصالحة مع بشار الأسد. بل وتفكر جامعة الدول العربية في إعادته إلى الحظيرة العربية. وارتمى الأكراد حلفاء أمريكا، وهم يشعرون بالخيانة، في أحضانه لصد الغزو التركي الذي يلوح في الأفق. أما إسرائيل، فقد سارعت لاحتواء الضرر.

اهتزت الجغرافيا السياسية في المنطقة بتغريدة واحدة أطلقها دونالد ترامب في 19 ديسمبر (كانون الأول) قال فيها «لقد هزمنا داعش في سوريا، وهو السبب الوحيد لوجودي هناك». فجر ترامب مفاجآت كبيرة: خروج أمريكي، وإقرار بانتصار إيران وروسيا، وبقاء سوريا تحت حكم الأسد.

تضارب القرارات
ذُهل العالم كله من قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي من شرق سوريا -يضيف التقرير- بمن فيهم مبعوثيه إلى المنطقة. في أبريل (نيسان) من العام الماضي، أعلن ترامب أن القوات الأمريكية ستغادر قريبًا. ثم تراجع في سبتمبر (أيلول) وأعلن أنها ستظل إلى أجل غير مسمى لضمان هزيمة «داعش»، ورحيل القوات الإيرانية والقوات الأجنبية الأخرى، وإنشاء حكومة مقبولة دوليًا. وقد سخر جيمس جيفري، مبعوث ترامب الخاص إلى سوريا، من فكرة أن الأسد ربما ينتظر ببساطة أن ترحل أمريكا وقال: «أعتقد أنه إذا كانت هذه هي استراتيجيته، فسيكون عليه أن ينتظر طويلاً للغاية». وقد استقال بريت ماكجور، المبعوث الأمريكي للحرب ضد داعش، بعدها بأيام.

وقد علق أحد الوزراء العرب على القرار قائلاً «كان القرار مفاجئًا تمامًا. لكن ليس بسبب حقيقة أن أمريكا غيرت موقفها. فهذا هو التغير الخامس أو السادس في موقف أمريكا في سوريا». فهل سيغير ترامب رأيه مرة أخرى؟ يتساءل معد المقال. في 30 ديسمبر (كانون الأول) أقنع ليندسي جراهام، السيناتور الجمهوري، ترامب بإبطاء الانسحاب، على أن يتم على مدى أربعة أشهر بدلاً من شهر واحد. وقد مارست إسرائيل والأردن أيضًا الضغط من أجل بقاء القوات الأمريكية في بعض المناطق، وخاصة في التنف في الجنوب.

يروج ترامب لنفسه على أنه نقيض سلفه أوباما. فقد انسحب من الاتفاق النووي مع إيران وأعاد فرض العقوبات عليها، ووطد العلاقات أكثر مع السعودية واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وبينما تردد أوباما في اتخاذ إجراء عسكري ضد الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية في عام 2013، وجه السيد ترامب ضربة عسكرية عقابية ضد النظام السوري.
ومع ذلك، ربما يكون ترامب يسير على خطى بأوباما دون أن يدرك، خاصة في رغبته في الحد من تورط أمريكا في الشرق الأوسط، حيث عانى الرؤساء من الكثير من الإخفاقات. وفيما يتعلق بسوريا، يقول ترامب بوضوح ما قاله أوباما من قبل: «لا توجد لأمريكا مصالح حيوية هناك». ويعلق فيليب جوردون من مجلس الشؤون الخارجية -الذي كان مسؤولاً عن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في إدارة أوباما- على ذلك بالقول: «هناك الكثير من التشابه بين سياستي ترامب وأوباما: نحن لا نملك الأجوبة على المشاكل المعقدة في الشرق الأوسط، ولا نرغب في خوض حرب كبرى لمحاولة حلها». ومع ذلك، يقول إن العملية الأمريكية في سوريا صغيرة نسبيًا، وأن طريقة ترامب المتهورة تسببت في الكثير من الضرر.

يرى الكثيرون في واشنطن أن ترامب يهدر نفوذ أمريكا في سوريا دون فائدة -يشير معد المقال- فهي تسيطر على 95% من نفط سوريا وكثير من حقول الغاز. ومياه الفرات. وأرض زراعية رئيسية وخمس قواعد عسكرية كبيرة.

الرابحون والخاسرون في هذه الحرب الدموية
أكبر الخاسرين هم أكراد سوريا، الذين يبدو حلمهم في إنشاء منطقة حكم ذاتي في سوريا عرضة للخطر. لقد أثبت مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية أنهم أكثر الحلفاء كفاءة في حرب أمريكا ضد داعش، بعد أن ردوا الجهاديين من الحدود التركية إلى الحدود العراقية. وقد ساعد وجود الولايات المتحدة على حماية وحدات حماية الشعب من هجوم تركيا، التي تعتبرها منظمة إرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني التركي.

سيطر الأتراك على منطقة عفرين الكردية غرب الفرات العام الماضي. ويهددون بالقيام بنفس الشيء إلى الشرق من النهر، حيث تتواجد معظم القوات الأمريكية. جاء إعلان الانسحاب بعد أن تحدث ترامب إلى رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان. وينوه معد التقرير إلى أنه لا يُعرف ما إذا كان السيد ترامب يخشى حدوث صدام بين القوات الأمريكية والتركية، أم يود ضمان تعهد أردوغان بالقضاء على ما تبقى من جيوب داعش. وربما ساعدت عملية بيع صواريخ باتريوت الأمريكية في اتفاق الرجلين. لكن أولوية أردوغان ستكون طرد المقاتلين الأكراد من الحدود التركية، وليس محاربة داعش، التي ما يزال لديها الآلاف من المقاتلين في الجنوب. وقد يمنح ذلك الجهاديين فرصة للظهور مرة أخرى، مثلما فعلوا بعد انسحاب أوباما من العراق في عام 2011.

أما الرابح الأكبر فهو بلا شك السيد الأسد في حرب أسفرت عن مقتل نحو 500 ألف شخص وتشريد حوالي 13 مليون نسمة. بدا الأسد على حافة الهزيمة في عام 2015، ولكن من خلال التكتيكات الوحشية -وبمساعدة من روسيا في الجو، ومليشيات إيران والشيعة على الأرض- استعاد معظم بلاده. ويبدو أنه عازم على مواصلة القتال إلى أن يسترد جميع أراضيه.
سارعت قوات حماية الشعب الكردية إلى دعوة القوات السورية لدخول منطقة منبج لردع تركيا. يشدد معد المقال على أن أردوغان مضطر للتفكير مليًا قبل اتخاذ أي إجراء ضد الأكراد. قد تقاوم روسيا وإيران أي محاولة من جانب تركيا لمساعدة حلفائها من العرب السنة «ومنهم جهاديون مرتبطون بالقاعدة» لتوسيع سيطرتهم على الحدود. يقول أيطن أورهان، من مؤسسة ORSAM، وهي مؤسسة فكرية في أنقرة: «على تركيا أن تكون حذرة بشأن الخطوط الحمراء للطرف الآخر». فالفشل في القيام بذلك يمكن أن يعجل بهجوم سوري على إدلب، آخر معقل للمعارضة ضد الأسد.

تغير الموقف الرسمي العربي
تغير موقف الدول العربية السنية من دعم المتمردين السنة إلى المصالحة مع الأسد. ففي 16 ديسمبر (كانون الثاني)، أصبح الرئيس السوداني عمر البشير أول رئيس دولة عربي يزور دمشق منذ ربيع عام 2011. وفي 27 ديسمبر، أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق. ومن المتوقع أن يناقش اجتماع للقادة العرب في بيروت في وقت لاحق من هذا الشهر دعوة الأسد إلى عقد قمة في تونس في مارس. وقد تخلت المملكة العربية السعودية عن موقفها المتشدد حيال الأسد، تجلى ذلك في استبدال إبراهيم العساف بوزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

ويرى معد المقال أن العرب يأملون أن تؤدي إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد إلى تقليل اعتماده على إيران -على الرغم من أنه سيبقى مدينًا إلى الأبد لطهران من أجل بقائه- يشعر العرب باستياء من أن مصير سوريا العربية يتم تحديده بشكل أساسي من قبل القوى غير العربية، روسيا وإيران وتركيا.
في المقابل، تحاول إيران إقناع العراقيين بالمساعدة في ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في سوريا. قدم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي دعمًا غير محدود. إذ شنت الطائرات العراقية هجمات بالفعل على داعش في سوريا. وإذا انسحبت أمريكا من سوريا بالكامل، فستتمكن إيران بسهولة من إنشاء جسر بري إلى لبنان، يكمل الجسر الجوي الذي يعمل الآن، لنقل المساعدات إلى حليفها القوي، حزب الله.

بعد أن أنقذت الأسد من السقوط، باتت روسيا ذات النفوذ الأكبر في المنطقة، يشير معد المقال. ربما تكون موسكو قد عملت كقوة جوية لـ«المحور الشيعي»، لكنها تحتفظ بعلاقات قوية مع جميع الأطراف الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج. بل إن تدخلها لإنقاذ حليفها الأسد يجعلها تبدو في نظر الزعماء العرب السنة أكثر موثوقية من أمريكا. تتعاون السعودية بقوة مع روسيا لتنسيق إنتاج النفط. ولا ينسى أحد المصافحة الحارة بين بوتين ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي المتهم بقتل الصحفي جمال خاشقجي، في قمة العشرين الأخيرة.

إسرائيل أيضًا تقاربت مع روسيا. فقد التقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مراراً مع بوتين على أمل إقناعه بوقف دعمه لإيران، أو على الأقل ضمان أن إسرائيل يمكن أن تتصرف ضد إيران وحلفائها. كان ترامب قد وعد بأن «يعتني بإسرائيل». لكنه أثار انزعاج الإسرائيليين حين قال «بصراحة، ليفعل الإيرانيون ما بدا لهم في سوريا».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى