لن نكون في مأمن بصمتنا عن الخطر

> نُهى البدوي

>
​عُينت مؤخراً الدكتورة شذى النعيمي وزيرة للتربية والتعليم في الحكومة العراقية خلفاً للوزيرة السابقة الدكتورة شيماء خليل الحيالي، بعد أن أجبرتها فضيحة انتماء أخيها لتنظيم «داعش» على تقديم الاستقالة والتبرئة منه بعد أقل من أسبوع من تعيينها وزيرة للتربية والتعليم، وكتبت في صفحتها على الفيس بوك الأسبوع الماضي «أعلن وضع استقالتي بيد رئيس الوزراء الدكتور عبد المهدي وأعلن براءتي من أخي المنتمي لتنظيم داعش» لتدفع بذلك ضريبة صمتها وتأخرها عن التبرؤ من أخيها «ليث» المنتمي لتنظيم «داعش».

مهما كانت المبررات هكذا يخسر الناس الفرص المتاحة لهم، ويدمرون مستقبلهم، وبعضهم يفقدون حياتهم نتيجة مواقف صمتهم عن الخطر أو التستر عنه، لتؤكد لنا هذه الواقعة وغيرها من الوقائع والأحداث المشابهة، أثر العقاب المجتمعي الذي تجنيه كثير من الأسر والأفراد وما يدفعوه ثمناً لارتكاب أقاربهم الجرائم الجنائية، والسلوكية، حتى وإن كانوا ضحايا في بعضها.
ترسخت مواقف تبرؤ الأهل من أقاربهم كعادات وتقاليد منذُ القدم في مجتمعنا اليمني عند ارتكابهم للجرائم والأعمال المشينة والسلوكيات غير الأخلاقية المنبوذة في المجتمع، كإجراء سرعان ما يتم الإعلان عنها في المجتمعات القبلية والعشائرية، كمواقف نبيلة تعبيراً عن رفضهم، وعدم رضاهم عن ارتكاب الجرائم، وتجسيداً لنبذهم لها وحرصهم على تمتين علاقتهم بالمجتمع والمجني عليه، فرداً أو حارة أو كيانا قبليا عشائريا، وتأكيداً على براءة ذممهم ونقاء سلوكهم منها، ليحافظوا على مكانتهم واحترامهم في المجتمع، وإيمانا منهم ونصرةً لإحقاق الحق، وتحصين أنفسهم من تبعات هذه الجرائم، وصار كإجراء عقابي مجتمعي ينبذ هذه الجرائم، ومرتكبوها من مجتمعنا، لترسيخ وتعزيز قيَّم العدل في المجتمع ليتحمل الجاني فقط نتائج فعلته، وما أقدم على ارتكابه، والحفاظ على روح التآخي والتعايش في المجتمع.

خطر التطرف والإرهاب هو أشد ضرراً على الأسرة والمجتمع ككل والتستر على عناصر التنظيمات الإرهابية، وأنشطتهم وصلة القرابة بهم يعد مشاركة ومباركة، لما يرتكب من جرائم تدُمر الأوطان والمجتمعات، ويعد إيواء هذه العناصر الإجرامية من أكبر الأخطاء، حيث يوَّفر لهم فرص حرية العيش بيننا والحماية الأسرية والمجتمعية، ويُشجع الآخرين الأبرياء على سهولة التعامل معهم، ونكون بتصرفاتنا منحنا للتنظيمات الإرهابية العوامل والمحفزات لتنفيذ أجندتها والاستمرار في أنشطتها وأعمالها الإرهابية، وحرية حركتها واستقطابها للشباب، وهذا ما تراهن عليه أشد رهان وتحرص للحفاظ عليه، لتتمكن من التواجد والبقاء في كل فئات المجتمع.

ربما كانت تبرئة الدكتورة شيماء الحيالي عن أخيها المنتمي لتنظيم «داعش» موقفا متأخرا، لكنه أرسى تقليداً وتصرفاً إيجابياً مطلوب ممن تربطه صلة قرابة مع المطلوبين أمنياً والمنتمين للتنظيمات الإرهابية القاعدة وداعش، ودرساً مفيداً لبعض المجتمعات والدول العربية التي تعاني من انتشارها ومنها اليمن لتتعلم منه بعض الأسر وتتخذ منه مواقف حازمة ومشابهة لإيضاح علاقتها وصلتها بمن ينتمون لهذه التنظيمات الإرهابية، والتبرؤ منهم، كذلك إشارة ملهمة لتنبية الدوائر الرسمية للتدقيق بصلة القرابة للشخصيات الرسمية قبل تعيينهم في المناصب الحساسة في مؤسسات الدولة.

إن يخسر الإنسان المدرك سمعته ومنصبه الوزاري بسبب انتماء أحد اقاربه لتنظيم إرهابي، فهذا حدث استثنائي وبادرة طيبة ودرس مفيد ينبغي على بقية البلدان والمجتمعات التعلم منه، فبدون الإعلان عن التبرؤ من صلتنا بالمنتمين لهذه التنظيمات الإرهابية «القاعدة» و «داعش»، لن نكون في مأمن من الخطر بمواقفنا المبهمة وعدم الإفصاح عن علاقتنا بهم، ولن يحمينا صمتنا من خطرها وتداعياته مهما كانت الأسباب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى