روسيا تلعب لصالح الحوثيين لكسب مربع جديد في الشرق الأوسط

> سها صلاح

>
​بعد أن أخرجت روسيا «واشنطن» من سوريا بنجاح ليخلو لها وجه «الشرق الأوسط» بدأت موسكو في التدخل في اليمن بشكل منظم، ففي 9 يناير أشاد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة «فاسيلي نيبنزيا» بجهود الأمم المتحدة لإنهاء الأعمال العدائية في اليمن وتعهد بدعم موسكو لمفاوضات السلام التي تشارك جميع الأطراف المتحاربة في الصراع، في الوقت الذي ظلت فيه نيبنسيا حذرة من احتمالات تحقيق انفراج سريع في مفاوضات السلام التابعة للأمم المتحدة، عكس موقفه التوفيقي تجاه محادثات دعم روسيا للحوار بين التحالف الذي تقوده السعودية والقوات الحوثية.

كان دعم روسيا لإشراك الحوثيين في الدبلوماسية المتعددة الأطراف سمة ثابتة لسياستها في اليمن منذ بداية الحرب في مارس 2015م، في أبريل 2015، كانت روسيا الدولة الوحيدة في مجلس الأمن الدولي التي امتنعت عن القرار 2216، الذي دعا إلى حظر الأسلحة ضد الحوثيين وفرض حظر السفر على زعيم الحركة عبدالملك الحوثي، وفي حين قامت روسيا في نهاية المطاف بإزالة موظفيها الدبلوماسيين من صنعاء في ديسمبر 2017 لإثبات معارضتهم لتورط الحوثي في ​​اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فقد واصلت موسكو معارضتها لحملة التحالف الذي تقوده السعودية من أجل قهر الحوثيين عسكريًا.

على الرغم من أن روسيا تحذر عادة من الفصائل السياسية التي تستولي على السلطة عبر وسائل خارجة عن القانون، إلا أن موسكو تعتقد أن التواصل الدبلوماسي مع الحوثيين ممكن بسبب تاريخهم في التسوية السياسية. قال «مارب الورد» وهو صحفي يمني بارز: «إن هدنة 2009 مع السعودية ووقف إطلاق النار المؤقت في عام 2016 كانا دليلاً على أن الحوثيين يمكنهم الدخول في حوار فعال نظراً للحوافز المناسبة، وبينما يسيطر المتشددون الذين يحيطون بالحوثي على الأنشطة العسكرية للحركة، أشار الورد إلى أن شخصيات بارزة أخرى في القيادة مثل محمد عبدالسلام شاركت في حوار مباشر مع السعودية».

وهذه التقسيمات غير رسمية داخل حركة الحوثي. أقنعت روسيا لمحاكاة إستراتيجية تنفيذه في أفغانستان، حيث سعت موسكو للتعامل مع عناصر طالبان «المعتدلين» الذين يرغبون في التوصل إلى تسوية سياسية، في 26 أكتوبر، التقى نائب وزير الخارجية الروسي «ميخائيل بوغدانوف» مع وفد من الحوثيين بقيادة محمد عبدالسلام لمناقشة تسوية سلمية محتملة في اليمن.
بعد لقائه بوغدانوف فترة وجيزة، تحدث عبد الملك العرجي، وهو عضو في المكتب السياسي الحوثي، إلى وكالة سبوتنيك الروسية وذكر دعمه لروسيا أن تصبح مكانًا لإجراء محادثات سلام داخل اليمن.

كان الرد التوفيقي الذي قام به وفد الحوثي في ​​موسكو من أجل مفاوضات سلام شاملة مثيرًا للاهتمام، حيث أنه حدث بعد أسابيع فقط من رفض الحوثيين حضور محادثات جنيف المجهضة، في حين أن تكثيف الضربات الجوية السعودية في الحديدة قد أثر دون شك على هذا التغيير في المنظور، فإن قبول وفد الحوثي للضغط الدبلوماسي الروسي يعكس تطلعات المنظمة التي طال أمدها للحصول على الدعم الروسي. بدأت مغازلة الحركة الحوثية في روسيا في فبراير 2015، عندما طلب دبلوماسيون من الحوثي من روسيا قبول شرعية حكمهم على اليمن في مقابل عقد صفقات في قطاع الطاقة في اليمن.

على الرغم من أن هذه الصفقات التجارية لم تؤت ثمارها إلا أن الحوثيين كثفوا وصولهم الدبلوماسي إلى روسيا مرة أخرى في أغسطس 2016 عندما أشاد القائم بالأعمال الروسية في صنعاء «أوليغ دريموف» بتشكيل ائتلاف المجلس الأعلى السياسي بين صالح والحوثيين، وتم توضيح هذا التصريح بسرعة من قِبل المسؤولين الروس، الذين أعربوا عن دعمهم للحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة، وعلى الرغم من هذا التراجع، فإن وصف صالح لروسيا باعتبارها «أقرب الأقرباء» للحوثيين كشف عن النوايا الحسنة تجاه روسيا التي بقيت في صنعاء.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» وصف الحوثيين بأنهم «حركة متطرفة» بعد وفاة صالح، فإن الانخراط الحوثي مع موسكو في حل النزاع في اليمن ربما يكون قد أدى أخيرًا إلى تحقيق اختراق ملموس في النصف الثاني من عام 2018، وفي يوليو دعا المجلس السياسي الأعلى في اليمن، مهدي المشاط، روسيا إلى التدخل نيابة عن الحوثيين في الحديدة، وكتب رسالة إلى الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، وزعمت الرسالة أن الأنشطة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في الحديدة تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وسيادة اليمن.

على الرغم من أن رسالة المشاط إلى بوتين لم تسفر عن تدخل عسكري روسي في اليمن، إلا أن عبدالسلام محمد، مدير مركز أبعاد للدراسات، قال: «إن روسيا قامت في وقت لاحق بالضغط على الحوثيين للدخول في محادثات سلام متعددة الأطراف والكف عن القبض على السجناء السياسيين وتعذيبهم».
ووفقاً لمحمد، فإن التأخير المبدئي في وصول روسيا إلى الحوثيين بعد خطاب «المشاط» كان مجرد نتيجة لرغبة موسكو في تجنب التوتر مع السعودية، في الوقت الذي سعت فيه إلى تأمين صفقات تجارية مربحة مع المملكة.

في حين أن الدور الدقيق لروسيا في تشجيع الحوثيين على القدوم إلى طاولة المفاوضات في ستوكهولم غير واضح، فإن نظرة موسكو إلى الحوثيين تبدو إيجابية، حتى من قبل الفصائل السياسية التي تنتقد بشدة الأنشطة الحوثية العسكرية. عندما سألني السفير اليمني في روسيا، أحمد سالم الوحيشي، عن تساؤله حول إستراتيجية الموازنة الروسية في اليمن، أصر عليّ أن الولاء النهائي لموسكو هو للحكومة اليمنية المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة، حيث يدرك كلا البلدين تكاليف الإرهاب وأخطاره.

قال علي الزامكي، ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني الذي يتخذ من موسكو مقراً له، لموقع «المونيتور»: «إن روسيا لا تملك أي علاقة خاصة بالحوثيين وأن حوار موسكو معهم يهدف إلى تسهيل التسوية السياسية في اليمن».
كما أعرب الزامكي عن دعمه لقرار روسيا باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة في فبراير 2018 يدين إيران بسبب تزويدها بالصواريخ البالستية المزعومة للحوثيين. وقال: إن موسكو اعتبرت بشكل صحيح هذه «المزاعم الكاذبة» كشكل من أشكال «الحرب النفسية» التي تستخدمها قوى خارجية من أجل دفع أهدافها السياسية.

رغم رفض روسيا الاعتراف بشرعية استيلاء الحوثيين على صنعاء عام 2014، فقد انخرطت روسيا مع الحوثيين بنشاط أكبر من أي قوة عظمى أخرى بسبب إيمانها بضرورة التوصل إلى حل سياسي للصراع اليمني، لقد جعل هذا النمط من الحوار الحوثيين يتقبلون مطالب روسيا وأعطوا موسكو دوراً أكثر أهمية في إنهاء الحرب الأهلية اليمنية، مع تصاعد التوترات بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية بسبب الادعاءات المتبادلة بانتهاكات وقف إطلاق النار، يمكن وضع إستراتيجية روسيا الدبلوماسية للوصول إلى الحوثيين مرة أخرى في الأشهر القادمة.

عن صحيفة (أهل مصر)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى