"غيّروا وجه التاريخ": فاراداي.. مخترع المولد الكهربائي

> إعداد/ د. ياسر عمر الهتاري

> ولد في 1791م بقرية صغيرة قرب لندن، كان هو الابن الرابع لأب فقير يعمل حداداً، ولفقر والده ترك المدرسة في بدايتها فاكتفى الوالد بأن يتحصل ابنه على مبادئ القراءة والكتابة والرياضيات فانقطع عن المدرسة وهو لا يزال في الثانية عشر، وعمل بائعاً للصحف ثم في محل لتجليد الكتب فقرأ تقريباً كل الكتب التي كان يتم تجليدها في المحل.
يقول هو عن طفولته إن أمه كانت تخبز له رغيفا كان هو غذاؤه الأساسي لمدة أسبوع كامل، فأصبح هذا الطفل الفقير الجائع واحداً من أعظم علماء الفيزياء التجريبية وأول من صنع الموتور الكهربائي، إنه الإنجليزي مايكل فاراداي.

وعلى الرغم من أن مدرسيه كانوا قد شكوا لوالده من تخلفه دراسياً إلا أنه كان محباً للفيزياء وشغوفاً بها، إلا أن والديه كانا مؤمنين بنبوغ ابنهما وتميزه بطريقة تفكيره، حيث كانا يلاحظان فيه الدقة والترتيب منذ صغره إضافة إلى عدم سؤاله عن أي شيء تقريبا، فحين كان يريد أن يعرف شيئاً كان يلجأ إلى التجريب مباشرة، فبدأ فاراداي عملية التعلم الذاتي بعد خروجه من المدرسة، ولم يرتق سلم النجاح خطوة خطوة كما هي الحال عند غالب العلماء، إنما بدأ حياته العلمية بقوة حيث كان أول اختراع له الدينامو الكهربائي الذي دخل به التاريخ، مستفيداً في ذلك من العالم (أورستد) الذي وضع ملاحظة بسيطة بين فيها بأن إبرة البوصلة تنحرف إذا ما مر بالقرب منها تيار كهربائي، واعتماداً على هذه الملاحظة البسيطة صنع فاراداي أول موتور في التاريخ، وعلى الرغم من أن المولدات الكهربائية الحديثة تختلف عن مولد فاراداي كثيراً إلا أنه لم يكن لها أن توجد دون تصميم النموذج الأول لدينامو فاراداي.

من طفل فقير جائع إلى واحد من أعظم علماء العالم

وعلى الرغم من أن المعلومات الرياضية كانت تنقصه، إلا أنه كان أفضل من عمل في مجال الفيزياء التجريبية ولم يتفوق عليه أحد في هذا المجال، فهو أكثر من عمل وجرب في مجال الكهربائية والمغناطيسية، وكتب فاراداي مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث لكن لا يظهر في هذه الأعمال إلا القليل جدا من المعادلات الرياضية، وذلك يفسره بعض العلماء المؤرخين بأن فاراداي لم يكن أكاديمياً جامعياً بحتا، فهو حتى لم يدرس الابتدائية، بل إنه كان إنسانا عصاميا علم نفسه بنفسه بواسطة القراءة والتجريب، وبالتالي كان عاجزاً عن التعبير عن أفكاره بمعادلات رياضية معقدة، ولهذا كان يستبدلها بالرسومات ليوضح فكرته وبالتجريب للتحقق منها، ولهذا برع فاراداي في الفيزياء التجريبية لأنه لم يكن أمامه سوى التجريب والمحاولة والخطأ للحصول على النتائج، حتى إن بعض هذه التجارب انطوت على مخاطر كبيرة عرضت حياته للخطر عدة مرات، خاصة وأن تجاربه كانت في مجال الكهرباء، وظلت نتائج تجاربه غير معروفة وغير مصاغة رياضيا إلى أن قام العالم (ماكسويل) بوضع أفكار فاراداي في صيغ رياضية محكمة لا تزال مستخدمة حتى الآن أشهرها هي ما يُعرف بـ (قانون فاراداي).

وفي سنة 1821 وبعد أن اكتشف الفيزيائي والكيميائي (هانز كريستين أورستد) ظاهرة الكهرومغنطيسية، حاول العالم (دافي) والعالم البريطاني (هيول ولستون) تصميم موتور كهربي اعتماداً على هذه الفكرة ولكنهما فشلا بعد الكثير من الوقت والجهد وتقريباً توقفا عن التفكير في اختراع المولد الكهربائي، فقام فارادي بمناقشة المشكلة مع العالمين وحاول هو تصميم نموذج للمولد الكهربائي وجرب العديد من الطرق إلى أن اهتدى إلى فكرة دمج جهازين في جهاز واحد وتمكن من تصميم النموذج الأول للمولد الكهربائي.

تفوق فاراداي على العديد من علماء الفيزياء الآخرين وتجاوزهم بمراحل، وترقى من مساعد مختبر إلى رئيس المختبر ثم مديراً للمؤسسة الملكية العلمية كلها، ثم أصبح بروفيسورا في الكيمياء عام 1828 بعد حصوله على جائرة فوللر، هذا بالطبع إلى جانب نبوغه في الفيزياء.
فاراداي كان أول أستاذ للكيمياء في المعهد الملكي في بريطانيا وهو منصب عين له مدى الحياة، وهو بذلك كله، ويا للعجب!، لم يدرس حتى الابتدائية.

كان يتمتع بأخلاق ومبادئ صارمة فيما يختص باستخدام الاكتشافات والاختراعات العلمية، فعندما طلبت منه الحكومة البريطانية المشورة  والنصيحة لتصنيع الأسلحة الكيميائية لاستخدامها في حرب كريميان (1853-1856) رفض ذلك لأسباب أخلاقية منعته من تكريس علمه لغير صالح البشرية.
ولأن فاراداي قد منعه فقره من الحصول على تعليم نظامي، فقد خصص مساء يوم الجمعة من كل أسبوع لعمل محاضرات علمية لتعليم الفقراء، كما حرص على تقديم محاضرات علمية للأطفال خلال فترات تفرغهم من التعليم المدرسي ليرتقي بمعارفهم ومداركهم العلمية، وربما كان ذلك إحساساً منه بأن المدرسين قد لا يفهمون الطلاب النوابغ كما كان الحال معه.
جانب من مختبر فاراداي
جانب من مختبر فاراداي
السيدة سارة برنارد، الحب الأول والأوحد في حياةفاراداي، سيدة تأقلمت بشدة مع عبقريته وسماته الشخصية وانشغاله الدائم بالبحث العلمي، ولكنها بعبقرية الأنثى المحبة لزوجها تمكنت من إحداث التوازن بين حياة فاراداي العلمية والشخصية، كان زواجهما في 1821، ودام هذا الزواج حتى وفاتهما دون إنجاب، وكان فاراداي دائم الذكر لاسم سارة أمام الجميع، ودائماً ما يعلن كفاحها معه في حياته الصعبة، وحين بلغ مايكل فراداي مرحلة الشيخوخة لم يتوقف عن عمله، لكن حالته الصحية بدأت بالاستياء وضعف بصره فتوقف عن رسم المخططات، لكنه لم يتوقف عن إلقاء المحاضرات، وبسبب معاناته من النسيان لاحقاً توقف أيضاً عن إلقاء المحاضرات، وتوفي مايكل عام 1867 عن عمر يناهز 75 عامًا، لكن اسمه تم وضعه على أكبر مراكز الأبحاث في أمريكا وأوروبا تكريماً له، ووضع اسمه على وحدة قياس المكثفات (فاراد) ووحدة قياس ثابت (فاراداي).

اكتشف فاراداي أيضاً البنزين وصمم آلة لاحتراقه، وكان أول من أطلق لفظة (قطبية) و(أيون) وكان أول من أثبت بأن للذرة شحنات سالبة وموجبة بعد أن كان الاعتقاد السائد هو أنها جسم صم فقط، ويصعب تحديد إنجازات مايكل فاراداي العلمية في ابتكاره أول مولد كهربي فقط، ولكن من الصعب أيضاً ألا نعتبره أهم إنجازاته، فالثورة الصناعية والتكنولوجية التي نعيشها اليوم، الفضل الأول فيها يعود إلى مايكل فاراداي مصمم أولمولد كهربائي تعرفه البشرية، فكان بأعماله واحداً ممن غيروا وجه التاريخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى