بين إنقاذ الحوثيين وإنقاذ اتفاق السويد.. الأمم المتحدة تتخبط

> محمود الطاهر

>
في الـ 5 من شهر نوفمبر 2019، وصل الجنرال الدنماركي المتقاعد مايكل أنكر لوليسغارد إلى محافظة الحديدة غربي اليمن لاستلام مهمة رئاسة لجنة الرقابة الدولية للإشراف على وقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاقية ستوكهولم، التي وقعتها الحكومة اليمنية مع المليشيات الحوثية الموالية لإيران، في الـ 13 من شهر ديسمبر 2018 برعاية الأمم المتحدة.

لوليسغارد يُعد الرجل الثاني بعد الجنرال الهولندي باتريك كومارت، الذي فشل في تنفيذ القرار الأممي 2451 والقرار اللاحق له 2452 اللذين يدعوان إلى تسليم الحوثيين موانئ الحديدة وإعادة الانتشار لقوات الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية، نتيجة لتعنت الحوثيين ورفضهم لتنفيذ أي بند من بنود الاتفاقية علاوة على عدم الالتزام بوقف إطلاق النار.

ووفقًا لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، فإن المليشيات الحوثية، ارتكبت نحو 1000 خرق للهدنة، منذ 13 من ديسمبر 2018، إضافة إلى استهداف الأحياء السكنية في مدينة الحديدة وقراها (الخوخة والدريهمي والجبلية وحيس والتحيتا والجاح والفازة والقرية الساحلية) ومخيمات النازحين، وقتلت 51 من المدنيين وأصابت 370 آخرين غالبيتهم من الأطفال والنساء، جراح عدد منهم خطيرة.

فريق الرقابة الأممي ذاته لم يسلم من خروقات المليشيات الحوثية، إذ تعرض للهجوم مرتين، أشهرها إطلاق الحوثيين النار على موكب الجنرال «كومارت» وإصابة سيارته في أثناء توجهه لمناطق سيطرة المقاومة الوطنية المشتركة، ومنع ضباط الارتباط والفريق الهندسي خلال محاولتهم تأمين الطريق ورفع الألغام من مطاحن البحر الأحمر.

وهو ما يعني أن المليشيات الحوثية لم تلتزم بالاتفاق، وغير مستعدة لأن تنسحب من موانئ الحديدة سلمًا دون حرب، ما لم يستطع الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، رئيس لجنة الرقابة الأممية، إقناعها بتنفيذ بنود الاتفاقية، وإن كان ذلك لا يوجد في أبجديات الحوثي التي ترى أن التنازل عن شبر من محافظة الحديدة هزيمة وانكسار لها.

مهمة صعبة
مهمة لوليسغارد تبدو صعبة مقارنة بتلك الصعوبة التي واجهها سلفه باتريك كومارت، الذي ظل يقنع المليشيات الحوثية حتى آخر يوم من عمله كرئيس للجنة الرقابة الدولية لتنفيذ اتفاقية السويد، وتفاجأ بشروط جديدة وضعتها المليشيات الحوثية كشروط تعجيزية لتنفيذ الاتفاقية.

الشروط الجديدة، التي أصرت المليشيات الحوثية عليها، هي ضرورة انسحاب المقاومة الوطنية والأسلحة الثقيلة إلى مسافة 50 كيلو متر بهدف إبعاد قوات الشرعية عن مدينة وموانئ الحديدة التي تريد أن تبقى تحت سيطرة مسلحيها الذين ارتدوا اللباس الرسمي لقوات خفر السواحل وقوات الأمن والشرطة.

إذاً قدمت المليشيات «خطة جديدة» في آخر اجتماع عقده باتريك كومارت في سفينة استأجرتها الأمم المتحدة، مغايرة تمامًا عن اتفاق السويد، وهي انسحاب مقاتلي الحكومة اليمنية إلى مسافة 30 كيلو متر، وسحب الأسلحة الثقيلة إلى حدود 50 كيلو متر، وتسليم المدينة لقوات أمنية «مليشيات حوثية»، بمعنى أن يتم الانسحاب الكامل للمقاومة الوطنية المشتركة من الحديدة والعودة إلى ما بعد حيس.

وقُوبل ذلك برفض قاطع من باتريك كومارت ووفد الحكومة اليمنية، على اعتبار أن ذلك قفزٌ على اتفاقية السويد، وهو ما يعني أن ينتقل هذا الملف بصعوبته إلى لوليسغارد، الذي يتوقع أن يفشل هو الآخر بإقناع الحوثيين بتنفيذ بنود الاتفاق وفقًا لما جاء في بنوده الموقعة بالسويد برعاية الأمم المتحدة.

يتضح من خلال وضع المليشيات الحوثية لمقترح جديد وإضافي مع قدوم رئيس لجنة رقابية دولية جديد، أنها تمهد لتصفير اتفاق الحديدة وطيّ التفاهمات التي جرت خلال فترة رئاسة كومارت، من أبرزها تنفيذ اتفاق الحديدة على مرحلتين، تبدأ بانسحاب الميليشيا من الموانئ الثلاثة، حيث يحاول الحوثي الترويج لعملية دمج المراحل والقفز على استحقاقات أساسية مطلوب من الميليشيا تنفيذها.

وكان باتريك كومارت قد وضع خطة لتنفيذ اتفاق السويد بشأن الحديدة تتضمن تنفيذ عملية إعادة الانتشار على مرحلتين، في المرحلة الأولى يتم الانسحاب من الموانئ والممرات الإنسانية، وفي المرحلة الثانية يتم إخلاء المدينة ومحيطها من القوات والألغام، ووافقت عليها الحكومة اليمنية وسط تلكؤ حوثي الذي جاء بخطة أخرى بعيدة عن الاتفاق الذي تم في السويد برعاية الأمم المتحدة.

من المتوقع أن تعيد المليشيات الحوثية طرح العراقيل أمام لوليسغارد، واعتبار الرؤى التي طرحها كومارت خارج التفاهمات المقبلة، ما يعني محاولة القفز على اتفاق السويد والإخلال بالجدول الزمني والمرحلي، وذلك سيلقى معارضة حكومية وقد تعلن صراحة فشل اتفاق السويد وانتهاء الهدنة التي لم يحترمها الحوثي.

الموقف الأممي
يبدو أن الموقف الأممي حتى هذه اللحظة يعمل على تدليل الحوثيين ومنحهم الوقت الكافي من أجل نفاد كل حيلهم، لكن ذلك قد لا يطول كثيرًا، إذ لوّح مجلس الأمن الدولي باتخاذ مزيد من الإجراءات وفق الضرورة لدعم الحل السياسي في اليمن، داعيًا إلى التطبيق الكامل لاتفاق السويد بخصوص الحديدة.

ودعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية إلى العمل بشكل عاجل مع رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة، من أجل تطبيق خطة إعادة الانتشار المتبادل للقوات من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى دون مزيد من التأخير.

كما دعا الأطراف إلى أن تضمن في المناطق التي تسيطر عليها، خاصة الحوثيين في الموانئ الثلاثة، أمن وسلامة أفراد بعثة الأمم المتحدة، وأن تيسّر التنقل السريع ودون عوائق للأفراد والمعدات والإمدادات الأساسية، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2452، خاصة الأمور المطلوبة لإنشاء بعثة الأمم المتحدة وبدء عملياتها ومواصلتها.

وحتى صدور بيان الأمم المتحدة الأخير ودعوته لطرفي الصراع إلى العمل بشكل عاجل لتطبيق خطة إعادة الانتشار، يتعامل الحوثيون معها بلا مبالاة، ويعتقدون أنهم الحكومة الشرعية، ويطالبون قوات الحكومة اليمنية بتسليم المناطق المحررة لقوات أمنية موالية للحوثيين ليس لها علاقة بوزارة الداخلية التابعة للحكومة الشرعية.

لكن الصوت الناعم، الذي يتحدث به مجلس الأمن الدول، قد يغدو غليظًا ما لم يلتزم الحوثيون بتفاهمات السويد وبنود اتفاق الحديدة، لكن ذلك لم يتحقق في الوقت المراد به إلا عندما تتحرك الحكومة اليمنية، وتطالب بوقت زمني محدد لإلزام المليشيات الحوثية بتسليم موانئ الحديدة وإعادة انتشار قواتها خارج المدينة.

في حال إن طالبت الحكومة اليمنية بحزم وحددت موعدًا زمنيًا واعتبرته مهلة للأمم المتحدة بإلزام الحوثيين على الالتزام بالقرارات الأممية فيما يخص اليمن منذ 2015، قد نرى تحركًا دوليًا للضغط على المليشيات الحوثية لتنفيذ هذه القرارات، لكنهم قد يستمرون بالمراوغة وهو ما قد يجعل الأمم المتحدة تتخذ خيارات وفقًا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

إذ تقول المادة 40 من الفصل السابع: «منعًا لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريًا أو مستحسنًا من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه»، وهذا ما طبق في اتفاقية السويد، إذا يعتبر الانسحاب الحوثي من الحديدة يتزامن مع انسحاب القوات الحكومية أيضًا إلى مناطق حددتها اللجنة المشتركة برئاسة الجنرال الهولندي المستقيل باتريك كومارت، لا تخل بحق المليشيات الحوثية ولا الحكومة.

ستأتي المرحلة التالية، وهي تفعيل المادة 41 التي تقول: «لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف المواصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفًا جزئيًا أو كليًا وقطع العلاقات الدبلوماسية»، وهذا ما قد يتم اتخاذه خلال الأشهر القادمة.

ثم ستكون المرحلة الأخيرة وهي الحسم العسكري بتأييد دولي، وفقًا للمادة 42 التي تجيز للأمم المتحدة أن تتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه.
تحاول الأمم المتحدة جاهدة إنقاذ الحوثيين أو إنقاذ اتفاقية السويد بأي وسيلة ما، وإن كانت على حساب الحكومة اليمنية وإيجاد شرعية دولية للمليشيات الحوثية، ويجب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا بذل المزيد من اليقظة والتعامل مع الموقف الدولي بما يتناسب مع حجم مسؤوليتها تجاه الشعب اليمني، الذي يعلق عليها كل الآمال في إنقاذ هويته وإسلامه ووطنه من مليشيات دخيلة تسعى لطمس الهوية اليمنية الإسلامية وإخراجها من محيطها العربي.
عن «نون بوست»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى