فبراير.. من زخم ثوري يقوده الشباب إلى موجة هزيلة يحركها شيخ قبلي

فبراير.. من زخم ثوري يقوده الشباب إلى موجة هزيلة يحركها شيخ قبلي

> آدم أمير المزحاني

>
في كل سنة وفي كل ذكرى تتجدد نكبة فبراير، أصبح الحديث عن كذا مناسبة «مأساوية» كابوسًا مرعبًا يلزمنا حد الإغماء، أصبحتُ وغيري لا يطيق الإسهاب المُفرط والحديث عن ثورة كانت عبارة عن خِدعة خذلت كل آمالنا وطموحاتنا التي كُنا نأمل أن نصل إليها.

سأظل متحفظاً برأيي تجاه حدث عبثي شبيه بانتكاسة فبراير؛ لأني أدركتُ جيداً أن الثورة إذا لم تعطَ الحق في الحرية، والحق في الحياة إجمالاً، ما الداعي للاحتفاء بذكراها؟.
تذكروا أيضاً، أن أية ثورة كانت بلا وعي تكون مجرد خطابات مألوفة لثقافة تخاصم العصر، وتحث الجيل على التخاذل والتسويف المقصود تجاه أهدافه.

دعونا من التهريج وتعظيم الحدث، لنكن واقعيين، وبلا مُبالغة، ثورة فبراير اليمن كانت مجرد موجة غضب مصحوبة بحماس شبابي ما إن تم تفريغ كل هذا الكم الهائل من الغضب، أصبحت مجرد حدث عابر لبؤس حقيقي ما زالت لعناته تُلاحقنا إلى يومنا هذا.

كل هذا الواقع المأساوي وما وصلنا إليه من نسف كامل للحياة والوطن معاً هو نتاج لأخطاء الثورة التي لم تكتمل بعد، فالثورة إذا لم تنقل الشعوب من حال أسوأ إلى حال أفضل، تكون فقط مجرد حدث عابر لا ذكرى له.
تذكروا ما قاله فلاديمير لينيين: «إن تعيش الثورة أمر أكثر متعة وإفادة من الكتابة عنها».

الثورة لم تعش، ولم يبق لها أثر حسن حتى نحمل هم الاحتفاء بها والترويج لأهدافها المبتورة باختصار هي سبب لإعادة إنتاج الفساد والفاسدين من جديد، ولكن بوجوه غير مألوفة.
نوعاً ما، وفي بداية انطلاقها قد تكون أحدثت رعباً في رموز النظام آنذاك، وجعلت بعض أركانه يتساقطون ويتنصلون من الانتماء له خوفاً من المحاسبة القانونية في حال لو كانت الثورة نجحت، لكن الثورة لم تنجح بتحقيق أهدافها، ظلت مجرد شعارات وهمية يتم الترويج لها من قِبل بعض الذين استفادوا منها بمنصب، أو بفرصة عبور إلى حيث كانوا يأملون وهم في حالتهم التقشفية.

حدث «فبراير» ربما كان حليفه النجاح والتغيير المأمول في حال واستمرت فيه روح الهمة الشبابية والعمل والكفاح من أجل التغيير الحقيقي الذي ينشده الجميع، وأولهم طبقة المستضعفين والكادحين؛ الذين كانوا عُرضة للفقر والجهل والتخلف والمرض في عهد النظام السابق وأتباعه الحاليون، الذين هم اليوم شركاء في تقاسم المناصب، والترف مع أطراف الصراع الحقيقي في الداخل والخارج.

حتى أكون منصفًا بطرحي، فسأعطي قولاً عابراً لمن هم رموز حقيقية لمعنى التغيير والكفاح الثوري نبدأ من أقوال تشي جيفارا حين أطلق أقواله المشهورة: «الثورة يصنعها الشرفاء، ويرثها ويستغلها الأوغاد».
«لا تحمل الثورة في الشفاء ليثرثر عنها، بل في القلوب من أجل الشهادة من أجلها».

تأملوا معي الكتابة عن الأشياء، أو بالأصح عن الأهداف التي لم تتحقق بعد، يصبح ترويجاً أمثل لتعزيز الأفكار المغلوطة في عقول الأجيال علينا أن نكاشف عن الأخطاء التي خلفتها ثورة ناقصة مثل ثورة فبراير، وإن كان هناك من يحاول تقديم نقده وخطاباته بصيغة الفكر الثوري الخالص هذا لا يهمنا وليس منه جدوى، نحن سقمنا من الفلسفات والنقد، نحتاج لأشياء جديدة تخلصنا من هذا العبث الحاصل وتراكماته التي طالت قوت العامة، وجعلت الحياة أكثر تعقيداً في كل جوانبها الاقتصادية والثقافية والعلمية والصحية.

حديث الثورة والتضحيات ومبادئ العدل والمساواة الاجتماعية أصبحت لهجة العاجزين عن تحقيق الهدف وحديث مفرغ تماماً من المضمون، فلا داعي لمزيد من المزايدة التي سقمنا منها.

أحداث فبراير اليمن في 2011 كانت مجرد انتفاضة وهبة جماهيرية، لإسقاط نظام كان مثقل بالفساد والجرائم - حسب حديث الكثير- الخطأ الأكبر الذي ارتكبته تلك الثورة أنها لم تضع لها خارطة ثورية واضحة الرؤى، ومحددة الأهداف تضيف عليها الصبغة الثورية وصياغتها، بل صنعت لها، وعبر من اعتمد عليهم في إدارة أحداثه والسيطرة على فعالياته مجموعات مارقة هي بالأصل نتاج النظام الذي قامت ضده، ومن الوجوه التي شاركت في صناعة المأساة للشعب اليمني في مراحله السابقة والحالية.

النظرية الثورية في طابع أحداث فبراير لم تكن موجودة، ولم يتوافق على صياغتها أحد من الذين برزت أسماؤهم في الساحة، البعض منهم اتخذوا من الثورة هدف لاقتناص الفرص وتحقيق الرغائب، وهذا ما برهنته المرحلة وكشفته للجميع بعد وقوع الحرب والنزوح والتهجير.

نستطيع القول: إننا عايشنا ثورة غضب انتهت بظهور طرف قوي استطاع أن يستحوذ على النصيب الأكبر من أحقية الحكم كما يدعون أنصاره، ويقضي على بقايا نظام تجذر في الأرض والشعب لحقبة طويلة من الزمن.

اليوم علينا أن نقلل من نقاشاتنا الثورية ونبحث عن حُماة سواعد لإعادة إنتاجها وتصديرها للمجتمع بمقام أقدس وأعظم مما كان في تلك الفترة، علينا أن ننظر لمتطلبات الجيل وأهدافه، ونترك المكابرة في الحديث وجدليته، كل هذا التشعب في هزلية الخطابات أظن بأنها غير مُجديه لتشفع لنا بآمال فبراير وأمجاده، حديثنا عنها مجرد وقوف على أطلال خاوية لا فائدة منها سواء كسب حنيناً مفرطاً وشوقاً لأيامها الخوالي الأولية التي استشعرنا ونحن في أوج حماسها آنذاك بأننا في حدث عظيم، حتى أتت مرحلة الخذلان، وجعلتنا نغيّر نظرتنا من نظرة شمولية إلى نظرة دونية بحتة.

كما يقال: أحداث فبراير، وبالذات11 فبراير هي كانت ثورة شباب ضد نظام سابق إلى أن جاءت أحداث 21 سبتمبر على إعادة صنع تحالف مع نظام قيل إنه أسقط لتمهد الطريق للبدء في تنفيذ مخططاتها بالصورة والشكل الذي تراه مناسباً لتنال في آخر المطاف مُبتغى ما تريده بالقضاء على بقايا نظام حكم من رحل، وتعوض ما عانيته من ظلم ومجاعة في عهد حكمه وتنصف لمظلوميتها من الحروب الست التي خاضتها مع ذلك النظام الذي رحل وبلا رجعة.

الثورة في بداية الحال تمرد على كل أشكال، الفوضوية والعدمية الحاصلة والضيم داخل المجتمعات، ونجاح الثورة يتوقف على إدراكها للظروف التي تواجهها وقدرتها على الحركة السريعة، وينحرف مسارها حينما تدخل عليها قوى الرأسمالية والقبيلة، فتتحول من زخم ثوري يقوده الشباب إلى حركة وموجة غضب هزيلة يحركها شيخ أو مسؤول نافذ، جعلها مفراً له ولحاشيته من المُساءلة القانونية التي قد تضر بمصالحه وتحاسبه على ما اقترفه من فساد إداري في سنوات حكمه، وهذا ما حدث بالفعل في ثورة فبراير اليمن حين دخلت وانضمت قوى ذات نفوذ سلطوي برجوازي حين استشعرت بأن الثورة إذا ظل قرارها بيد الشباب سينعكس سلباً عليها، فتوجهت بإعلان الانشقاق من نظام الحكم آنذاك، تاركة فسادها المثقل بعيداً عن المُحاسبة المُحتملة في حال ونالت النجاح ثورة الشباب.
ختاماً أكثر ما ضر الثورة وجعلها مُنحرفة المسار هو مُمارسة الانتهازيين من داخل الصف الثوري، والترحيب المُخزي من قبلهم بانضمام مُجموعات أشخاص أرُستقراطيين، وقبلية مثقلة بالفساد وتراكماته، حاجة الثوار للقوة والحماية جعلتهم يخطئون في التفكير والاقتراح حين ذهبوا للارتماء لأصحاب النفوذ والقبيلة لحمايتهم وحماية الساحات من مضايقة النظام وبطشه، وبفعل هؤلاء المستجدين - أقصد النافذين والهاربين من حضن النظام إلى حضن الثورة- الذين جعلوا الثورة عُرضة للفشل الذريع والإخفاق في تحقيق أدنى الأهداف التي كانت أمل أغلب اليمنيين الذين قدموا تضحيات في بداية انطلاقها، وحتى آخر أيامها، وصولاً للانتكاسة والتفريط بمبادئها.
عن «ساسة بوست»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى