بوصلة السلطة في اليمن تشير إلى خمسة اتجاهات

> د. مروان هائل عبدالمولى

>
​الجمهورية اليمنية واحدة من أكثر الدول غير المستقرة على الخريطة السياسية للشرق الأوسط، وقد كشفت مرحلة الربيع العربي عن الأزمات الحقيقية المخفية وعن المشاكل الهائلة التي تم تجاهلها أو تأجيلها لفترة طويلة من قبل قيادتها ونخبها، فهناك تعدد للقوى السياسية والقبلية المتصارعة على السلطة وخلافات مذهبية واقتصاد محطم وثروات تنهب وتدخل عسكري وحضور لافت للهياكل الإرهابية، وهذه قائمة صغيرة بالمشاكل التي تميز الحالة الراهنة التي تقع فيها الجمهورية اليمنية.

اتسم الشمال دائمًا بتعزيز البناء القبلي وضعف مؤسسات الدولة، على عكس الجنوب حيث الحالة  كانت ذات طبيعة معاكسة تماما، وهذا النوع من الصلابة القبلية في الشمال هو ما يفسر تفوقه على الجنوب عسكريًا خلال حروب ما بعد الوحدة، ولكن هذه الصلابة تهاوت أمام الجنوبيين في الحرب الأخيرة، التي سبقتها  المبادرة الخليجية، والتي كانت في بدايتها السبيل الوحيد الممكن لحل الأزمة السياسية في اليمن، لكن اليوم أصبحت منفصلة عن الواقع، والسبب تعدد الانتماءات السياسية والقبلية والمذهبية وحتى المناطقية، فالحوثي ضرب بكل القيم الإنسانية عرض الحائط يلبس ثوب الضحية ويمارس إرهاب دولة، وحضوره لمؤتمرات السلام هو للدعاية لوجوده كسلطة أمر واقع في صنعاء وللمناورة من أجل التقاط الأنفاس، والسلطة الشرعية اليمنية، التي ولدت في أجواء استثنائية ومن أعماق الأزمة اليمنية لا تزال تنام في العسل وسلطتها تتلاشى تدريجيا وبالذات في الجنوب، ودورها السياسي على المستوى المحلي والإقليمي غير مرئي وغير مسموع يقترب من درجة السراب، بينما بعض من ممثليها تكبر أرصدتهم البنكية وأملاكهم الشخصية داخليا وخارجياً، أما المجلس الانتقالي الذي تشكل من أبناء الجنوب ومن صلب رجال المقاومة الجنوبية السلمية والمسلحة فهو يحظى بحضور قوي داخلياً وخارجياً وأصبح الرقم الأهم في معادلة التمثيل السياسي والشعبي للجنوب وأهله.

في الوقت الراهن تخضع الجمهورية اليمنية لخمس سلطات حاكمة ثلاث منها محلية والرابعة إقليمية والخامسة دولية تتمثل في قوى عظمى، السلطة الأولى في صنعاء يديرها الحوثي وأتباعه، والثانية والثالثة مقسمة بين سلطة فنادق الرياض المسماة بالشرعية بالاشتراك مع إخوان اليمن وبين المجلس الانتقالي صاحب اليد الطولى على أغلب مناطق الجنوب، بسبب عدم تجانس القوى الممثلة في الساحة الجنوبية وتفريخ بعضها، ولكن مع حضور وتأثير لافت للانتقالي في الجنوب الممتد حتى الساحل الغربي والحديدة، أما السلطة الرابعة في اليمن فتتمثل في الإمارات والسعودية، كونهما رأس التحالف العربي ومراكز قوى مالية وعسكرية وضعت نفسها بوضوح في الحرب اليمنية لوقف الزحف الإيراني ودعم الجنوبيين الذين عارضوا وقاوموا التمدد الحوثي وحطموا حلم إيران في السيطرة على اليمن وممراته المائية الإستراتيجية، كما أن دعم الجنوب جاء بسبب ما يمثله الشمال الحوثي من خطر على المملكة ودول الخليج، بسبب ارتباطه بإيران وصراع حدودي مبطن لم يحل بعد حول نجران، أما السلطة الخامسة فهي أيادي دول كبرى لها مصالح ضخمة متقاطعة في اليمن، والركود الغريب للمعارك واشتعالها على الجبهات اليمنية وخاصة في الحديدة وتناقضات  قرارات مجلس الأمن والفيتوهات الغامضة والتلاعب بتقارير منظمات حقوق الإنسان ولجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية، كلها دليل واضح على وجود سلطة خامسة تدير ملف الأزمة اليمنية من وراء الكواليس الدولية حسب مصالحها.

إن الوضع الراهن في اليمن الواقعي وليس «الميتافيزيقي»  والمتأصل في أذهان معظم المجتمع العالمي يعمل ضد سلطة هادي بسبب تأثير حركة الإخوان اليمنية على قراراته، كما يعتبرونه أطول رئيس في المنفى، ولا يسيطر على الوضع مباشرة في اليمن ويدير سلطة محصلتها صفر لبلد لا يزال لديه دستور عام 1991، نسي وجوده الكثير خاصة بعد أحداث «الربيع العربي»، ناهيك عن الجنوب الذي أصبح مستقلا كأمر واقع وأصبحت دول العالم تدعو رسميا رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي لزيارتها، وهذا ليس سوى اعتراف ضمني لإعلان مؤجل لعودة الجنوب كدولة مستقلة، بينما تدير هذه الدول ظهرها للرئيس هادي المقيم في الرياض، الذي يظل تأثيره في اليمن محسوبًا في كسور من النسبة المئوية.

  ومع هذا الوضع الصعب والاتجاهات الأصعب هناك نهار ليس ببعيد ستشير بوصلة السلطة في اليمن إلى ثلاثة اتجاهات فقط، واحدة في الشمال وأخرى في الجنوب وثالثة إقليمية دولية مشتركة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى