مناطق سيطرة الشرعية.. صدام عسكري لتمزيق الممزق

> صلاح السقلدي

> الأحداث الدراماتيكية المتسارعة التي تجري هذه الأيام باليمن والمتمثلة بالاشتباكات العسكرية داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة التحالف ـ السعودية الإمارات - والسلطة اليمنية المسماة بالشرعية، جديرة بأن نقف إزاءها لخطورتها ولاستشراف القادم باليمن شمالا وجنوبا، خصوصاً وأن هذه الاشتباكات تطاول منذ أيام ولأول مرة وبشكل دامي عاصمة ومحافظة "مأرب" الغنية بالنفط والغاز والخاضعة لإحدى الأطراف اليمنية الموالية للتحالف "حزب الإصلاح" إخوان اليمن، والتي (الاشتباكات) خلفت العشرات من القتلى والجرحى ليس بين طرفي الصراع الرئيسين بهذه الحرب: الحركة الحوثية وخصومها؛ بل بين قوات هذه الحزب وقبليين موالون أصلا لهذا الحزب، أو بالأحرى كانوا إلى قبل هذه الاشتباكات موالون له.

ففي الوقت الذي تضيف هذه التطورات دليلا على تعثر التحالف بحربه باليمن وانفراط العقد من يده، أو بالأصح بات لا يبالي بكهذا وضع موحش ولا يكترث لمآلته على اليمنيين طالما لم يقترب من المواقع الحيوية بالمحافظات التي يستأثر بها هذا التحالف ولا يهدد مصالحه بشكل جِدي، فخطورة هذه الصدامات أنها لم تعد محصورة على طرفي الصراع الرئيسيين؛ بل أضحت داخل جبهة الطرف الموالي للتحالف، أي أننا أمام مرحلة تمزيق الممزق..

علماً أن هذه الاشتباكات الدائرة في مأرب تأتي بعد يومين فقط من الأنباء التي تحدثت عن سحب الإمارات لقواتها وصواريخها الباتريوتية من أهم جبهة قتال ساخنة هي "جبهة صرواح"، لتحل محلها قوات وصواريخ سعودية، في مؤشر جديد على نية الإمارات تقليص قوتها، إن لم نقل سحبها بالكامل، من محافظات الشمال اليمني، وهو تطوير لا يخلو من الخطورة، فمكمن خطورته في أن تُترك الساحة الخاضعة لحلفاء التحالف لفراغ أمني وعسكري لتفترسها، بالتالي الصراعات الحزبية والقبلية وتتفشى فيها الجماعات المسلحة ذات الانتماءات الفكرية المدكرة..

فأبوظبي على ما يبدو قد صرفت نظرها عن التوجه صوب صنعاء، وتكتفي الآن بالاعتماد في محافظة الحُديدة الشمالية الساحلية على قوات هزيلة مرتعشة بقيادة شقيق نجل الرئيس السابق صالح "العميد طارق"، وهي القوات التي خيّبت إلى حدٍ كبير الآمال الإماراتية التي كانت تعلقها عليها لاقتحام مدينة الحُديدة والسيطرة على مينائها الحيوي والتوجه بعد ذلك نحو محافظات ساحلية أخرى على البحر الأحمر (محافظة حجة) ومينائها الهام: "ميناء ميدي" وهو الأمر المتعثّر بوضوح برغم اعتماد الإمارات ليس فقط على قوة شمالية، ولكن على مقاتلين جنوبيين معظمهم من العنصر العقائدي.

وبالعودة إلى اشتباكات مأرب، والتي تعتبر حلقة من سلسلة اشتباكات متواصلة، تشهدها اليمن داخل الجبهة التي من المفترض أنها تعمل تحت راية التحالف والصدامات الدامية التي تدور بين الفينة والأخرى داخل بعض المدن الرئيسية بين الأهالي، فإن هذا ينذر ليس فقط بصراع قوى محلية ولا فقط يشير إلى حقيقة أن اليمن صار ميدانا لصراع وأطماع إقليمية ولا لحقيقة أكثر وأوضح هو ترنح التحالف باليمن؛ بل إن هذا الوضع بات الخطر الحقيقي الداهم بتهديده لحالة السلم الاجتماعي وبيمزقه النسيج الداخلي على المستوى الاجتماعي والسياسي والقبلي داخل المدن والبلدات والقرى، بل على مستوى أحياء المدن وشوارعها، كما هو الحال في بعض أحياء مدينتَي: تعز وعدن، ويصيبها في مقتل في ظل انتشار السلاح بشكل مريع وبأنواعه المختلفة بما فيها المتوسطة وحتى الثقيلة في بعض المحافظات.

وفي حالة غياب أجهزة الدولة وسيادة الفساد والفوضى والفقر على كل مناحي الحياة بالتوازي مع حالة الشحن الجهوي والطائفي والسياسي وتغوّل الفكر المتطرف، وفي ظل تغييب الحل السلمي وتعمد القوى الإقليمية إطالة هذه الحرب إنفاذا للرغبات الأمريكية التي وجدت بها سوقا مزدهرة لأسلحتها المختلفة، هذا علاوة على انعكاس الصراع الأمريكي الإسرائيلي مع إيران على الساحة اليمنية بشكل مخيف، وتسويق واشنطن لأكذوبة محاربة إيران في اليمن، في وقت لا نستبعد فيه أن تدخل اليمن في نفق أكثر ظلاما وقتامة على خلفية الصراع الأمريكي الإسرائيلي الإيراني وبتماهٍ خليجي واضح مع الرغبات الأمريكية الإسرائيلية بالمنطقة، وفي اليمن على وجه الخصوص، فثمة وكالات أنباء عالمية منها وكالة رويترز نقلت يوم الثلاثاء الماضي عن وزير الخارجية الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، قوله إن إسرائيل تستعد لتدخل عسكري محتمل لمواجهة التهديد الحوثي في اليمن والخليج في حال حدوث أي تصعيد في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الخليج.

وهذا مؤشر آخر على أن اليمن مرشح لإقحامه عنوة بخضم الصراع الإقليمي والدولي بالمنطقة أكثر مما هو غارق فيه، مما يعني بالضرورة أن الداخل اليمني شمالا وجنوباً سيكون على موعدٍ من التشظي والتمزق، وأن نسجيه الداخلي سيكون أكثر ضررا وتدميرا فضلا عن تغول النفوذ الإقليمي والدولي بشكل أكثر سفورا، وضياع السيادة والقرار الوطني المختطف أصلا، ناهيك عن تخاطف هذه القوى الخارجية لثرواته ومقدراتها، مع الإشارة إلى أن الجنوب قد يكون أقل ضررا قياسا بالوضع المريع الذي ينتظر الشمال بحكم حاجة السعودية والإمارات للجنوب بموقعه الجغرافي المتميز وثرواته الهائلة، في وقت تعززان فيه نفوذهما العسكري بالفعل، وتستغلان إلى أبعد الحدود الحالة الجنوبية الاستثنائية التي خلفها وضع ما بعد حرب 1994م، وتوظفان القضية الجنوبية خدمة لتمرير نفوذهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مستفيدان من حالة الرفض الشعبي الجنوبي للوحدة مع الطرف الشمالي وعزفهما على وتر الطائفية بوجه المذهب الزيدي بالشمال، وهو التوظيف الذي تستفيد منه الرياض وأبوظبي بشكل واضح قياسا بفتات الوعود السياسية العرقوبية التي يُمنيها التحالف للجنوبيين، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الدور السعودي حيال الجنوب هو أكثر لؤما واستغلالاً لقضية الجنوب وأكثره طمعا بالأرض والثروات، على الأقل مقارنة مع الدور الإماراتي الذي يبدو نوعا ما أقرب إلى تفهم عدالة قضية الجنوب وضرورة معالجتها بطريقة أكثر عدلاً وإنصافا للجنوب ولليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى