لماذا انتصر الجنوب وفشل الشمال؟

> محسن فضل

> لم يكن انتصار المقاومة الجنوبية على غزاة 2015 وليد المرحلة الراهنة أو تحقق بمحض صدفة عابرة؛ إنما هو انتصار له خلفية خاصة ومشوار طويل معبد بالتضحيات الجسمية على مدى عقدين من الزمن منذ غزو 94 الغاشم على الجنوب الذي قتل حلم اليمنيين جنوبا وشمالا وحول الحلم بالنسبة لصانعيه الحقيقيين إلى كابوس ينبغي التخلص منه برفضه ومقاومته بأي شكل من الأشكال.

إن خسارة الجنوبيين برأيي لم تكن في الأرواح والدماء التي هدرت لأن من يمتلك قضية وقرر المضي في طريق النضال في سبيل الدفاع عنها لا يمكن أن ترى في الأرواح والدماء التي سفكت من أجلها خسارة؛ بل نصر يتجسد يوماً بعد يوم حتى اكتمال دائرة الانتصار.
كما أن خسارة الجنوبيين لم تكن أيضاً فيما تعرض له الجنوب - وطنهم - من بسط ونهب واستحواذ من قِبل قوى الغزو؛ وذلك لأن الحقوق في نهاية الأمر ستعود لأصحابها مهما طال الوقت طالما وجد على الأرض من يناضل ويرفض الظلم والهيمنة.

لقد كانت خسارة الجنوبيين الحقيقة هي "خسارتهم لدولتهم" وأيا كانت هذه الدولة التي يرى فيها البعض من أبناء الجنوب نسبة بسيطة من السلبيات إلا أنها كانت نموذجاً لا مثيل له في منطقتنا العربية؛ إذ استطاع المواطن الجنوبي أن يعيش في كنف دولته التي خسرها تحت ظل النظام والقانون والعدالة والخدمات الأساسية المجانية في مرحلة كانت دول المنطقة تفتقر لمثل هذه المفاهيم والأسس لاسيما دولة شمال اليمن التي تنازل الجنوبيون عن كل الجماليات التي كانوا ينعمون بها من أجل الدخول معها في وحدة لم يكن الشماليون وقتها يفقهون شيئاً عن أبجديات الدولة والقانون أي معنى، حيث كانوا ولا يزالون يعيشون تحت سلطة القبيلة قانونها العرف القبلي يرتشفون النظام من كؤوس "المرق"، ويتذوقون العدالة من "لحم" الثيران.

بالوحدة خسر الجنوبيون دولتهم التي تعني في مجملها وطنهم؛ بينما الشماليون ماذا خسروا؟ لا شيء إطلاقا، في نظر أبناء الشمال لا فرق بين الإمامة وجمهورية القبيلة، ولا فرق بين نظام العائلة وسلطة الأمر الواقع الحوثية في وقتنا الحالي؛ وبالتالي لا يوجد شيء جميل خسره أبناء الشمال حتى يتولد لديهم رغبة استعادته والدفاع من أجله؛ بل إن نسبة تسعينية من الشماليين لا يرون أن "الجمهورية" تستحق التضحية من أجلها طالما وهي نسخة مشابهة للإمامة وسلطة السيد.

إذن بدخول الجنوبيين وحدة أفشلها وقتلها الطرف الآخر في شهورها الأولى يكون ذلك قد أوجد لدى أبناء الجنوب قضية محقة وعادلة، وهي الانسحاب من الشراكة واستعادة وطن؛ وعندما كرس الطرف الآخر ممثلاً بنظام الشمال بقيادة صالح والقوى الرجعية الشريكة في التآمر على المشروع الوحدوي هذا الفشل عبر استخدام آلة القتل والدمار في 94 لم يكن أمام الجنوبيين سوى الكفاح والتضحية ومقاومة آلة القمع والتنكيل والإرهاب، وهو ما حدث بالفعل إذ استمر الجنوبيون منذ ذلك الحين يسطرون أروع ملاحم التضحية والنضال من أجل قضيتهم العادلة، وربما لا يعلم الكثير من الشماليين أنه منذ عام 95 وحتى 2011 عام الثورة الشبابية سقط من أبناء الجنوب أكثر من 1000 شهيد على طريق استعادة الدولة وبالتزامن مع 26 مارس 2015، وهو التاريخ الذي أرادت فيه قوى الغزو القادمة من نفس الهضبة تكرار سيناريو 94 المشؤوم بالعودة إلى الجنوب على ظهر الدبابة والمدفع ظناً منها أن الغزو هو الغزو وصيف 2015 هو صيف 94، إلا أن الظن لم يكن كذلك على الإطلاق، لقد تتلاشى كلياً حين وجدت نفسها هذه القوى تسقط تحت أقدام صناديد المقاومة الجنوبية مما اضطرها إلى مغادرة الجنوب خلال أشهر قليلة، وهذا أمر لا يمكن أن نقلل من شأنه أو نعزوه لشيء آخر، وذلك لأن المنطق يحتم علينا أن نؤمن بنظرية "من كان يقاوم غزواً سابقاً عمره 20 عاما لا يمكن أن يقبل بغازٍ آخر مهما كلف ذلك من ثمن".

ومن هنا يمكن طرح سؤال؛ لماذا انتصر الجنوب وفشل الشمال؟
الجواب ببساطة: انتصر الجنوب لكونه يمتلك قضية، بينما فشل الشمال لعدم امتلاكه قضية، حيث لا زلنا حتى يومنا هذا نتساءل ما هي قضية الشمال؟ ومع كل مرة نحاول البحث عن إجابة نجد أن قضية الشمال تتمثل في كون "الهضبة الشمالية" هي مشكلة اليمن برمتها شمالا وجنوبا في الماضي والحاضر إن لم تكن اليوم مشكلة المنطقة بشكل عام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى