باب المندب والأهمية الإستراتيجية

> أمين محسن الهمداني

> هناك مقولة تتردد دائماً عند الحديث عن أهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي لأي دولة في العالم مفادها أن من يريد أن يتكلم عن السياسة عليه النظر قبلها إلى الخريطة، وهذه العبارة تعود للرئيس الفرنسي الراحل الجنرال "شارل ديغول ويرى البعض أن هذا منطلق اهتمام القوى الدولية عبر التاريخ باليمن، ولعل أهم أحد مظاهرها المعاصرة قد تجسد في حرص القوى الكبرى وأهمها بريطانيا على التمسك باحتلال عدن، وجنوب اليمن.

ويبدو اليمن أشبه بحاملة طائرات كبرى ثابتة في ملتقى مضيق هرمز، وباب المندب والفضاء البحري المفتوح على المحيط الهندي وامتداده في المحيط الهادي، ويكتسب ميناء عدن أهمية كبيرة في التجارة الدولية، وإستراتيجيات الدول الكبرى في العالم عبر التاريخ.
يعطي الموقع الجغرافي أهمية إستراتيجية لليمن جعلها محل اهتمام سياسة وإستراتيجيات القوى الكبرى لما يتمتع به هذا الموقع من أبعاد إستراتيجية مفتوحة نحو المنطقة العربية المليئة بالمصالح الحيوية لأوروبا، ونحو القارة الأفريقية التي شهدت اهتمام القوى الكبرى؛ ومنها أمريكا وأوروبا ونحو جنوب آسيا وشبه القارة الهندية.

يعتبر البحر الأحمر ممراً مائياً هاماً في الإستراتيجيات الإقليمية، والدولية في أوقات السلم، والحرب نظراً لتميز موقعه الذي يربط بين ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا باعتباره شريان مائي يربط بين محيطين عبر مضيقه الجنوبي (باب المندب) الذي تشرف عليه اليمن إلى المحيط الهندي عبر شماله من قناة السويس عبر البحر المتوسط، ومضيق جبل طارق، وحتى المحيط الأطلسي. تعبر هذا الممر عشرات السفن التجارية العملاقة يومياً، وتجوب في مياهه الدولية وشواطئه الزوارق والمدمرات، والغواصات الحربية، فضلاً عن المناورات العسكرية لدول المنطقة والتي تشارك فيها بعض الأحيان قوى من خارج المنطقة ونظراً لخصوصية البحر الأحمر، وبالتالي موقع اليمن الإستراتيجي في الملاحة الدولية فإن تلك الخصوصية، والأهمية في السياسة الدولية قد انعكست بشكل مباشر على اليمن، وأصبحت كما كانت في الماضي محل اهتمام عالمي من قِبل كافة الدول التي سعت؛ ولا زالت تفرض نفوذها على هذا الممر المائي الحيوي وذلك بهدف تأمين مصالحها في المنطقة.

وقد مثل البحر الأحمر بؤرة من بؤر التوتر والصراع في السياسة العالمية، وامتدت آثار الحرب الباردة إليه، وإلى الدول المطلة عليه، كما أضاف الصراع العربي - الصهيوني آثاراً انعكست على الدول المطلة عليه أيضاً. وإذا كان البحر الأحمر: كممر مائي عالمي إستراتيجي قد جذب اهتمام القوى الإقليمية، والعالمية فإن مناطق وأجزاء هذا الممر قد شكلت محور هذا الاهتمام باعتبارها المنافذ الرئيسية له، وأهمها مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، الأمر الذي ضاعف من أهمية اليمن. كما تكمن أهمية البحر الأحمر، وبالتالي موقع اليمن الإستراتيجية في مجموعة من العوامل المتداخلة الجيوسياسية والأمنية، والاقتصادية، فهو أقصر طرق النقل بين الشمال والجنوب اليمن تمتلك في جنوبها الغربي مضيق باب المندب الذي تقسمه جزيرة بريم (ميون) اليمنية إلى قسمين، وتتحكم في مداخله، وهذا الموقع الجغرافي المتميز أكسب اليمن تفرداً جيولوجياً هاماً؛ حيث تقع اليمن ضمن القارة الآسيوية في نهايتها أو ركنها أقصى الجنوب الغربي، وذلك المدخل وعلاوة على ذلك؛ فإن امتداد الساحل اليمني خارج المضيق باتجاه الشمال، والجنوب ساعد على امتلاكها مجموعة كبيرة من الجزر البحرية ذات الدلالة السياسية والعسكرية حيث تمتلك اليمن ما نسبته (10,8 %) من مجموعة الجزر في البحر الأحمر، وامتداد سيادة اليمن على مياهها الإقليمية في شاطئ طوله نحو (8.9 %) من الطول الكلي لساحل البحر الأحمر بشكل عام.

ليس من المبالغة القول أن عامل الموقع هو المرتكز الأساسي الذي جعلها محل اهتمام دولي وإقليمي حيث أن الملاحة الدولية في مضيق باب المندب لا تبعد عن الساحل اليمني من خلال جزيرة تريم سوى ميلين بينما تبعد عن الساحل الأفريقي بنحو سبعة أميال، وبالرغم من وجود دول أفريقية مثل جيبوتي، وإريتريا تشاطر اليمن في الإشراف على المضيق إلا أنهما لا تملكان ساحلاً ممتداً في مخارج المضيق، بينما اليمن تشرف على المضيق بشكل مباشر، وبالتالي؛ فإن جزءاً من الاهتمام الإقليمي والعالمي باليمن يعود إلى تمتعها بموقع إستراتيجي هام منه إشرافها على هذا المضيق الذي شهدت الملاحة فيه كل أنواع التنافس الاستعماري تاريخياً. ونتيجة للاهتمام العالمي بهذه المنطقة فقد خضعت المناطق المطلة على مضيق باب المندب جميعاً للاستعمار لفترات طويلة من الزمن، وبعد رحيل الاستعمار خضعت؛ إما للنفوذ الشرقي ممثلاً بالاتحاد السوفيتي، أو الغربي ممثلاً بفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أثر ذلك التنافس على اليمن حيث تحاول كل القوى منع وقوع مضيق باب المندب تحت نفوذ قوى معادية، واستمرار المضيق: كممر للقوات البحرية للدول المتنافسة، والتواصل من خلاله مع منصة القوات الدولية في البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، والمحيط الهندي والخليج العربي وممارسة الضغوط العسكرية للتأثير على مجرى الأحداث التي تندلع فيه.
"سماء برس"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى