الخطر الإستراتيجي الذي وقع فيه اليمن. كيف ترسخت الفوضى في اليمن؟

> د. باسم المذحجي

>  
د. باسم المذحجي
د. باسم المذحجي
إن سياسة الفوضى وعدم الاستقرار وغياب الأمن -إما بالحرب أو السلم- يجب أن تؤدي إلى تصفية الإرادة الشعبية ونقل السلطة -إما للقبيلة الطائفية أو القبيلة الزيدية الحاكمة- سواء بالحرب أو ظروف السلم عبر تجميد النمو الاقتصادي، والسيطرة على النمو السكاني التنموي، والتعليم الإستراتيجي، وإجبار اليمنيين على الخنوع والاستسلام، وكلها تخدم وتتوافق مع سياسات الاستعمار الحديث، والتي تنطلق من أسس عملية الاحتلال، وتتم عبر مهمة معلنة تحت عنوان "تدريب اليمنيين على ممارسة الحياة الديمقراطية"، في حين يتوقف الاستعمار وتفشل هكذا إستراتيجيات إذا سعينا إلى مجابهتها عبر بناء مجتمع معرفي، وتوسعت الفرص الاقتصادية والاستثمارية.

الطبيعة والتركيبة القبلية والعشائرية لليمن تجعل من المستحيل تكوين دولة بالمعنى الحديث، وذلك لأنهم -أي أقصد أهل اليمن- مؤسسون على نظام محكوم بالنظام القبلي الطائفي، ولذلك فاستثمار التناقضات القبلية والعصبيات الطائفية دوما تخدم المصالح الإستراتيجية لكل من لا يريد التنمية البشرية، والصناعية، والاستثمار الإستراتيجي في اليمن.

ما يحدث في اليمن هو امتداد لمشروع التفتيت الذي عُدّ من قبل بن غوريون، وعدد من خبراء الأمن القومي الأميركي، والبريطاني سنة 1972، والذي فكرته الإستراتيجية تعتمد على خلق كيانات ضعيفة مهترئة، وبمرور الوقت تغيرت الأفكار والمخططات، والتي أبرزها إضعاف السلطة المركزية بقدر كاف، وفوق ذاك وذاك فإن الدولة تتفكك نظرًا لأنه لا يوجد مجتمع مدني قادر على الحفاظ على الوحدة في غياب الهوية المشتركة بفعل تعميم الفوضى، والاقتتال، والحروب السياسية والمناطقية، والمذهبية، والعشائرية، والقبلية. وهي ذاتها أفكار برنارد لويس الذي حصل على الجنسية الأميركية سنة 1982.

ما هو الخطر الإستراتيجي الذي تمثلهُ اليمن؟
هناك جوابان:
1. لا خطر إذا تم إقامة دولة سياسية لا دينية، وتأمين مصادر النفط، والبدء في إستراتيجية تطوير البلدان في اليمن من بوابة المشاريع الاستثمارية الإستراتيجية بشراكة دولية.
2. نعم، هناك خطر إذا تم إزالة الكيان الدستوري الحالي لليمن بشطريها الشمالي والجنوبي بدون بناء إستراتيجي تنموي بديل، نظرا لأن الفوضى والانهيار الداخلي هي أمور حتمية، وطبيعية على ضوء تكوين الدولة اليمنية غير القائمة على أساس سليم، ويعود ذلك لأن الجميع مستهدف لكنه منشغل بالاستهداف البيني غير المسئول.

- هل بالإمكان ألا يختلف مستقبل اليمن عن بقية البلدان مثل العراق وسوريا وليبيا ولبنان؟
نعم بالإمكان، خصوصًا وأن كل من يحكم الشعب لا يستند إلى قاعدة عريضة في صفه حتى وإن تمكن من بناء شبكة أمن تحميه بصورة مؤقتة.

- كيف نزيل الفوضى التي غرقت فيها اليمن؟
نحن مجبرون على السير في منهال ومنهاج إستراتيجي للإزالة والاجتثاث من الجذور، لكن يتوجب مناقشة عدد من القضايا لتتضح الفكرة، وأهمها نقاط النقاش الآتية:

1. استعادة الدولة
ما السبيل إلى ذلك؟

هل بتحرير اليمن عسكريًا؟ إذا كانت الإجابة بنعم. فكيف يتحقق ذلك؟!
عندما نتحدث عن ذلك، فلابد أن نفهم نواة المقاومة الشعبية في اليمن، أي ما هي الأدوات الفاسدة "الخردة " التي تعيق تحقيق ذلكم الهدف؟!

1 - في الجنوب العربي كان الجميع مقاومة وعلى رأسهم الرئيس عيدروس الزبيدي والقائد شلال شائع.
2 - في تعز كان الشيخ حمود المخلافي هو الأب الروحي للمقاومة، وإلى جانبه في موقع آخر كان أبو العباس السلفي، وما تبقى من اللواء 35 مدرع بقيادة اللواء عدنان الحمادي.

3 - في مأرب كان الشيخ سلطان العرادة ورجالاته هو روح وعقل المقاومة.
4 - في الجوف كان محافظ الجوف أمين العكيمي ورجال القبائل من حوله هم المقاومة من الألف إلى الياء.

لكن: ما هي الأدوات الفاسدة "الخردة" التي لا تنسجم مع مشروع المقاومة ولا تقبل بتحويل نواة المقاومة إلى مؤسسة عسكرية وطنية صلبة تتحطم على صخرتها كل المؤامرات؟! للإجابة لا بد أن نغوص في المجال العسكري.

2 .عملية التحرير العسكري
سنتخذ من تحرير تعز نموذجا ثم نعممه نوعا ما على بقية المناطق الأخرى غير المحررة.
أ - تحرير تعز: هل يعقل بأن الإخوان المسلمين استحكموا في ألوية الجيش، وتجاوزوا اللواء 35 مدرع، والذي كان نواة المؤسسة العسكرية التي دافعت عن تعز وصمدت في وجه الانقلاب؟!

لماذا لا يترك لقائد اللواء 35 مدرع العميد عدنان الحمادي إستراتيجية تشكيل وترتيب الجيش؟!، ويتم عزل كافة القيادات الإخوانية، والتي كانت يومًا ما ضمن ألوية الفرقة الأولى مدرع في صنعاء، أو كتائب القوات الخاصة "الأمن المركزي" في صنعاء.
هل يعقل بأن من يتربع على رأس سلطة محافظة تعز من شرعب، ومنطقتهم لم تحرر بعد، ولم تستعد من الحوثيين؟! بقليل من التمعن، فإذا لم تكن هذه القيادات خطرا، فبلا شك بأن من ينضوي تحتها لهو أشد خطورة.

ب - تحرير بقية اليمن: كل ما في الأمر بأن المطلوب قيادة جديدة في رئاسة الدولة، وكذلك وزارة الدفاع اليمنية، وبث دماء قيادية جديدة في مختلف المحاور، والجبهات، والمناطق العسكرية ذوات صفة وحيدة هي إدراكها بالمسئولية التي تتحملها، وتكون على قدرها في محيطها القبلي، وتوفيرًا للوقت والجهد لابد أن تكون القيادة الجديدة كما سترتب تباعًا:

1. الشيخ سلطان العرادة - نائب رئيس الجمهورية.
2. المحافظ أمين العكيمي - وزيرًا للدفاع.
3. اللواء عدنان الحمادي - قائدًا للقوات المشتركة.

الخلاصة: هناك أمور نتفق عليها إذا أردنا إزالة الفوضى من بوابة استعادة الدولة في اليمن؟
كيف ذلك؟ نتفق على أن تحظر المناصب السياسية أو العسكرية لكل من كان خارج اليمن، أو لم يشكل مقاومة في مسقط رأسه لأنه في هذه الحالة نمر من ورق، وحاضنته لا تخدم الموقف الإستراتيجي لعملية التحرير.

ما هو الخطر الإستراتيجي الذي تمثله اليمن ليتم تدميرها وتخريبها؟
لابد وأن نفهم ونناقش القضايا التالية:

1. من يشكل الأغلبية في اليمن الأعلى: واضح بأن الطائفية القبلية والسلالية هي التي تدير المشهد وتخلق عداء مع الجوار والمحيط وتمثل مشروع فارسي غير عربي.
2. من يشكل القرار في اليمن الأسفل: هي تشكيلات حزبية تخلق عداء في الداخل ومع الجوار ولا تخدم بيئتها في مجال التنمية والاستثمار بل معطلة وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين.

3. ماذا عن الشطر الجنوبي من اليمن؟
يشار لهم بالشكر والبنان في وقف التمدد الطائفي المليشاوي، والجماعات الإرهابية فقد نجحوا في تحرير مناطقهم وتأمينها بنسبة 90 %، وتسهم في تحرير وتأمين الشريط الساحلي الجنوبي الغربي والغربي، ولها دور رائع، وسيحفر في أنصع صفحات التاريخ في صعدة، والحدود الشمالية لليمن. وبالتالي فالجنوب العربي هو مستهدف من الشمال اليمني، ومن إيران ومن الإخوان المسلمين وتباعًا من تركيا وقطر كونهم -أي أبناء الجنوب العربي- حجرة عثرة في طريق الميليشيات الطائفية العابرة للحدود، والجماعات الإرهابية المختلفة.

4. ماذا عن السنة والشيعة؟
تعتمد نسبة الخطر على طريقة إدارتها، فالزيدية يمكن تحويلها إلى ميليشيات طائفية عابرة للحدود، وذات الأمر للأخريات التي يمكن صناعتها في معامل الإرهاب.

5. من يشكل السلطة ويتحكم بها إستراتيجيًا؟
هنا الحديث عن جذور السلطة والسلطة السياسية التي استلمت زمام الأمور، فسياسيا اليمن حالياً واقعة بمجاعة واسعة النطاق، وسوء تغذية، ومستويات معيشة متدهورة بلا حدود، أما عسكريًا فالواقع يعبر عن نفسه وقدم نفسه بأنه جزء من الفوضى، لكن المشكلة الكبرى في الفشل في التحكم الإستراتيجي، والحديث عن تطوير المؤسسات الاقتصادية الشاملة للجميع هو العامل الأكثر قدرة على التنبؤ بنجاح الدولة.

نقاش اللابدات في اليمن
اللابدات في اليمن في مواجهة المؤامرة ومخططات التخريب.
"اللابدات" غير قابلة للتعليل ولا للتحليل ولا للمناقشة ولا للتقديم ولا للتأخير.

لابد من الحرية والمساواة والعدالة، لابد من التوزيع العادل للسلطة والثروة ولابد من الوحدة الكونفدرالية.

من يقف عائقا أمام اللابدات في اليمن؟
نموذج عرقلة مشاريع البناء والإنتاج من قبل الشمال اليمني، والشجيع على القيام بالإضرابات والفوضى من قبل التنظيمات السياسية، وتنامت فكرة مجاهدين ميليشاوين يتبعون إيران لقوات شبة نظامية تمتلك الأسلحة المتوسطة والثقيلة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.

علاج الخطر الإستراتيجي الذي وقع فيه اليمن؟
1. الفرد في القوات المسلحة.

توظيف العنصر البشرى في الجيوش، ويتم التأكد من ذلك عبر آلية وطنية لنظم الاستدعاء والتعبئة ومدى توافر شروط تنفيذ ذلك، وكذلك تناسب أعداد الأفراد الموجودين في الاحتياط مع احتياجات القوات المسلحة في حالة درجات الاستعداد القصوى أو قيام الحرب، وأخيرًا تنشيط أنظمة الاستدعاء الدوري وتنشيط الخبرات العسكرية والتدريب على ما يستجد من أسلحة.

2. الفرد في إدارة الدولة.
الأوضاع في منطقة محررة لا تحتمل مزيدا من الأزمات، ولابد أن يكون الفرد من جوف الشعب، ويمتلك إستراتيجية وطنية تواجه السلطوية، ويمتلك مشروعا للبيئة، والمجتمع الذي يديرهُ، وشرط أساسي بأن يتمتع بالاتصال والتشبيك مع كل النخب الاجتماعية الوطنية، وليس وجوده في السلطة قائم على فرض نفسه بمنطق القوة والسلاح.

كيف نكون في الطريق الصحيح؟
لابد أن ينجح الفرد في إدارة الدولة، وفي تنظيم المجتمع ونفسه بموجب الإرادة الشعبية، ويخلق أرضية إستراتيجية تنجح في الحل والخلاص من كل المشاكل السابقة والراهنة والمتوقع حدوثها، وليس أرضية التوجيهات الحزبية والجهوية والمناطقية والأجندات السلطوية في المناصب المدنية والعسكرية.
نحن نهدف إلى إستراتيجية فعالة لتحقيق هدف أسمى من كل الأهداف التي رُفع شعاراتها، ألا وهو بناء دولة على أنقاض اللا دولة (الحالية). بالفعل فاليمن في خلاصته الإستراتيجية الخطرة عبارة عن بناء مصطنع كبرج الورق لا يمكنه التصدي للمشكلات الخطيرة التي تواجه فكيف سيشكل خطرا على من حوله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى