الأخطاء الطبية القاتلة بالعاصمة عدن.. استهتار بحياة المرضى أم شعور بالأمن من العقاب

> تقرير/ وئـام نجيب

> تزايدت منذ سنوات الأخطاء الطبية في عدد من مستشفيات العاصمة عدن لاسيما الحكومية منها.
أخطاء فادحة أفقدت العديد ممّن حضروا إلى المستشفيات بأقدامهم؛ لإجراء عمليات صغرى لحياتهم، والتي كانت آخر ضحاياها الطفلة رضا ياسر ناصر سالم الكازمي (عشرة أعوام).

بدأت معاناة رضا الشعور بألم في شقها الأيمن مصحوب بحمى وتقيؤ أُسعفت على إثره في صبيحة 23 من الشهر الماضي إلى مستشفى الجمهورية التعليمي بخورمكسر من قِبل أسرتها لتتأكد ما إذا كانت مصابة بـ "الدودة الزائدة"، ولعدم وجود طبيب في قسم الطوارئ بالمستشفى في ذلك الوقت اضطر أبوها، كما يقول، إلى نقلها لمشفى خاص لإجراء الجهاز الخاص، وتبيّن بالفعل إصابتها بالزائدة، وتم إعادتها إلى صبيحة اليوم الثاني إلى طوارئ الجمهورية، واستُدعي الطبيب الجراحي وتم معاينتها، وأعطى لها دريباً وإبرتين كمهدئ للألم، وبحسب حديث الأب لـ "الأيام"، أنه أخبر الطبيب في حينه بأن ابنته تُعاني من تحسس من الحقن، وتم تركيب لها دريب (مغذي) دون إضافة الحقن إليه، كما قام الطبيب بالاطلاع على ملف الحالة الصحية الخاصة بها قبل أن يجري لها فحوصات أخرى في المختبر الخاص بالمستشفى لمعرفة نسبة الدم، وكذا للالتهابات والصفائح، فيما تم فحص الفيروسات في مختبر خارج المشفى.

ويضيف: "حينما أحضرت الحقنتين اللتين وصفهما الطبيب الجراحي كان الطبيب والممرض غير موجودين في القسم، فأعطيتهما لزوجتي وطلبت منها أن تعطيها للمُمرض وسيقوم بدوره بعمل تست (اختبار)، وبالفعل أول ما حضر أعطى الطفلة الحقنة كاختبار في يدها، وبعد ثلاث دقائق تشنجت ابنتي وتقيأت، وكان صراخها مصحوباً بظهور تورم في منطقة البطن، عندها أتى الطبيب الجراحي، وعمل على فتح جزء من شقها الأيمن لشفط السموم، غير أنها توفيت في الحال، وأثناء متابعتي للتحقيقات الخاصة بالوفاة تبين لي بأن الممرض الذي قام بإعطائها الحقنة مستجد وليس لديه الخبرة الكافية، وحتى الآن كل من الممرض والطبيب ناكرين ارتكابهما الخطأ بل هربا، وعبر "الأيام" أحمل نائب مدير المستشفى، د. طارق مزيدة، المماطلة في سير التحقيقات؛ كونه عمل على التحقيق مع الطبيب الجراحي بعد أيام من وقوع الحادثة".

وتابع: "نتيجة لغضبنا ومطالباتنا بالتحقيق ومحاكمة المتسببين بوفاة طفلتي عرضت علينا إدارة المستشفى بأن يتم وضع الجثة في الثلاجة لحين مجيء الطبيب الشرعي ومعرفة سبب الوفاة، ولكن رفضت ذلك ونقلت جثة ابنتي إلى المنزل وصلينا عليها ومن ثم دفنها بعد صلاة العشاء.. ومن خلال متابعتي لسير القضية توجهت إلى الشئون القانونية في مستشفى الجمهورية في يوم الثلاثاء الموافق التاسع من الشهر الجاري، وقاموا بتسليمي نسخة من التحقيق الذي لم يتم استدعاؤنا لحضوره، والمؤسف أن الطبيب الجراحي ادعى بأني أتيت بابنتي محملة في الوقت الذي أدخلتها إليه تسير على قدميها، وللتأكد من صحة كلامي عليهم العودة لكاميرات المستشفى، وسأستمر بمتابعة القضية، وفي حال لم أجد حلاً بالطريق القانوني سألجأ لطريق آخر".
والد الطفلة رضا في الوقفة الاحتجاجية المنددة بتدهور القطاع الصحي بعدن
والد الطفلة رضا في الوقفة الاحتجاجية المنددة بتدهور القطاع الصحي بعدن


تقاعس وتلاعب
ولفت الكازمي في حديثه لـ "الأيام" إلى أن وزير الصحة، ناصر باعوم، أبدى اهتمامه بالقضية وبمتابعتها أثناء اللقاء به بعد تنفيذه بمعية ناشطين وقفة احتجاجية أمام مكتب الوزارة في خورمكسر الإثنين الفائت، مضيفاً: "أيضاً طرحنا القضية على نائبه، وأكد بدوره بأنه سيتم توقيف الممرض والطبيب بناءً على طلب مقدم من قِبلنا، حتى يتم التحقيق وتتبين الأمور، وقد كان من المقرر أن ترفع اللجنة تقريرها يوم الأربعاء الماضي بحسب تعليمات وزير الصحة العامة والسكان، ولكن ما وجداه هو التقاعس والتلاعب الواضحين في سير القضية لمعرفة أسباب الوفاة، فضلاً عن تغيب أعضاء من اللجنة المكلفة".

وتحصلت "الأيام" على نسخة من قرار وزير الصحة، والذي قضى بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات وفاة الطفلة رضا الكازمي مكونة من: مدير عام الخدمات الطبية وزارة الصحة د. عبدالرقيب سعيد محرز، نائب رئيس هيئة مستشفى الجمهورية د. طارق مزيدة، مدير عام الشئون القانونية بوزارة الصحة د. إيمان سيف محرم، اختصاصي أمراض باطنية د. لينا محمد جبران، اختصاصي جراحة عامة د. محمود مكي، اختصاصي أمراض جلدية د. عادل أجمل.

احتمالية إحالة القضية للنيابة
وأوضح مدير عام الشؤون القانونية في الوزارة، د. إيمان سيف محرم، لـ "الأيام" بأن التقرير الفني الذي قدمته هيئة مستشفى الجمهورية والخاص بالحالة الصحية للطفلة وفحوصاتها وكافة الأطباء يفيد بأن إجراءات المستشفى صحيحة ولا وجود لخطأ طبي، مشيرة في السياق إلى أن "اللجنة المشكلة غير ملتزمة بالحضور، وأنه من المحتمل أن يتم إحالة القضية للنيابة العامة".

جدة الطفلة (والدة الأب) لفتت إلى أن "أم الطفلة تدهورت حالتها الصحية، كما فقدت على إثر ذلك جنينها الذي كانت حاملاً به وفي شهرها الثالث".
قرار وزاري بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات وفاة الطفلة رضا الكازمي
قرار وزاري بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات وفاة الطفلة رضا الكازمي

ضحية أخرى
بسيمة محمد طه (30 عاماً) هي الأخرى من ضحايا الأخطاء الطبية التي باتت في تزايد ملحوظ في المستشفيات الحكومية.
نسمة كالطفلة رضا الكازمي تعرضت في البدء بالإصابة بالدودة الزائدة جرى على إثرها إسعافها كما تفيد أمها لـ "الأيام"

إلى مستشفى 22 مايو بتاريخ 05/03/2019م، وخضعت فيه لعملية استئصال لها في ذات اليوم، وبعد يومين عادت إلى البيت مع الاستمرار بتناول المضادات الحيوية كعلاج بعد العملية، غير أنه في اليوم الثالث ساءت حالتها وتم إرجاعها للمستشفى مرة أخرى. وتضيف: "بعد إجراء الأشعة المقطعية وجهاز تلفزيوني اتضح وجود أوساخ (قيح) في بطنها، قرر حينها الأطباء بقاءها في المستشفى تحت الملاحظة واستمرارها باستخدام المضادات الحيوية لأكثر من عشرة أيام، وخلال تلك الفترة تدهورت صحتها، وعلى ضوء ذلك تقدمنا بشكوى إلى نائب مدير المستشفى، د. وردة التميمي، وبدورها قامت بالتواصل مع الطبيبين الذين أجريا لها العملية، وهما د. غسان، ووافي، كما تقرر إجراء عملية ثانية لفتح البطن، ووجدوا بأن هناك التصاقات بالأمعاء وتهتك بالقولون، وتم أخذ عينات لفحصها "فحص الأنسجة"، واتضح من فحص الأنسجة وجود التهابات حادة فقط، كما كان يخرج من موقع العملية الأولى أوساخ ودم قبل أن يتم تخييط المنقطة، وكانت أيضاً لا تستطيع دخول الحمام، ولا تقوى على الحركة".

وتابعت حديثها لـ "الأيام" بالقول: "بعد إجراء ابنتي للعملية الثانية تم ترقيدها في المستشفى ما يقارب 15 يوما، وبعد إخراجها منه تعرضت في البيت لمضاعفات مع استمرار التردد على الأطباء الذين أجروا لها العمليتين وخاصة د. بدر الطوحري في عيادته، وخلال عشرة أيام ظهر عليها انتفاخ في منطقة البطن مصحوب بآلام شديدة وخروج براز من فتحة البطن، ولتأزم حالتها أسعفناها في الثالثة فجراً إلى ذات المشفى، وفي الساعة السابعة صباحاً انفجرت بطنها من موقع العملية وخرج البراز من الأمعاء إلى خارج البطن، وقتها طمئنا الأطباء وأكدوا لنا بأن الأمور طبيعية، ولكن حينما شاهدنا تردي حالتها الصحية تقدمنا بشكوى أخرى إلى مدير المستشفى، وقام بدوره بتشكيل لجنة مكونة من ثلاثة أطباء، وهي الأخرى أكدت بأن الأمور عادية ولا وجود لأي ضرر على الرغم من أن الأمعاء والبراز كانوا خارج البطن، واكتفت بإجراء الخياطة والتضميد مكان العملية، كما اتخذ مدير المشفى وقتها قراراً بإضافة د. عبدالواحد الدقم بصفته اختصاصي جراحي معروف لمشاركتهم في العملية الثالثة".

وجود شاش
وتشير الأم إلى أنها أجرت لابنتها أشعة مقطعية في مستوصف خاص قبل العملية الثالثة، تبيّن خلاله وجود (شاش) في بطنها بحسب ما أفادت به د. وفاء عياشي، مضيفة: "وبالفعل خضعت للعملية الثالثة في 19/04/2019م، وقد أفادونا بأنهم استأصلوا في العملية أجزاء من الأمعاء والقولون بحجة أنها مُلتهبة، كما نقلوا القولون خارج البطن، مؤكدين لنا أيضاً بأن وضع المريضة مستقر ولا داعي للخوف وليس بها أورام وستكون طبيعية، أما القولون فأخبرونا بأنه سيتم إعادته لوضعه الطبيعي بعد عيد الفطر الماضي، وبقيت ابنتي في المستشفى بعد هذه العملية 10 أيام، ومن ثم عدنا بها إلى المنزل وكانت في بداية الأيام قد شهدت حالتها الصحية تحسناً، ولكن بعد أسبوع بدأت تشكو من صعوبة في التبرز مصحوباً بألم شديد في بطنها حتى الإغماء".

محاولة إنقاذ ومطالبة بالتحقيق
وبحسب حديث أم نسمة لـ "الأيام"، فقد نقلت ابنتها إلى مستشفى الجمهورية؛ حيث تمت معاينتها من قِبل الأطباء وإجراء الفحوصات والأشعة المقطعية، بالإضافة إلى اطلاع الطبيبة في المستشفى على الأشعة والملف الخاص بالحالة الصحية.
وتضيف: "وقتها أفادت الطبية بأن الحالة غير مطمئنة، وأنها ستجري لها عملية للتأكد ما في بطنها، وأن العملية التي ستجرى كمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وأجريت العملية في تاريخ 27/06/2019م، واستمرت من التاسعة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، وبعد إتمامها تم نقلها إلى قسم الإنعاش، ولكن لم تمضِ ساعات حتى فارقت الحياة".

وبحسب تقرير الطبيبة التي أجرت العملية، فقد "تبيّن بأن داخل الفتاة ممزق، وأمعاءها مسددة مع وجد تقرحات عديدة وخروج البراز إلى تجويف البطن وانتشار كثيف لعلامات سرطانية، إضافة إلى وجود مشاكل بعدة مناطق في جسمها كالكبد والرحم وجزء من المثانة الأيسر ومعظم أجزاء الأمعاء".
وحمّلت أسرته الشابة نسمة مستشفى 22 مايو المسئولية الكاملة في وفاة ابنتهم، مطالبة في السياق بـ "التحقيق مع الأطباء الذين أجروا العمليات لابنتهم، و "حلف اليمين" من قِبل د. عبدالواحد الدقم، بعدم رؤيته لأي شيء في بطن المتوفاة عند إجرائه العملية الثالثة لها".

مغالطة
مصدر طبي في المستشفى طلب عدم ذكر اسمه أوضح لـ"الأيام" احتمالية إجراء د. غسان طوئرة عملية الزائدة الدودية للمتوفاة، لوجود اسمه في الملف الخاص بالعملية.
ولفت إلى أن "تأكيد إدارة المشفى بأن من أجرى العملية هو د. بدر الطوحري (اختصاصي جراحي) حتى لا يكتشف بأن من أجرى العملية هو د. غسان طوئرة، المصنف (بورد) أي (مقيم جراحي وليس لديه شهادة تخصص)".

وأضاف متسائلاً: "بعد إجراء العملية الثانية للفتاة والتي جزم فيها الأطباء في المستشفى بعدم وجود شاش في بطن المريضة، لماذا لم يتم استدعاء د. وفاء عياشي، التي أكدت في الأشعة المقطعية التي أجرتها للفتاة عن وجود شاش فيها؟". وتابع: "وفي حال تأكدهم وصدق زعمهم من عدم وجود الشاش، كان لابد من إدارة المستشفى القيام باستدعاء الطبيبة د. وفاء، كون ذلك تشويه لسمعة المستشفى والأطباء فيه".

العملية تمت بعد الإصابة بمضاعفات
من جهتها، قالت نائبة المدير العام في مستشفى 22 مايو، د. وردة التميمي: "تم إجراء عملية الزائدة الدودية للمريضة المذكورة، بعد أن أحدثت لها مضاعفات ومشاكل بسبب التهابها، وعلى الرغم من تركيب للمريضة بعد العملية دريب (بيب) لإخراج الأوساخ، إلا أن حالتها الصحية لم تتحسن، وقام أهلها بإرجاعها إلى المستشفى، كما أتى والدها وقدم شكوى إلى المدير العام، وبدوره قام المدير بالتواصل مع الطبيبين: بدر الطوحري، ومختار شائف، وبإشراف د. عبدالواحد الدقم، وتم إجراء العملية الثانية لمعرفة أين هي المشكلة وسبب ألمها، لاسيما أنها عملت (سونار) في مستوصف خاص وتبين فيه وجود (شاش) بداخلها، ولكن عند إجراء العملية الثانية تبين بأنه يوجد مضاعفات ولا وجود (للشاش)، ولا أعلم ما هي تفاصيل ذلك، كوني لست بالجراحة ولم أحضر أثناء إجراء العملية، وخرجت الفتاة من العملية وكانت في اليوم الثاني قد تحسنت صحتها، وبعد ذلك أخذت إجازة ولم أعلم ماذا حصل بعد ذلك".
الزائدة الدودية التي تم إخراجها من الشابة بسيمة
الزائدة الدودية التي تم إخراجها من الشابة بسيمة

"الأيام" حاولت التواصل مع د. بدر الطوحري وطلبت منه تحديد موعد للمقابلة وإيضاح ذلك، وقام بتحديد يوم الإثنين، أمس الأول، غير أنه لم يكن موجوداً في الزمان والمكان المحددين، مع عدم التمكن من التواصل عبر الجوال والذي كان في حينها مغلقاً، كما حاولت معدة التقرير التواصل مع رئيس قسم الجراحة، د. مختار شائف، وهو الآخر لم يكن موجوداً في العيادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى