رحيل المثقف الأسمر

> علي ناصر محمد

> مات حامد جامع المثقف الإنسان النبيل في عدن التي ولد وعاش فيها حياة البسطاء ككل أبنائها الطيبين، حياة الكفاف، ولم يغادرها إلا إلى عدن يوم الإثنين الماضي حين مات.

لم يترك إرثاً من مال لأنه لم يكن يملك مالاً يورثه.. ولا عقاراً ولا أرضاً.. ولا أولاداً يتنازعون على إرثه لأنه لم يتزوج! ولا خصوماً يمزقون فروته لأنه كان أبعد ما يكون عن الخصومات السياسية.

كان نموذجاً للمثقف الزاهد في الدنيا وزخرفها ونفاقها.. كان أشبه الناس بعدن.. أخذ من جبالها سحنته السمراء وصلابتها وشموخها وعزة النفس.. وأخذ من بحرها سعته وعمق تفكيره والغوص في أعماق التاريخ.. وأخذ من الناس في عدن بساطتهم ومدنيتهم وحبهم للحياة.. وأخذ من المدينة روحها وثقافتها وجمالها وعنفوانها الأسطوري.

وبهذا الأكسير عاش حياته وكوّن فلسفته وأحلامه، وحلّق في السماء واستحال عليه السقوط حين سقط كثيرون وتخلوا عن يساريتهم، لأنها كانت عن قناعة، وليس طمعاً في منصب أو وظيفة، كما فعل كثيرون غيره.

ولم يرحل عن الوطن أو يشد الرِّحال إلى مدن الغرب أو الشرق، حتى مع صعوبة الحياة وشظف العيش وقهر الرجال والموت الزاحف عبر صراع الرفاق وإخوة الوطن، مع إنه كان يملك خيارات كثيرة لكنه لم يفعل.

لم ينكسر حتى عندما رأى الأحلام تنكسر.

حلمه وأحلام الناس في حياة حرة كريمة. ظلّ مفعماً بالأمل، عصياً على الهزيمة، وأصعب وأمرّ الهزائم هزيمة النفس.

كتب وترجم وقرأ كثيراً، ونشر بعض ما ترجم، وكان ضليعاً في الإنجليزية التي يترجم منها كضلوعه بالعربية التي يترجم إليها، فأغنى المكتبة بكتب قيّمة أصبحت مرجعاً للباحثين والأجيال.

لم يعرف الطريق إلى المناصب لأن المثقف الحقيقي أكبر من أي منصب.. ولم يُرَ يوماً ملتبساً بالتردد على أبواب الحكام، لأن العلاقة عموماً تكون ملتبسة بين الحاكم والمثقف، إلّا في حالات نادرة.. كان يجد نفسه أقرب للمثقفين الحقيقيين وبسطاء الناس لأنه منهم وينتمي إليهم..

بفلسفته هذه عاش ومات حامد جامع، قريباً من الناس، صديقاً للكتاب، عاشقاً في محراب الكلمات، صادقاً عفيفاً، تاركاًَ لعدن التي أحبها وأحب ناسها الحزن النبيل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى