«علمنة» حركة النهضة التونسية.. هل هي انحناءة أمام العاصفة؟

> هدى الطرابلسي

> في جنازة الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، شيع الرجل الثاني في حركة النهضة عبدالفتاح مورو جثمان السبسي إلى مثواه الأخير مشياً على الأقدام، عاملاً بوصيته. كأن مورو انتهى به الأمر مقتنعاً بضرورة اتباع السبسي والأخذ بتوصياته المتواصلة للحفاظ على مدنية الدولة التونسية.
كيف لا والحركة تعيش منذ الثورة مخاضاً عسيراً للتأكيد بأنها حركة ولدت من رحم المجتمع التونسي وليست نتاجاً لجماعة الإخوان المسلمين.

ترجمت الحركة الإسلامية رغبتها في التحول إلى حزب سياسي حقيقي خلال مؤتمرها العاشر في مايو 2016، عندما أعلنت التخصص في العمل السياسي وترك النشاط الدعوي للمنظمات المدنية. كما غيرت اسمها من حركة إلى حزب، وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي آنذاك إن «التخصص الوظيفي بين السياسي وبقية المجالات المجتمعية ليس قراراً مسقطاً أو رضوخاً لإكراهات ظرفية، بل تتويج لمسار تاريخي تمايز فيه السياسي عن الدعوي في حركتنا بحكم التطور وتماهياً مع ما جاء به الدستور التونسي».

الهاجس الانتخابي
لم ينتهِ النقاش بعد في حركة النهضة حول تقديم مزيد من التنازلات لإظهار مدنية الحزب. لكن الحركة دفعت ببعض السيدات غير المحجبات إلى الترشح للانتخابات الرئاسية باسمها. كما قدمت قبل ذلك نائبتها سعاد عبد الرحيم في منصب شيخة تونس، وهو المنصب الذي كان محرّماً على نساء تونس. وعلى الرغم من كل هذه التنازلات لا تزال الشكوك تحوم حول هدف الحركة من هذا التغيير. فهل هو نابع من رغبة حقيقية في الاندماج الكلي داخل المجتمع التونسي أو من أجل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟

تقول النائبة عن حزب النهضة جميلة الكسيكسي، لـ «اندبندنت عربية»، «أكيد أن الهاجس الانتخابي موجود»، لكنها تستدرك بأن «التغييرات التي تعيشها الحركة هي تغييرات من الداخل، جاءت بها نقاشات واسعة ومطولة بين جميع أعضائها». وتشير إلى أن الحركة خسرت «بعضاً من أنصارها، الذين يبحثون عن الجانب الديني في الحركة، ويعتقدون أنها قادرة على إدارة الدولة بما جاء به الإسلام فقط».

وأضافت «اتهمونا بأن أفكارنا من الخارج وأننا لا نمثل المجتمع التونسي، ونحن بهذا التغيير نؤكد أننا نتغير كما يتغير المجتمع، ونساير هذا التغيير حتى نكون حركة تونسية لا غير».
وعن إبعاد بعض الأصوات المتشددة داخل الحركة، التي رفضت فصل الديني عن السياسي، تفيد الكسيكسي بأنه «لم يتم إبعاد أي طرف من النهضة من المعروفين برفضهم فصل السياسي عن الديني، بل هم موجودون داخل مجلس شورى النهضة ويطرحون أفكارهم وتناقش بكل ديمقراطية. ويوجد من استقال من تلقاء نفسه من العمل السياسي داخل الحركة لاقتناعه بالعمل الدعوي».

ظروف موضوعية
على الرغم من الفصل التام بين جهازها السياسي وأذرعها الدعوية، يرى الصحافي أحمد نظيف أن «الحركة بعد حوالى ثلاث سنوات من ذلك الإعلان، لم تقدم حتى اليوم المنهجية ولا الصيغة الفكرية والسياسية لتوضيح الفصل التنظيمي بين الجانبين». لكن النظر في السياق التاريخي الذي جاءت فيه هذه المراجعات، وفق نظيف، «يكشف عن أنها يمكن أن تكون مجرد انحناءة أمام العاصفة، وليست نابعة من رغبة داخلية بقدر ما هي خطوة تكتيكية نتيجة إكراهات الواقع الموضوعي، خصوصاً أنها جاءت مباشرة بعد خروج الحركة من السلطة مكرهةً، بعد ثلاث سنوات من الحكم، كانت مليئة بالاغتيالات السياسية والعنف والفشل الاقتصادي والاجتماعي». وفي الفترة نفسها، كان الوضعان المحلي والإقليمي ضاغطين، ما دفع الحركة الإسلامية إلى هذه الخطوة التكتيكية لتخطي مصاعب المرحلة، خصوصاً بعد خسارتها الانتخابات عام 2014 وصعود منافستها حركة نداء تونس، وفق نظيف.

وأوضح «من الأسباب، التغييرات الجذرية التي وقعت في مصر بعد عام 2013 وسقوط مشروع جماعة الإخوان المصرية، وخوف النهضة من تكرار السيناريو المصري في تونس، والتغيرات في الإدارة الأمريكية، بعد فوز الرئيس دونالد ترمب، غير المنسجمة مع الجماعات الإسلامية، بعكس إدارة باراك أوباما التي شجعت على صعود جماعات إسلامية إلى السلطة في أعقاب موجة ثورات الربيع العربي».

مكاسب انتخابية
لكن القصور الحاصل من قبل حركة النهضة في توضيح عملية الفصل بين الدعوي والسياسي، وفق نظيف، لا ينفي وجود تحولات شهدتها الحركة على مستوى التنظيم والمشروع. فالحركة التي انطلقت منذ السبعينيات في مشروع تقويض الدولة القائمة واستبدال الدولة الإسلامية بها، تحولت إلى الاستيعاب الكامل لمشروع الدولة القُطرية الوطنية، من جماعة دينية سياسية كامتداد لتيار إخواني إلى حزب سياسي ذي هموم محلية، ومن جماعة مغلقة تعتمد على النقاء الأيديولوجي إلى حزب مفتوح يبحث عن مكاسب انتخابية.

يضيف نظيف، المتخصص في الحركات الإسلامية، أن «الدرس الذي تعلمته حركة النهضة بعد عودتها إلى النشاط ودخولها إلى كواليس السلطة، كي لا يقع لها ما وقع في الماضي من إقصاء وملاحقة، هو انخراطها ضمن المصالح المشتركة للطبقة الحاكمة، بدلاً من محاولة إنهاء أو إلغاء هذه الطبقة والحلول مكانها، كما كانت تفكر في سنوات التأسيس وما بعدها»، معتقداً بأن مشروع الحركة تحول من «محاربة الدولة» إلى «التمتع بها» والاستفادة من مروحة عريضة من الامتيازات والمصالح.​
«إندبندنت عربية»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى