أطراف جديدة على الخط.. كيف تغيرت قواعد الصراع في البحر الأحمر؟

> إبراهيم عبدالله

> أثار إعلان السعودية أواسط ديسمبر الماضي تأسيس كيان دول البحر الأحمر باسم "منظمة الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن" لتضم في عضويتها 7 دول عربية وأفريقية تساؤلات بشأن الهدف من الإعلان وتوقيته.
كان لافتاً ألا تصدُر عن الكيان الوليد أي تصريحات عن البُنى أو الهيكلية أو الأهداف من إنشاء الكيان الذي يضم في عضويته بالإضافة للسعودية مصر والأردن والسودان واليمن والصومال وجيبوتي.

وزراء الخارجية المؤسسون للمنظمة اجتمعوا على مدار 3 سنوات 3 اجتماعات فقط، لم يصدُر عنها بيانات حول الدولة المقر للمنظمة الجديدة أو الأعمال التي ستناط بالكيان والمسئوليات المترتبة على أعضائه.
المؤكد أن مرور قرابة 13 % من التجارة العالمية بين جنباته وإطلالة أكثر من 300 مليون إنسان على شطآنه يبدو شافعاً للبحر الأحمر كي يتصدّر عناوين الأنباء أو صفحات الدراسات الأكاديمية المتخصصة.

الشهية الخليجية
بينما قد تبدو محاولات السعودية فرض كلمتها فيما يخص شؤون البحر الأحمر مفهومة وهي تملك السواحل الأطول على ضفته الشرقية، تبقى الشهية الإماراتية للتغلغل فيه عصيّة على الفهم للمتابعين.
وتُشير الباحثة الأمريكية وزميلة معهد أمريكان انتربرايز كارين يونج إلى أن الوجود الإماراتي في سواحل البحر أخذ في التزايد في الأعوام الأخيرة ليشمل افتتاح منشآت عسكرية متعددة في إريتريا والصومال.

الإمارات اعتمدت على ملاءة مالية فرضتها الطفرة في أسعار النفط الخام بين عام 2004 و2014 للخروج بسياسة ذكية في التعامل مع قضايا البحر الأحمر تجمع ما بين التنمية الاقتصادية والوجود العسكري.
وفي الوقت الذي تبني فيه القوات المسلحة الإماراتية منشآتها في عصب وسقطرى، تواصل الشركات الإماراتية جهودها في إدارة موانئ جدة وكسمايو وبوصاصو وبربرة.

وعلى عكس المتصور عند البعض من حصرية الدور الخليجي باعتباره "أداة وظيفية أمريكية"، تبدو دول الخليج -وخصوصاً الإمارات- وكأنها قد اتخذت مشروعها الخاص فيما يتعلق بالمنطقة.
فالمعلومات المنشورة تُشير إلى استثمار أبوظبي لـِ 3 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية في إثيوبيا بهدف رفع أعداد السياح القادمين منها لدبي.

تراجعات ومبادرات
تأثير الأزمة الخليجية على شؤون البحر الأحمر وشجونه واضح للعيان، فالانقسام الخليجي أدّى إلى تراجعات ومبادرات، فرغم أن الوجود الإماراتي عبر إدارة موانئ كسمايو وبربرة وعصب وبوصاصو امتد على مدى سنوات، فإن قطر القادمة من جديد عبر بوابة الحليف التركي سبق لها مغادرة المنطقة.
الدوحة سحبت قواتها المرابطة بين جيبوتي وإريتريا كإجراء احترازي سريع في أعقاب اندلاع الأزمة الخليجية مطلع يونيو 2017، وهي القوات التي وجدت للفصل بين الجارتين المتنازعتين منذ 2010.

وفي زحام الحديث عن التسليح والتسلح تكمن حقائق لا يلتفت لها الناظر بسرعة وهو أن القرن الأفريقي يُمثل لعدد من الدول الخليجية -وخصوصاً السعودية- نافذة لتحقيق جملة من المصالح تتفوق على مجرد الوجود العسكري المباشر.
تجارة المواشي على سبيل المثال التي تجري بشكل نشط على ضفتي ساحل البحر الأحمر، تُعتبر من العناصر المهمة للأمن الغذائي للسعودية التي تشكل واردات المواشي الأفريقية جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه (وبالأخص في موسم عيد الأضحى لسد احتياج البلاد من لحوم الهدي والأضاحي للحجاج والسكان).

لذلك فإن تأمين موانئ مستقرة للتصدير في كل من جمهوريات الصومال المتعددة (الاتحادي - صومالي لاند - بونت لاند) والسودان تُعتبر أولوية سعودية قصوى.
كما أن استقرار حكومات مركزية ذات سلطة قادرة على ضبط الحدود يُقلل من تفاقم مناسيب الهجرة غير النظامية للسعودية، وهي الهجرات التي اشتكى منها لسنوات سكان الجنوب السعودي.

ويُمثل تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين الإريتريين لمناطق جازان وعسير المتاخمة للساحل الجنوب الغربي للسعودية مظهرها الأكبر، وما يرافق تلك الهجرات من ارتفاع معدلات الجرائم المحلية ورواج تجارة بيع الكحول محلي الصنع الممنوعة حسب الأنظمة السعودية.

وتنظر عدد من الدول الخليجية بقلق لمنطقة القرن الأفريقي باعتبارها كانت وإلى موعد انطلاق عمليات التحالف العربي في اليمن عبر عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل بوصفها حديقة إسناد خلفية لمنظمات التطرف العنيف في اليمن (القاعدة في الجزيرة العربية - أنصار الشريعة) وحلقة وصل مع منظمة (الشباب) الصومالية المتطرفة، والتي اعتُبرت ولسنوات ممراً لتوريد كميات كبيرة من العتاد والكوادر البشرية عبر مياه لا يزيد البعد بين ضفتيها 32 كم.

لاعبون جدد
فرانك فيرتين الباحث المختص بشؤون البحر الأحمر بمركز بروكنجز الدوحة يؤكد أن تنافس الدول على إيجاد مواطئ أقدام لها في منطقة البحر الأحمر قديم، وزاد من حماس القوى العالمية افتتاح قناة السويس وتركز مصادر إمدادات الطاقة في المنطقة، الأمر الذي أدّى بها للتنافس المحموم الذي تصل حدته في أحيان للضرب من تحت الحزام.

الوجود الاستعماري القديم والذي تقاسم النفوذ فيه البريطانيون بحصة هي الأكبر تمتد لتشمل سواحل مصر والسودان والأردن وفلسطين وجنوب اليمن وشمال الصومال، نافسه وجود فرنسي في جيبوتي وآخر إيطالي في إريتريا والجنوب الصومالي.
هذا الوجود الذي قلَّمته صراعات الاستقلال في المنطقة عاد بعد قرابة الخمسين عاماً بآليات جديدة ولاعبين جدد.

الغياب الأمريكي
وعن سر الغياب الأمريكي عن المشاركة في فعاليات الصراع حول البحر الأحمر يؤكد الدبلوماسي الأمريكي والذي سبق له العمل في عدد من الدول الأفريقية ألكس روندوس أن أسباباً كثيرة تقف وراء هذا "الغياب" الذي لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان انسحاباً تدريجياً.
انسحاب واشنطن أعقب تدخلاً فاشلاً في الصومال أواسط التسعينيات لمحاولة السيطرة على فوضى الميليشيات والقبض على زعيمها آنذاك (فارح عيديد)، وما تلا ذلك الانسحاب من فوضى الجماعات المتطرفة والتي تصاعدت في أعقاب الهجوم على السفارات الأمريكية بنيروبي ودار السلام.

هذه الهجمات بلغت الذروة أواسط العقد الأول للألفية وتلتها -وربما نتجت عنها- موجات القرصنة على السفن التجارية في القرن الأفريقي والساحل الشرقي للقارة الأفريقية.
ويضيف الباحث في شؤون المنطقة مايكل هانا أن تداخل الملفات صنع فوضى بيروقراطية في الخارجية الأمريكية تحوّل دون التعاطي الفعال مع قضايا المنطقة.

فقضية مثل الاستجابة للوجود التركي في جزيرة سواكن السودانية يتطلب تنسيقاً عالياً لتشكيل موقف أمريكي موحّد بين المكاتب المعنية بشؤون تركيا والسودان والسعودية وهي 3 نطاقات جغرافية في 3 قارات مختلفة.
ويضيف هانا أن المزاج العام للناخبين والساسة الأمريكيين -وخصوصاً في أعقاب انتخاب ترامب- يفضل عدم التورط في القضايا الدولية وتركيز الاهتمام على حل المشاكل الداخلية.

وتتجلى النتيجة الأبرز للغياب الأمريكي في توفير ظروف أتاحت المجال للاعبين جدد يرغبون في خوض تجارب "مغامرات دولية" لا يوجد لدى جلهم القدرة المؤسساتية أو الخبرة التاريخية لإدارتها.

قلق أوروبي
يسود الأوساط الأوروبية موجات قلق متصاعد تجاه غياب مفهوم "الأمن الجماعي" في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهو الأمر الذي حدا بهذه الدول حسب الخبير بشئون المنطقة أنينتا بيين إلى المطالبة عبر القمة الأوروبية العربية التي عقدت في مصر أواخر العام المنصرم إلى تأسيس كيان جامع ينظم شئون المنطقة.
ينظر الأوربيون أن من شأن الفوضى في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي أن تُؤثر على إمدادات السلع والطاقة لدول أوروبا وحوض المتوسط، وأن تدفع حالات فشل دولها إلى توافد أعداد متزايدة من اللاجئين الفارين من أتون الصراعات لطرق الأبواب الجنوبية للقارة العجوز.

ويُعزز الحرص الأوروبي على تأسيس كيانات تهتم بشئون المنطقة الغياب الكامل لأدوار الاتحاد الأفريقي فيما يخص تنظيم شئون المنطقة قياساً بمناطق أخرى في القارة وكذلك تراجع أدوار منظمة الإيقاد (منظمة إقليمية تأسست في عام 1985وتتكون من دول القرن الأفريقي وهي الصومال وجيبوتي وكينيا وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا).

عنق الزجاجة
وصول الصين للبحر الأحمر عبر افتتاح أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي يفسره الأكاديمي في جامعة ييل راش دوشي بأنه خطوة ضرورية لنجاح مشروع (الطريق والحزام) الصيني والذي تعتبر مضائق البحر الأحمر أحد نقاطه الحرجة.
فمع عبور 60 % من صادرات الصين من خلال البحر الأحمر متجهة لوجهاتها الأخيرة في أوروبا والشمال الأفريقي، لا يمكن للمخططين الإستراتيجيين الصينيين إيكال مهمة تأمين جنباته للأساطيل الأمريكية في المستقبل، وإن اكتفت بهذه الحماية في المرحلة الحالية.

ويرى دوشي في قاعدة الصين الجديدة، والتي يغلب على منشآتها طابع التخزين وتقديم الخدمات اللوجستية، أنها ستُشكل منصة لـِ "التدريب العملي" تطور فيها البحرية الصينية آليات وإجراءات توسعها المستقبلي خارج نطاقها الحيوي.

بوابة السودان
هشاشة الأوضاع في السودان في أعقاب التحركات الثورية والتي نتج عنها إسقاط حكومة الرئيس عمر البشير وتسلُّم مجلس عسكري (ذو ميول خليجية) للحكم في البلاد قد يعصف بالآمال التركية التي حاولت أخذ نصيبها في البحر الأحمر عبر توقيع اتفاقية لتطوير جزيرة سواكن المقابلة للسواحل السعودية لمدة 99 عاماً.
وهي الاتفاقية التي أثارت حفيظة السعودية، والتي حاول الرئيس التركي أردوجان التقليل من أهميتها باعتبارها اتفاقية "ثقافية" تهدف لترميم مبان أثرية تعود للفترة التي وجدت فيها حامية عثمانية بالجزيرة.

ويتوقع مراقبون أن يتم إلغاء العمل بالاتفاقية في حال تمكن حلفاء الخليج في الخرطوم من استلام السلطة بشكل فعلي وحسم الأوضاع.

الحاضر الغائب
الدبلوماسي الإسرائيلي السابق دوري جولد يُشير إلى مركزية البحر الأحمر لدى عقيدة الدفاع الإسرائيلية باعتبار أن سد نظام عبد الناصر لمضائق تيران وهو الحادث الذي أدى فيما بعد لاندلاع حرب يونيو 1967 والتي شكلت لحظة الميلاد الحقيقي للدولة العبرية.
اهتمام إسرائيل بالبحر الأحمر ينطلق حسب جولد من اهتمام غرمائها المحليين والقوى العالمية به. إذ ترى إسرائيل في الوجود الإيراني عبر بوابة الحوثيين في الضفة الشرقية اليمنية خطراً يتهدّد مرور السفن التجارية والعسكرية المتجهة إلى ميناء إيلات.

ويرى جولد أنه رغم التهديد الذي يُمثله وجود إيران عبر الحوثيين وسيطرتهم على السواحل الشرقية لليمن، فإن نجاح السعودية بطرد الإيرانيين من إرتيريا بعد أن كان مشروع وجودهم فيها بشكل رسمي قاب قوسين أو أدنى، هو إنجاز يستحق التنويه.
وتنظر تل أبيب لوجود الحرس الثوري الإيراني في ميناء بورسودان وجهوده عبر سنوات لتهريب السلاح للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة مكمناً آخر للقلق.

وكان مثيراً لارتياح الإسرائيليين -حسب جولد- أن اختار الرئيس السوداني المعزول عمر البشير الانضمام لـِ "معسكر الاعتدال العربي" عبر قطع العلائق الإيرانية والمشاركة بالقوات في أعمال التحالف العسكري في اليمن.
لكن الفرحة لم تطل، إذ سرعان ما أطل غريم الإسرائيليين الجديد الرئيس التركي رجب طيب أردوجان برأسه في السودان مستأجراً جزيرة سواكن بغرض تطوير بنيتها التحتية لمدة 99 عاماً. هذا الوجود التركي- القطري يُقلق الإسرائيليين من مخاوف تطوره إلى إقامة قاعدة عسكرية بحرية دائمة للبحرية التركية.

ورغم "الزحام" الدولي الموجود في جيبوتي والمكون من خليط القوات الفرنسية والأمريكية والصينية والإماراتية والسعودية والروسية فإنها لا تُثير قلق الإسرائيليين بقدر ما يثيرها الوجود التركي في مقديشو عبر إدارة المطار الدولي والميناء والقاعدة العسكرية هذا فضلاً عن الطريق السريع الذي شرعت أنقرة ببنائه من شمال البلاد إلى جنوبها.

طموحات إثيوبية
تُعد أثيوبيا بسكانها الذين يتجاوز عددهم 102 مليون نسمة وتجارتها الدولية التي يمر 95 % منها عبر جيبوتي المجاورة أكثر الشركاء حرصاً على استقرار الأوضاع في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتسود دبلوماسيتها التي نفخت عودة الحكم المدني الديمقراطي لها همة متنامية في مد نفوذ سياسي خارج حدودها يتناسب مع كونها الدولة الأفريقية الثانية من حيث عدد السكان.

شهد شهر مارس الماضي توقيع اتفاقية بين إثيوبيا وفرنسا تقوم فيها الأخيرة بتقديم 100 مليون دولار لبناء بحرية حديثة ستكون الأولى في أفريقيا لدولة لا تملك أي سواحل خاصة بها (ساحل البحر الأحمر يبعد عن الحدود الإثيوبية قرابة 60 ميلاً فقط).
ورغم تملّك إثيوبيا لإرث سابق في إدارة بحرية فاعلة قبل 30 عاماً -حينما كانت تطل سواحلها على البحر الأحمر- إلا أن حدة الصراع مع إريتريا والذي توجه استقلالها فيما بعد حرم البلاد من نافذتها البحرية الوحيدة.

وتنظر حكومة آبي أحمد إلى القوات البحرية باعتبارها ضمانة لعدم تأثر واردات البلاد بالقرصنة البحرية في مياه القرن الأفريقي وكنافذة لزيادة نفوذها بين دول الجوار.
ومثل اتفاق المصالحة (الإثيوبي- الإريتري) والذي تم توقيعه في نوفمبر 2018 بوساطة سعودية- إماراتية فرصة لتمكين أديس أبابا من التقدم في مشروعها البحري الذي ستتركز قواعده الأولى في جيبوتي المجاورة.

ولا يستبعد مراقبون أن تشغل البحرية الإثيوبية في المستقبل موانئ إريترية، وإن كان للتاريخ الدامي بين الطرفين وخصوصاً في موانئ عصب ومصوع ذاكرة دامية قد شكّل حواجز نفسية تحول دون تقبل الإريتريين لوجود إثيوبي مسلح على أراضيهم.
على النقيض تماماً تبدو السواحل الصومالية وخصوصاً في ميناءي كسمايو وبوصاصو مهيئة لإمكانية توسع القواعد البحرية الإثيوبية فيها في المستقبل وإن كان لوجود تنظيمات عنيفة كحركة الشباب والضعف العام لمنشىآت البنية التحتية العامة في البلاد تعقيدات قد تُلقي بظلالها على إمكانية الربط البري السلس بين الطرفين.

خارطة التقاسم
ويرى الخبراء المتخصصون في شئون المنطقة أن الصراع الدولي في مياه القرن الأفريقي يدور بين 3 مستويات من الدول، تحتل المرتبة الأولى منها القوى الدولية العظمى (أمريكا - الصين - فرنسا) فيما تتنافس في المرتبة الثانية القوى الإقليمية (تركيا - إيران)، وفي المرتبة الثالثة تقبع القوى المحلية الصاعدة (السعودية - الإمارات - قطر).

وتمثل فرنسا بوجودها القديم في جيبوتي قوة ذات طابع تاريخي يمتد من أيام الاستعمار الأوروبي المباشر للقارة السمراء، والذي تم إعادة إحيائه بعد نيل جيبوتي استقلالها عام 1977 بوجود عسكري فرنسي دائم قوامه 1500 جندي في الجمهورية الصغيرة ذات الموقع الإستراتيجي.
الوجود الأمريكي في جيبوتي والذي جاء بالتنسيق الكامل مع الحليف الفرنسي منذ بدايات الحرب على الإرهاب عام 2001، عبر استئجار أجزاء من قواعد الجيش الفرنسي السابقة في البلاد والتي يشغلها حالياً 6 آلاف عسكري أمريكي متعددي المهام.

وجود حلفاء الناتو في الجمهورية الصغيرة يضم كذلك مفرزة إيطالية قوامها 300 فرد قدمت في العام 2013، وقوة عسكرية يابانية -ذات طابع هندسي- تضم 600 فرد توجد في البلاد منذ العام 2011.
بالإضافة لهذه القوات توجد أعداد محدودة من الجنود الألمان والإسبان ضمن تشكيلات قوات الحلفاء في الناتو، والذين يُشرعن وجودهم في البلاد اتفاقات ثنائية مباشرة مع الحكومة لا تلتئم بالضرورة تحت شعار الحلف.

آخر الواصلين لجيبوتي كانت الصين بقاعدتها العسكرية العملاقة والتي تُعد الأولى لبكين خارج نطاق أراضيها والبحار المحيطة بها. القاعدة الصينية تضم ما يزيد على 10 آلاف فرد تم إنشاؤها بتقنيات بالغة التعقيد وتضم عددا من منشآت التخزين الظاهرة والخفية ويكلف إنشاؤها ما يزيد عن 590 مليون دولار.

ولا يُخفي الحلفاء الغربيون قلقهم من آليات بكين لتحصيل موطِئ قدم لها في جيبوتي المزدحمة بأحذية عسكرية متعددة الجنسيات، ويصف الكثيرون الديون التي قدمتها الصين للحكومة الجيبوتية، والتي تفوق قدرتها على السداد لسنوات طويلة باعتبارها (مصائد استعمارية) نصبتها بكين لعدد من الدول ذات المواقع الإستراتيجية، وتقوم بكين عند عجز المستدينيين عن السداد بالاستيلاء المباشر على المنشآت والموانئ واستخدامها دون مقابل لفترات طويلة.

الصين عملت كذلك على تقديم مبلغ قارب الـ 300 مليون دولار للحكومة الجيبوتية وهو مبلغ كبير نسبياً لدولة لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة يقبع حوالي 79 % في ظروف توصم بالفقر. وتروج في أوساط متعددة أنباء عن مفاوضات حثيثة تجريها الرياض لافتتاح قاعدة عسكرية واستخباراتية متعددة المهام في الربع الأخير من 2019.

وبعيداً عن الازدحام في جيبوتي الصغيرة اختارت الإمارات إريتريا المجاورة مركزاً لوجود قواتها المسلحة عبر وجود دائم في ميناء مدينة عصب، وهو الوجود الذي أعدّته أبوظبي بشكل سريع لمنافسة الوجود القطري السابق، وكمنفذ لإسناد قواتها الموجودة في جنوب اليمن، وتحتفظ أبو ظبي كذلك بمنشآت عسكرية أصغر في مدن الشمال الصومالي ذات الاستقلال الذاتي كسمايو وبربرة وبوصاصو.

فيما تحافظ تركيا على وجود عسكري لافت في العاصمة الصومالية مقديشيو، وتسود أوساط المتابعين لشئون المنطقة شكوك في مدى إمكانية نجاح أنقرة في تفعيل اتفاقية وجودها في جزيرة سواكن المقابلة لسواحل مدينة بورسودان وذلك في ضوء التطورات التي أعقبت الأحداث الثورية وسقوط نظام عمر البشير.

قوة ناعمة
تلجأ الدول القادمة للقرن الإفريقي لوسائل ناعمة متعددة لدعم وجودها في المنطقة، ففي الوقت الذي لجأت فيه بكين لحيلة القروض (المصيدة)، حرصت أنقرة على إدخال شريكها القطري بمبادراته التنموية على الخط لتمويل عدد من المشاريع العامة في الصومال، وتفعيل وجود الجمعيات الخيرية التركية ذات الطابع الدولي.
أما الإمارات فيرتكز وجودها على ذراعي شراء الأراضي الساحلية بكثافة بالإضافة للحرص على الفوز بعطاءات إدارة الموانئ التجارية بعقود طويلة المدى.

وتعمل أبو ظبي من خلال إدارة الموانئ على استخدامها تكتيكياً في الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية، وإستراتيجياً من خلال تحييدها عن منافسة الموانئ الإماراتية الحالية من خلال تحجيم عمليات التوسعة والتطوير المستقبلية.
وتنظر أبوظبي لوجودها في إدارة موانئ المنطقة على أنها نقطة قوة يمكن به مقايضة بكين على مصالح مستقبلية مقابل السماح لها باستخدامها في إطار سعي بكين لتفعيل مشروع (الطريق والحزام).

وفي الوقت الذي كان يعتمد فيه الوجود السعودي الناعم في وقت سابق على تغذية نموذج التدين السلفي ودعم انتشاره من خلال بناء المساجد وتوزيع المطبوعات السلفية، لا تزال الإدارة الجديدة في الرياض حائرة في تحديد شكل وطبيعة الخدمات التي ستقدمها لضمان دعم المجتمعات المحلية لها في المنطقة.

"جريدة الاستقلال"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى