التنافس بين دول الخليج في القرن الأفريقي: تخفيف الأثر

> بروكسل «الأيام» عن منظمة الازمات الدولية

> تتنافس دول الخليج على النفوذ في القرن الأفريقي للسيطرة على البحر الأحمر، فتنقل بذلك خصوماتها الداخلية إلى منطقة هشة. ينبغي على حكومات القرن الأفريقي تعزيز قوتها التفاوضية مع جيرانها الأقوياء، الذين ينبغي أن يعترفوا بالمخاطر التي تشكلها سياساتهم على الأمن الإقليمي.

ما الجديد؟ تسرّع دول شرق أوسطية تنافسها للحصول على الحلفاء، والنفوذ والوجود المادي في ممر البحر الأحمر، بما في ذلك في القرن الأفريقي. وتناور القوى الخليجية بشكل خاص لوضع شروط توازن إقليمي جديد للقوى والاستفادة من النمو الاقتصادي المستقبلي.

لماذا حدث ذلك؟ لقد دفع عدم الاستقرار الإقليمي، والفراغ النسبي في القوى والتنافس بين دول شرق أوسطية صاعدة، دول الخليج للسعي إلى استعمال قوتها خارجياً في الجوار. وهي تنظر إلى القرن الأفريقي لتعزيز التحالفات والنفوذ.

ما أهمية ذلك؟ العديد من العلاقات الجديدة في القرن الأفريقي غير متناظرة بدرجة كبيرة، وهي مدفوعة بشكل أكبر بالمصالح الخليجية وليس الأفريقية. تضخ دول الخليج الموارد وتصدّر الخصومات بطرق من شأنها أن تفاقم من زعزعة استقرار الحياة السياسية المحلية الهشة في هذه المنطقة. إلا أن هذه العلاقات تحمل أيضاً إمكانات كامنة لتسوية الصراعات وتغذية النمو الاقتصادي.

ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على صناع السياسات في القرن الأفريقي والغرب السعي للحد من التنافس بين دول الخليج في أفريقيا، خصوصاً من طريق توسيع دور المنظمات الإقليمية متعددة الأطراف من أجل تعزيز القوة التفاوضية لدول القرن الأفريقي. كما ينبغي إقناع المتنافسين الخليجيين – من قبل حلفائهم أو بحكم تجربتهم الذاتية – أن أفعالهم تقوض الأمن على المدى البعيد في سائر أنحاء حوض البحر الأحمر

الملخص التنفيذي
يشهد القرن الأفريقي، الذي طالما كان موقعاً لتنافس القوى العظمى، يشهد اليوم تنافساً جديداً تدور مجرياته على شواطئه؛ فدول الخليج العربية، إضافة إلى تركيا، تسرّع من اندفاعها للحصول على الحلفاء والنفوذ في القرن الأفريقي، إلى درجة أن اثنين من خطوط التصدع السياسي الرئيسي في الشرق الأوسط – بين إيران والدول العربية، وبين الدول العربية فيما بينها – باتا واضحين على طول ممر البحر الأحمر. تقحم هذه الخصومات القديمة والمتقاطعة نفسها في الصراعات المحلية القائمة وتولد توترات جديدة. صناع السياسات الأفارقة، وكذلك دول الخليج والحلفاء الغربيين، بالكاد بدأوا بمناقشة كيفية منع هذه المنافسة من التطور إلى صراع مفتوح. ويجادل عدد من القادة في القرن الأفريقي بأنه ينبغي للمنطقة أن تكتسب درجة أكبر من القوة التفاوضية لنفسها، على سبيل المثال من خلال السعي للحوار بشكل جماعي مع دول الخليج وتركيا. وبالنظر إلى نفوذها الهائل – كحلفاء، ومستثمرين، ومانحين ووسطاء – فإن دول الخليج وتركيا ينبغي أن تستخدم هذا النفوذ لتخفيف حدة الصراع بدلاً من تأجيجه في القرن الأفريقي.

لأسباب سياسية، واقتصادية وأيديولوجية، فإن السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر وتركيا منخرطة بقوة في عملية دفع وجذب لوضع القواعد لشرق أوسط طالما كان في حالة اضطراب. ثمة حالتان متقاطعتان من التنافس تدفعان وتحددان هذا الانخراط: الانقسام بين الدول الخليجية بحيث تقف السعودية، والإمارات ومصر ضد قطر وتركيا، والتنافس بين السعودية وإيران.

وفي كلا هذين الصراعين، فإن المتنافسين الرئيسيين يرون في أفريقيا حلبة جديدة للتنافس وبناء التحالفات، خصوصاً وأن القرن الأفريقي مرشح لنمو اقتصادي كبير خلال الجيل القادم. وبالنظر إلى مواردها المالية الكبيرة، فإن دول الخليج وتركيا ترى أمامها فرصة لتعديل المشهد الاقتصادي والسياسي لحوض البحر الأحمر لصالحها. وجميعها توسع وجودها المادي والسياسي لإقامة شراكات جديدة ومحاصرة أعدائها – أي أنها تحاصر بعضها بعضاً في كثير من الأحيان.

من خلال تعزيز علاقاتها في القرن الأفريقي، فإن دول الخليج وتركيا تأمل بتأمين مصالحها قصيرة المدى وطويلة المدى على حد سواء. على المدى القصير على سبيل المثال، جعلت حرب اليمن من الضروري بالنسبة للسعودية والإمارات الحصول على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر. الأزمة الخليجية المهلكة التي خرجت إلى العلن في العام 2017 سرّعت جهود كلا طرفي الصراع لتأمين حلفاء جدد. وعلى المدى البعيد، فإن كل بلد يناور للحصول على موقع اقتصادي وسياسي متميز في ممر البحر الأحمر. اقتصادياً، تسعى هذه الدول إلى دخول الموانئ غير المخدَّمة جيداً في القرن الأفريقي، وأيضاً دخول أسواق الطاقة والاستهلاك بوصفها بوابات للتوسع الاقتصادي السريع في سائر أنحاء القارة. وتصف جميع هذه الدول الصين بأنها القوة الناشئة المهيمنة في منطقة القرن الأفريقي، ومن هنا فهي القوة التي ينبغي عليهم التحالف معها، مع تراجع النفوذ الأميركي والأوروبي. الإمارات العربية المتحدة، وقطر وتركيا، بشكل خاص، ترى في مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تخطط لمشاريع في سائر أنحاء شرق أفريقيا، فرصة لتعزيز علاقاتها مع بكين.

وتتراوح الأدوات المستخدمة في صراع القوى الجديد هذا بين الأدوات الإجرائية والأدوات القسرية. يمكن لدول الخليج وتركيا أن تقدم المساعدات والاستثمارات بمبالغ لا يقدر عليها كثيرون آخرون، أو بظروف سوق تعتبرها العديد من الشركات الغربية ذات مخاطر عالية أكثر مما ينبغي. وكثيراً ما تكون شروط هذه الدول لتقديم المساعدات أكثر جاذبية للقادة السياسيين المحليين من تلك التي يعرضها المانحون الغربيون. فبدلاً من الإصلاحات الديمقراطية أو إصلاحات السوق، فإن دول الخليج تتوقع منحها وصولاً تفضيلياً إلى فرص الاستثمار الجديدة وتطلب من متلقي المساعدات الوقوف إلى جانبها في أحد محوري التنافس الذي تخوضه. ومقابل المساعدات العسكرية، يمكن أن تطلب دول الخليج من حلفائها المحليين مقاومة أو قمع القوى السياسية المحلية المتحالفة مع أعدائها الخارجيين.

يثير هذا التنافس على النفوذ مخاطر نشوء صراع جديد. دول الخليج وتركيا تقول إنها تسعى إلى "الاستقرار" في القرن الأفريقي، لكن تعريفاتها له تختلف بشكل جذري وتضع مصالحها في حالة تعارض مباشر. السعودية والإمارات تنظران إلى الاضطرابات بوصفها شيئاً ينبغي السيطرة عليه خشية أن تتحول المنطقة إلى ملعب للحركات السياسية السنية أو لإيران. وهي تعطي الأفضلية للاستقرار قصير الأمد الذي تفرضه الدول الأمنية القوية. ورغم أنها تحث حلفاءها على فتح أسواقها أمام الاستثمار، فإنها تفضل التغاضي عن المظالم الاقتصادية وتأجيل الإصلاحات الصعبة التي من شأنها أن تهدد الوضع الراهن. في هذه الأثناء فإن قطر وتركيا أكثر ميلاً لرؤية الانتفاضات الشعبية بوصفها وسيلة لتمكين مجموعات مثل الإخوان المسلمين التي تعتقدان بأنها ستحافظ على مصالحهما على المدى البعيد. إلا أن الإخوان والتنظيمات المحلية التابعة لهم تمادوا في بعض الحالات منذ انتفاضات العام 2011 بفرض أجنداتهم الأيديولوجية وبالتالي خلق مظالم جديدة بقدر معالجة المظالم القائمة.

ومع رؤاهما المتعارضة، فإن هذين المعسكرين يعتبران العلاقات في القرن الأفريقي لعبة صفرية، وذلك بالضغط على دوله للوقوف مع هذا الطرف أو ذاك ودعم مجموعات المعارضة المحلية أو الزعماء المحليين إذا لم تستجب العواصم الوطنية لطلباتهما. ويستطيع المعسكران فعل ذلك لأن العلاقات بين الخليج والقرن الأفريقي تتسم بدرجة عميقة من عدم التناظر لصالح الخليج.

لقد حذر القادة الأفارقة من تداعيات سياسة خارجية خليجية أكثر نشاطاً منذ بعض الوقت، إلا أن واضعي السياسات الغربيون تنبهوا مؤخراً فقط لجسامة هذه الديناميكيات. ولذلك ينبغي عليهم مجتمعين دراسة وضع حدود مؤسساتية للتنافس، بحيث يتمكن القرن الأفريقي من مقاومة حالات التنافس الخارجي الأكثر تدميراً، ومعاقبة السلوك الذي يقوض المؤسسات المحلية ومعارضة الشروط غير المنصفة في العقود التجارية. وثمة جهود تبذل حالياً لإقامة منصات إقليمية يمكن لدول الخليج والقرن الأفريقي إجراء نقاش عبرها حول هواجسهم، بما في ذلك مبادرات منفصلة تقودها الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، والاتحاد الأوروبي والسعودية ومصر. في هذه الأثناء، ينبغي على الدبلوماسيين الأفارقة والغربيين محاولة إقناع دول الخليج بإعادة النظر بطريقة عملها في القرن الأفريقي.

في المحصلة، ينبغي على دول الخليج وتركيا أن تصبح مقتنعة – سواء عبر الدبلوماسية أو من خلال تجاربها الذاتية – أنه وفي حين أن التنافس والخصومة قد يخدما أهدافها السياسية والتجارية المباشرة، فإنهما يمكن وبنفس القدر أن يلحقا الضرر بالاستقرار بعيد المدى لمنطقة هشة على الساحل المقابل للبحر الأحمر، وأن ينقلبا في المحصلة لغير مصلحتها.

الرياض/أبو ظبي/الدوحة/أنقرة/نيروبي/أديس أبابا/بروكسل، 19 أيلول/سبتمبر 2019

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى