حرب اليمن.. صراع بالوكالة بين طهران والرياض

> اميل بوفييه

> إن تعقيد الأزمة اليمنية يكمن في تعدد العوامل التي أدت إلى نشأتها، واليوم فإن الحالة السياسية - العسكرية على أرض الواقع تبشر بتفاقم الحالة الإنسانية في جميع أنحاء البلد.
يمكن تحديد جذور الصراع الدائر في اليمن، بطريقة أو بأخرى، مع تسليط الضوء على التقسيم الجغرافي الذي اتسم به تاريخ اليمن.

والواقع أنه على الرغم من أن مفهوم الدولة اليمنية يسبق الإسلام، إلا أن البلد نادراً ما وجد نفسه تحت رعاية سلطة واحدة.

فخلال القرن العشرين، كانت اليمن مجزأة بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال الغربي وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب الشرقي، حيث رأت الدولة اليمنية الحديثة النور إبان توحيد الدولتين في 22 مايو من العام 1990، وبالرغم من هذه الخطوة إلا أنه لا يمكن محو الاختلافات الثقافية، فقد ظل الجزء الشمالي الغربي من البلد يتبع لما يقرب من ألف عام الحكم الثيوقراطي -الحكم الديني- من قبل المذهب الزيدي، في حين أن المناطق الجنوبية الشرقية امتازت بالوجود البريطاني منذ قرناً من الزمان، ففي منتصف القرن التاسع عشر صنعت الإمبراطورية البريطانية في الطرف الجنوبي من البلد وخاصة في مدينة عدن مستعمرة مركزية وتجارية على حد سواء.

وسرعان ما أقام البريطانيون علاقات وطيدة مع مختلف السلاطين والإمارات المحلية في جنوب اليمن واتحاد جنوب الجزيرة العربية ومحمية جنوب الجزيرة العربية.
ازدادت الفجوة بين الشمال والجنوب عندما غادر الانتداب البريطاني المنطقة الجنوبية الشرقية أواخر العام 1967، حيث تمكن الحزب الشيوعي من بسط سيطرته على السلطة، معلناً قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الدولة العربية الشيوعية الوحيدة في العالم.

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، كان هذا التقسيم الثقافي لا يزال يتمتع بقوة جامحة للغاية، خاصة وأن الحركة الحوثية في الشمال قد تمردت بالفعل لأكثر من 10 سنوات، شهدت خلالها محافظة صعدة الواقعة أقصى الشمال حروب طاحنة، من 18 يونيو 2004 وحتى 9 يوليو 2014.
خرج المتظاهرون اليمنيون المؤيدون للديمقراطية إلى الشارع للمطالبة باستقالة الرئيس علي عبد الله صالح في العام 2011، لكنهم حصلوا فقط على تنازلات اقتصادية من الرئيس الذي رفض الاستقالة بالفعل.

وفي شهر مارس من العام نفسه، ارتفعت وتيرة التوترات في شوارع العاصمة صنعاء، والتي أدت في نهاية المطاف إلى إطلاق الجيش النار على المتظاهرين.
توالت الأحداث على الساحة اليمنية، حيث نتج على إثرها، وبرعاية دولية، نقل السلطة في نوفمبر من العام 2011 بين نائب الرئيس هادي والرئيس صالح.

مهد هذا الانتقال للسلطة الطريق أمام أجراء انتخابات رئاسية في فبراير من العام التالي والتي فاز بها هادي.
وبسبب معارضة الحوثيين تم رفض كل المحاولات الرامية إلى الإصلاحات المالية والدستورية.

استفاد الحوثيون من ضعف الرئيس هادي الذي أضعفته إخفاقات الإصلاح هذه التي تواجه تهديدا جهاديا متنامياً ونزعات انفصالية في الجنوب، حيث شن الحوثيون هجوماً في سبتمبر من العام 2014، حققوا على إثره مكاسب إقليمية كبيرة، إذ بدأ الحوثيون في زحف جحافلهم من معقلهم الرئيسي في محافظة صعدة صوب السلطة المركزية في العاصمة صنعاء.

لم يستغرق الحوثيون سوى أيام قلائل حتى يتمكنوا من دخول العاصمة صنعاء، مما أجبر الرئيس هادي على الفرار إلى عدن.
خيمت حالة من خيبة الأمل على الساحة اليمنية جراء فشل الوعود والمرحلة الانتقالية التي أطلاقها الرئيس هادي، ونتيجة لذلك انضم العديد من اليمنيين بمن فيهم "السنة" إلى صفوف التمرد.

وبهدف السيطرة علي بقية أجزاء البلد، واصل الحوثيون تقدمهم على المحور الشمالي-الجنوبي إلى مدينة عدن الجنوبية دون إبداء أي مقاومة تقريبا، مما دفع الرئيس هادي مرة أخرى في 25 مارس من العام 2015 إلى الفرار، وهذه المرة إلى المملكة العربية السعودية.
أسفر تقدم الحركة الحوثية التي لم تلقَ أي مقاومة تذكر في جميع أنحاء اليمن المملكة الوهابية لتشكيل تحالفاً تحت مسمى "التحالف العربي" مطلقاً "عملية عاصفة الحزم" التي تم تسليط الضوء عليها بصورة دقيقة في الجزء الأول من هذا التقرير.

فقد كان من المفترض لهذه العملية "الخاطفة" أن تستغرق بضعة أسابيع فقط، بيد أنها تعثرت بسرعة، مما أجبر صناع القرار في التحالف العربي إعلان انتهاء عملية عاصفة الحزم والبدء بعملية جديدة تحت مسمى "إعادة الأمل"، وذلك في 21 أبريل من نفس العام والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
إن المسائل الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى اندلاع هذا الصراع متشابكة بلا شك مع المسائل الدينية.

وبالفعل، فإن التقسيم المذكور آنفاً في اليمن يشمل أيضاً، على الصعيد الدولي، الانقسام المكاني للأديان اليمنية:
مع الطائفة الإسماعيلية الصغيرة، تحتل الطائفة الزيدية ربع الجزء الشمالي الغربي من البلد، أي اليمن "المفيد"، في حين يحتل المسلمون السنة الثلاثة الأرباع المتبقية من اليمن.

فعلى مر التاريخ، كانت الطائفية في اليمن ضئيلة بصورة نسبية، حيث كانت الزيجات بين السنة والزيدية أمراً شائعا للغاية، كما ساد الوئام والتعايش بين معتنقي التيارين المتباينين في الإسلام في المساجد دون أي عداء خاص.
ومع ذلك، فإن صعود الإسلام السياسي الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين واحدة من الجهات الرئيسية في اليمن مع حزب الإصلاح ساهم في زيادة التوترات بين الأوساط اليمنية.

إن انتشار هذا الإسلام السياسي، بما في ذلك السلفية في المعاقل الزيدية، عمل على خلق الحركة الحوثية في وقت مبكر من العقد الأول من القرن العشرين.
وعلاوة على ذلك، فإن هذه القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية الجوهرية والمتأصلة في الصراع فرضت على الدوافع الجيوسياسية التي تجسدت في المبارزة التقليدية بين العالم الشيعي بقيادة طهران والعالم السني بقيادة الرياض.

لم يرق للرياض في الواقع أن يكون لطهران حلفاء مسلحون ومتمرسون مثل الحركة الحوثية في حدودها الجنوبية، وفي المقابل نجح نظام الملالي بالفعل من زيادة نفوذه من خلال الميليشيات الشيعية في العراق على الحدود الشمالية للمملكة الوهابية، وكذلك في سوريا ولبنان من خلال حزب الله.
جميع هذه العوامل أسهمت في تفاقم الأزمة أو زادت من حدتها، وبالتالي جعلت من الصراع في اليمن حالة معقدة بشكل خاص، وفي المقابل فإن عمليات تفككها معقدة بشكل خاص أيضاً، حيث إن الجهود الرامية إلى عمليات السلام بآت بفشل ذريع، والمتوقع أن تكون الحالة الإنسانية كارثية بصورة متزايدة بالنسبة للسكان.

اليوم وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على التدخل الأجنبي في اليمن، ولاسيما من السعودية والإمارات، تتسم الحالة العامة بوجود اشتباكات عنيفة آلت إلى تباطؤ أي تطور إقليمي.
في الواقع، ففي حين تم إيقاف تقدم الحوثيين صوب مدينة عدن، حيث تم الدفع بهم مرة أخرى إلى مدينة إب، فشل التحالف العسكري في ثني التمدد الحوثي الذي لا يزال يسيطر على ثلثي مساحة اليمن "المفيدة" والمطلة على طول ساحل البحر الأحمر.

فمنذ 13 يونيو 2018، تركز محور مساعي دول التحالف بشكل مكثف على ميناء الحديدة الذي يتسم بدرجة عالية من الإستراتيجية بسبب طبيعته الأساسية فيما يخص دخول الواردات الغذائية: احتياجات اليمن الغذائية مؤمنة بنسبة 90 % من الواردات، حيث يغطي هذا المنفذ 70 ٪ من هذه الواردات التي تمر بالفعل عبر ميناء الحديدة.
وما يزيد من أهميته الإستراتيجية، عندما يرى المرء أن أكثر من ثلثي السكان اليمنيين في البلد والبالغ عددهم 29 مليون نسمة يعيشون على قيد الحياة بفضل المساعدات الدولية.

ونظرا لاحتدام العمليات القتالية التي تدور هناك دون تحقيق مكاسب كبيرة لأي من الأطراف المتحاربة، فإن المعركة من أجل ميناء الحديدة مثلت فرصة للمجتمع الدولي لإجبار الأطراف المتصارعة على الجلوس علي طاولة المفاوضات.
فعلى سبيل المثال، في ديسمبر من العام 2018 في ستوكهولم، وبعد عدة أسابيع، تمكنت الأمم المتحدة من جمع أطراف الصراع والتوصل إلى اتفاق بشأن ضرورة قيام الجانبين بتجريد مدينة الحديدة من السلاح.

ومن جانبهم، عمل الحوثيون على تنفيذ جزء من اتفاقية ستوكهولم، وذلك من خلال سحب بعض قواتهم من المدينة، في مقابل وصول "قوة بديلة" تم تعريفها بشكل غامض بموجب معاهدة السويد، حيث تسلمت زمام أمور القضايا الأمنية في المدينة.

كانت طبيعة هذه القوة البديلة واحدة من العقبات التي بدأ حولها اختلاف الجانبين من جديد، حيث وجهت حكومة الرئيس هادي اتهاما للحوثيين بالتظاهر بسحب قواتهم وإبدالها بقوات -عن طريق إخفاء بعض من قواتهم المقاتلين- تحت مسمى خفر السواحل، وهكذا توقف الوضع الراهن عند هذا الحد، حيث أعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن "مارتن جريفيثس" عن أمله في الاستفادة من اتفاق وقف إطلاق النار هذا لإعلان إجراء مفاوضات حول مستقبل البلد على نطاق أوسع.

كان وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة مهم من الناحية السياسية، حيث كان له فوائد ملموسة على أرض الواقع، لكن لا يمكن أن يكون هذا شرطا أساسيا لتحقيق السلام في جميع أنحاء البلد، كما دعا في 20 أغسطس من العام 2019 إلى عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الحوثيين والحكومة في أقرب وقت ممكن.

وبموازاة هذا الوضع العسكري القائم، بدأت التوترات الدبلوماسية تظهر بين أعضاء التحالف الذي تقوده الرياض، وبالفعل ففي 10 أغسطس المنصرم تمكنت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال الجنوب والمدعوم من قبل الإمارات من الاستيلاء على العاصمة المؤقتة عدن، بالرغم من تعاونهم حتى الآن مع أعضاء التحالف العربي.

والسبب المعطى هو الاشتباه في تواطؤ الرئيس هادي مع الحوثيين في الضربة الصاروخية التي شنها المتمردون مطلع أغسطس الماضي والتي تسببت في سقوط العديد من القتلى في صفوف الانفصاليين.
وفي المقابل، استولى المجلس الانتقالي الجنوبي على القواعد العسكرية للحكومة من بينها القصر الرئاسي في المدينة، بالرغم من كونه فارغاً بسبب النفي القسري للرئيس هادي في الرياض.

وأخيرا، في 28 أغسطس، استعادت القوات الموالية للحكومة سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن، فهذه الحادثة ليست العلامة الأولى على النفور القائم بين الإمارات وشريكها السعودي، حيث أعلنت أبوظبي أنها سحبت "عددا كبيرا من قواتها" من مدينة عدن في 28 يونيو، إذ تتمركز القوات الإماراتية بشكل أساسي في اليمن، وذلك بسبب التوترات المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة في الخليج الفارسي.

إن الحاجة إلى وقف إطلاق النار على طوال امتداد البلد هي فكرة تتزايد أهميتها، وعلى وجه الخصوص، يتبناها بشكل كبير وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية "اورسولا مولر"، حيث ذكر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 21 أغسطس 2019، بأن نحن بحاجة ماسة إلى إزالة التصعيد في جميع أنحاء اليمن.
الأزمة اليمنية هي في الواقع واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية التي حلت على العالم في القرن العشرين، ووفقا لمنظمة "Crisis Action" غير الحكومية، فإن الحاصل على أرض اليمن يعتبر أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.

واسترسل حديثه حول الأزمة اليمنية، حيث قال إن اليمن على أي حال تعتبر أكبر حدث إنساني في العالم، مشيرا إلى أن حوالي 12 مليون شخص يتلقون المساعدات من المنظمات الإنسانية كل شهر في البلد.
الوضع في اليمن مقلق بشكل خاص، ففي حقيقة الأمر البلد أصبح على حافة الهاوية، حيث عرج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في 2 نوفمبر 2018، على المستوى الإنساني في البلد وصافاً إياه بالوضع اليائس.

تخضع المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلد والخاضعة حاليا لسيطرة الحوثيين للحصار البحري الذي فرضته دول التحالف الذي تقوده السعودية.

إن مصطلح المجاعة يستخدم في اليمن على أساس منتظم، حيث تشير المنظمات غير الحكومية إلى أن هذه المرحلة لم يتم الوصول إليها بعد، ولكن سوء التغذية يعتبر المقدمة التي تسبق المجاعة، والذي بدأ ينتشر بشكل كبير، فمنذ منتصف نوفمبر من العام الماضي، قدمت المنظمات الإغاثية الخدمات الإنسانية لأكثر من 420 ألف طفل ممن يعانون من مرض سوء التغذية.

كما وجدت العديد من الأمراض في اليمن بيئة خصبة ومواتية للانتشار، أغلبها أمراض مرتبطة بانعدام الأمن الغذائي مثل الحصبة والالتهاب الرئوي والإسهال.
فقد عمل استهداف البنية التحتية للمياه من الحد إلى الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، هذه الغارات هي نفسها المسؤولة عن وقف تشغيل ما يقرب من 49 ٪ من المرافق الصحية في البلد وتوقف معظم الخدمات بشكل عام.

وفي مواجهة هذه التحديات، نزح حوالي 4,3 مليون شخص من مناطق سكنهم، باحثين عن ملجأ في أماكن أخرى من البلد.

وهكذا، يبدو أن الوضع في اليمن مثير للقلق للغاية بالنسبة للسكان المحليين، وبالنظر إلى الجمود والمأزق الذي وقع فيه كل من المفاوضات والعمليات العسكرية على حد سواء، فإنه من ناحية أخرى مرادف للتدهور ملموس للوضع الإنساني في البلد والذي يكون حله معقداً مثل تشابك الأسباب والدوافع والعوامل التي أدت إلى ظهور هذا الصراع وإلى زيادته.

"موقع لوكليه دو موين اغيونت الفرنسي- ترجمة أسماء بجاش"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى