في الحديدة.. موظفون بدون مرتبات والسجن والقمع لمن يطالب بصرفها

> تقرير/ خاص

> في الوقت الذي يتظاهر فيه عمال صندوق النظافة والتحسين في تعز للمطالبة بصرف برواتبهم المتوقفة منذ أشهر، يزداد تكدس القمامة في شوارع مدينة الحديدة نتيجة إضراب عمال النظافة لذات السبب، ولكن دون تظاهر أو وقفات احتجاجية؛ لخوفهم من القمع من قِبل قوات الحوثي المسيطرة على أجزاء كبيرة منها.
وهذه ليست المرة الأولى أن تتكوم فيها المخلفات في شوارع المدينة، غير أنه في الوقت الحاضر لا يجرؤ أحدهم على التعبير عن استيائه ورفضه لهذه المخلفات التي شوهت وجه المدينة الحضاري فضلاً عما تشكله من تهديد بيئي وصحي على السكان.

وباتت أرصفة الشوارع الرئيسة والحارات والجولات وسط المدينة هي أكثر الأماكن التي تتجمع بها النفايات المرمية من قِبل المطاعم والمحال والمرافق ومن المواطنين أنفسهم، ونتيجة لعدم أخذها من عمال النظافة بشكل يومي كما كان خلال الفترة ونقلها عبر شاحنات كبيرة (بوابير) إلى المحرقة، أصبحت في تراكم وتزايد مستمر، الأمر الذي شوّه وجه المدينة التي كانت تتمتع به لاسيما المنتزهات على الشواطئ فيها.

تكدس للقمامة
محمد حسن (أربعيني العمر) من سكان حي شمسان يقول لـ "لأيام" بلهجته التهامية: "امقمامة احتلت امشوارع ورائحتها لوثت بيوتنا.. امحديدة كأنها باتت مكان لمقمائم.. ما في مكان تمر به إلا هو مليان أكياس وقذارة".
وتصف حنان إسماعيل تكدس القمامة بهذا الشكل بأنه أصبح "مقرفاً"، مطالبة بعدم السكوت عنه.

وحنان أم لأربعة أطفال، يطل منزلها على حي شعبي وسط مديرية الحالي، غرق كغيره بالمخلفات.

تقول لـ«الأيام» إنها تُجبر هي وجيرانها على إغلاق نوافذ منازلهم رغم الحر؛ تجنباً لدخول الروائح التي تخلفها القمامة المكدسة منذ فترة، مشيرة إلى أن بعض جيرانها من المستأجرين انتقلوا إلى بيوت أخرى لعدم مقدرتهم على تحمل روائح مخلفات مكبات القمامة، فيما لم يستطع الكثيرون وهي منهم من ذلك نتيجة الحالة المادية الصعبة التي يعيشونها جراء الحرب.

أمراض وأوبئة
"أول مرة يظهر البعوض وعاد الدنيا صيف"، هكذا بدأت حسينة حديثها عن معاناتها ل«الأيام»، والمواطنة حسينة ليست الوحيدة التي تشكو من انتشار البعوض؛ بل أضحى جميع سكان الحديدة يشكون من تزايد انتشاره، ولكن فيما بينهم؛ خوفاً من تعرضهم للمساءلة.
وأضافت حسينة: "كل عام لا يأتي البعوض إلا أيام الشتاء عكس المناطق الباردة إلا أن ظهوره في هذا التوقيت وبشكل مخيف سببه عائد لتكدس القمامة ورائحتها التي وصلت إلى كل مكان في المدينة".

وقال أحد السكان المحليين، طالب عدم ذكر اسمه: "من المعروف أن منازل الحديدة أغلبها شعبية، ويحاول سكانها تهويتها لكونها منطقة ساحلية شديدة الحرارة، وعادة ما تكون نوافذ وأبواب هذه المنازل مفتوحة لغرض تهويتها، كما يحب المواطنون الجلوس في الأحواش والأسطح بسبب الحر، وهو ما يجعلهم عرضة للأمراض التي تنقلها البعوض كالملاريا وحمى الضنك".

وأكد دكتور في المدينة تحفظ عن اسمه هو الآخر، أن أغلب المرضى الذين يتوافدون إليه من عموم المديريات أكثرهم مصابون بأمراض سببها البعوض.

وأضاف لـ«الأيام»: "تنظيف الشوارع وجمع القمامة واجب وحق للمواطن، ولا يمكن حماية السكان من هذه الأمراض إلا بتخليص المدينة من هذه المخلفات المكدسة في الشوارع ومداخل الحارات"، لافتاً إلى أن "البعوض تواجد بشكل مبكر قبل موعده بسبب الأمطار الذي شهدتها المدينة قبل أشهر، والتي اختلطت مياهها بمكبات القمامة، مما جعل المدينة بؤرة لتجمع البعوض وتكاثره بشكل لم تعرفه المدينة من قبل".

إضراب بصمت
إضراب عمال النظافة عن العمل جاء بعد توقف رواتبهم منذ أشهر، فيما ترك الكثيرون منهم عمله في الصندوق وتوجهوا للبحث عن مصدر دخل آخر لتوفير المتطلبات الضرورية لأسرهم.
ولم ينفذ المضربون في هذه المدينة أي وقفات أو تظاهرات احتجاجية للمطالبة بحقوقهم، وفضلوا الامتناع عن تنفيذ العمل وحسب، نتيجة لمنع قوات الحوثي أي تظاهرة أو وقفات منذ سيطرتها على محافظة الحديدة في عام 2015م.

وتجنب المواطنون الخروج إلى الشارع لما تعرضوا له في آخر احتجاجاتهم من أعمال قمع واعتقالات من قِبل قوات الحوثي الانقلابية.
وعبّر أحد عمال النظافة لـ«الأيام» بالقول: "لم يعرف أحد أننا مضربون عن العمل إلا بعد أن تكدست القمامة، ولا أحد يجرؤ على التظاهر هنا، فالجميع يخاف القمع والسجن الذي سيكون حتماً في انتظاره"، مضيفاً: "لمّا رأينا أطفالنا جاعوا تركنا العمل وبحثنا عن أشغال أخرى".

وأضافت زميلة له بالقول: "في البداية كنت حاولت أن أقنع زملائي لكي نحدد يوماً لتنفيذ وقفة احتجاجية؛ لكن الكل رفض خوفاً من الاعتقال، فقررنا عدم التظاهر وكذا عدم مباشرة العمل حتى يجدوا لنا حل لأطفالنا الذين أوشكوا أن يموتوا جوعاً".

أوضاع استثنائية
تعد الحديدة من أشد المحافظات اليمنية فقراً، بل تتسع رقعة المجاعة فيها كل يوم، ويمثل عمال النظافة فيها أكثر فئة عرضة للجوع؛ حيث إن أغلب الذين يعملون في هذه المهنة هم من فئة المهمشين الذين وجدوا العنصرية في كل مكان يذهبون إليه باحثين على عمل.
تعاني أسر هؤلاء من الجوع والتهميش حتى منازلهم من الصفيح حالتهم المعيشية يرثى لها، وفي المقابل لا يجدون رواتبهم التي منها يقتاتون وإن كانت غير كافية.

أسر هؤلاء رفضت أن تتحدث لـ«الأيام» عن معاناتها واكتفت بعبارات مقتضبة من خلف أبواب المنازل خوفاً من القمع.
تقول هذه الأسر إن أبناءها بعد أن تدهورت حياتهم المعيشية قرر بعضهم مغادرة المدينة والعمل بذات المجال، بالرغم أن في المدن الأخرى يجد عامل النظافة فيها راتبه، أو على الأقل يجد حرية في التعبير عن رأيه في حال توقف راتبه أو تعرض لتعسف من مدراء أو مسؤولين.

كما بات الموظف في الحديدة يعيش إما بنصف راتب أو بلا شيء أو مضرباً بصمت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى