هزيمة الشيطان في جدة.. الجنوب لم يعد يحتمل مغامرات غير محسوبة

> أحمد عقيل باراس

> الجلوس على طاولة المفاوضات أو سمّها مباحثات أو لقاءات أو حوارات هي أصعب بكثير من الجلوس في الخنادق أو المواجهة عبر فوهات البنادق، فالحوار أو التفاوض أو أي من تلك المسميات الأخرى، لها فلسفتها ولها طرقها وأساليبها، إذ هي علوم بحد ذاتها، فبدون أن تمتلك الخبرة الكافية والمعرفة الجيدة والفهم الصحيح لطبيعة ما تريد تحقيقه من وراء أي تفاوض تخوضه وتدرك الوسائل والطرق الممكنة للوصول نحو تحقيق الهدف الذي تسعى إليه وبدون أن تتمكن من تحديد أولوياتك التي وضعتها لنفسك وتملك القدرة على التمييز بين المهم والأهم، وبين الممكن، وغير الممكن على الأقل في هذه المرحلة التي تتحاور أو تتفاوض فيها.

وما لم يتعزز في هذه المفاوضات الانتصار على الأرض الذي حققته، فإن هذا الحوار أو التفاوض الذي ذهبت إليه لن يعدوا أكثر من ساحة لتلقي الهزيمة فيها بالضربة القاضية، وعندها لا يصبح لانتصاراتك أو تضحياتك التي حققتها على الأرض أي معنى، إذ يمكن أن يحقق طرفاً من الأطراف بالحوار وبالتفاوض، ما لم يستطع تحقيقه بقوة السلاح، وفي أحايين كثيرة يتحول الانتصار على الأرض إلى هزيمة في الحوار، وعند بدء المفاوضات، لذلك كله ولأهمية التفاوض كان قادة الجنوب وحاملو رايته حاضرين في الموعد، وفي اللحظة المناسبة، وفي الوقت المناسب في جدة، وعلى أعلى المستويات واضعين مصلحة الجنوب وقضيته نصب أعينهم ومتسلحين بالثقة وبالتفويض الذي منحهم إياها شعبهم ومتسلحين بدعوات وأمنيات الأرامل وأمهات الشهداء، التي تحفهم ومتسلحين كذلك بصمود رجالهم المرابطين في الخنادق وفي الجبهات، وقبل هذا وذاك متسلحون بإيمانهم بالله عز وجل وثقتهم به وبنصره، فهم يحملون في ثنايا صدورهم الحق الذي تكفل سبحانه وتعالى بعزته وجلاله أن ينصره ولو بعد حين.

إن ثقتنا بقادتنا وبوفدنا المفاوض كبيرة، لا حدود لها، بل تكاد تلامس عنان السماء، وواثقون بالنصر وبتحقيقهم لتطلعات الجنوب واستعادته لدوره ومكانته التي يستحقها على الأقل في هذا الوقت، وفي هذا الظرف الصعب بالذات كخطوة لأبد من المرور بها، والوصول إليها على طريق استعادة الدولة والحرية والاستقلال الذي يقودون شعبهم إليه، وعندنا ثقة مطلقة بإمكانات وبقدرات وبملكات قادتنا في جدة ومطمئنون إلى تحقيقهم النتائج التي يرجوها منهم شعبهم، وكيف لا نثق ولا نطمئن ومن يتفاوض على مستقبلنا قائدنا الرئيس عيدروس ومعه زملائه؟ وكيف لا نثق ونطمئن وفينا رجال دولة يديرون شؤوننا باقتدار، ويواجهون التحديات؟ وكيف لا نثق ونطمئن ومن يقف خلف هؤلاء جميعاً وخلف المشروع الذي يحملونه شعب بأسره؟ وكيف لا نثق ونطمئن ومعنا وعد رب العالمين بنصر الحق وبإزهاق الباطل مع إدراكنا أن للباطل حزباً وللشر مريدين كثر لن يوقفهم شيء في صراعهم مع الحق، وأن الشيطان وإن تقمص هيئات البشر وتجسد في صور من يحملون رايته في جدة ويضعون العراقيل أمام إنجاز الاتفاق فإن حزب الباطل وتحالف الشر؛ بل والشيطان نفسه سيهزم أمام حاملي راية الحق وعدالة القضية التي يجسدها أولئك الفتية الذين خرجوا معظمهم أو جميعهم منذ وقت مبكر لمنازله الشيطان في أكثر من جبهة وعلى أكثر من صعيد ولم يهزمهم أو يتمكن منهم أو حتى يحبطهم أو يثنيهم عن تحقيق هدفهم، وكانوا حينها قلة، فكيف وقد أصبح للحق الذي هم قادة لوائه وحاملو رايته اليوم جيش وأتباع وحتى حلفاء، وأصبح له مؤسسات وإدارات ومراكز دراسات بالتأكيد لن يهزمهم الشيطان اليوم في جدة أو غير جدة، ولن ينال منهم ومن مشروعهم.

إن الثقة في القيادة أضحت اليوم أمراً مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، ومسألة أن نبتعد عن كل ما يسيء لهذه الثقة سوى بقصد أو بدون قصد من قبل أولئك الذين تصدر منهم بعض الكلمات هنا أو هناك، وإن انطلقت في معظمها من الحرص والقلق غدت ضرورة ويجب توقفها؛ فمنها ينسل الشيطان ويحصل على بغيته ولنترك قيادتنا هناك يعملون بهدؤ إذ لم يبقَ لهم غير خروج الاتفاق إلى النور الذي بالتأكيد سيكون في مصلحة الجنوب والذي سيؤسس لمرحلة جديدة ومفصلية في تاريخ حياة شعبنا، فعندما يثق الناس بقادتهم تستطيع القيادة أن تبدع وتذهب نحو تحقيق الهدف بثبات، وكلما كان الاتجاه نحو الهدف بلا ضغوطات وبدون حرق للمراحل كلما كان الوصول للهدف أكثر أماناً وبأقل الخسائر، وهذا ما حصل ويحصل فعلاً في جدة، وما تسعى قيادتنا إلى تحقيقه.

فالجنوب لم يعد يحتمل مغامرات غير محسوبة ولا مدروسة بقدر ما هو بحاجة اليوم لأن يلملم أوراقه ويعيد ترتيب صفوفه ويعزز مكامن القوة وسد أماكن النقص والحفاظ على ما تحقق للجنوب من مكاسب ومن انتصارات على الأرض على طريق استعادته لدولته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى