اليمن منطقة صراع.. لماذا تحتاج روسيا إلى قاعدة عسكرية في أفريقيا؟

> فيكتور سوكيركو

> تنامت القوة العسكرية الروسية، بعد نجاحها في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كاد يهزم أمام الغرب، إلا أنه اكتسب القوة بفضل الدعم الروسي. وتجدر الإشارة إلى أن دور روسيا في سوريا، جعل العديد من الدول تولي المزيد من الاهتمام بالقوة العسكرية الروسية.

على سبيل المثال، تُحاول الصين تكوين صداقات مع روسيا، في خضم تنامي الدور الروسي على الصعيد السياسي والعسكري. كما تُعتبر فنزويلا روسيا حليفا رائعا، في محاولة لضمان الدعم العسكري وتعزيز موقف الرئيس مادورو، الذي عبر في العديد من المناسبات عن معارضته للولايات المتحدة وصداقته مع روسيا.

في السنوات الأخيرة، تطورت شراكات روسيا في التعاون العسكري التقني مع العديد من البلدان. لذلك، أصبح من المألوف أن يكون لدى روسيا أصدقاء. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستان أرشانج تواديرا أنه يدرس بجدية إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بلاده. وأكد أنه فور انتهاء القمة الأفريقية في سوتشي، التي عقدت يوم 23 أكتوبر، عرض أشانج أراضي بلاده على بوتين لبناء قاعدة عسكرية.

مع ذلك، لم يكن اقتراح بانغي مفاجئا، نظرا لأن جمهورية أفريقيا الوسطى في أكتوبر سنة 2017، تقدمت بطلب للتعاون العسكري والسياسي مع روسيا. كما تلقت مساعدة روسية في شكل أسلحة، على غرار بنادق كلاشينكوف، وبنادق موسين من طراز 1944. علاوة على ذلك، ذهب مدربون روس إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لتدريب الأفراد العسكريين المحللين على التعامل مع الأسلحة. وفي الصيف الماضي، ذهب 30 جنديا روسيا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى كجزء من مهمة للأمم المتحدة.

وتجدر الإشارة إلى التلميحات ببناء قاعدة عسكرية روسية في جمهورية أفريقيا الوسطى، بدأت العام الماضي. وفي الوقت الراهن، أعلن الرئيس تواديرا عن ذلك، مؤكدا على حاجته في أن يطلب من روسيا مساعدة عسكرية إضافية لبلاده. وفي هذا الإطار، يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن مثل هذه المقترحات تجاه موسكو، تنامت بشكل كبير في السنوات الأخيرة من قبل ممثلي دول "القارة السمراء"، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى.

في نوفمبر سنة 2017، توجه رئيس السودان عمر البشير إلى روسيا، من أجل لقاء بوتين واقتراح فكرة مماثلة. ووفقا للزعيم السوداني، الذي تجمعه علاقات خلاف مع الغرب، يمكن أن تكون لموسكو قاعدة بحرية مفيدة للغاية على البحر الأحمر، على سواحل مدينة بورتسودان. وآنذاك، تحدث رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني في السودان، الهادي آدم حامد، عن الموضوع نفسه. وأكد آدم حامد أن السودان مستعد لنشر قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، نظرا لأن ذلك من شأنه أن يساعد على "محاربة التهريب وتجارة الرقيق".

في هذا الصدد، أكد آدم حامد أن مناقشة ذلك لا تتم مع الرئيس بوتين وإنما مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو. ومن الواضح أنه كان يعني أنه تمت مناقشة بعض التفاصيل العملية لمثل هذه المبادرة الأفريقية غير المتوقعة. وفي ذلك الوقت، تطرقت وسائل الإعلام الروسية إلى هذا الموضوع خلال العديد من المناسبات. لكن، بالنظر لبعض الأحداث في تلك الفترة، فضل الكرملين الامتناع عن التوسع العسكري المغري في البحر الأحمر.

في الحقيقة، من المرجح أن يكون ذلك نتيجة التكاليف المرتفعة للقاعدة العسكرية الروسية حميميم في سوريا، بالنسبة للميزانية الروسية. والمثير للاهتمام أنه من خلال بورتسودان، كان سيكون من الممكن لروسيا الوصول بسهولة إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، مما سيخدم المصالح الروسية بشكل أكبر.

ماذا سيحدث لاقتراح جمهورية أفريقيا الوسطى المقترح على الكرملين في الوقت الراهن؟

صرح المحلل السياسي، ألكسندر زيموفسكي، قائلا: "تشهد أفريقيا في الوقت الراهن، ذروة الوجود العسكري الأجنبي". وحتى الآن، نشرت 13 دولة أجنبية قواتها في بلدان مختلفة من القارة السمراء. والجدير بالذكر أن فرنسا هي الدولة الأجنبية الأكثر حضورا من حيث الوجود العسكري، إذ يتواجد حوالي 8000 جندي في أفريقيا. أما الولايات المتحدة، فتنشر قواتها في 34 نقطة في القارة الأفريقية.

بناء على ذلك، تضم أفريقيا العديد من القواعد العسكرية أو ما يسمى ببؤر الاستيطان. وتعتبر النقطة الأكثر اكتظاظا بالقوات الأجنبية هي القرن الأفريقي، حيث تتواجد 11 قاعدة عسكرية أجنبية. كما يوجد أفراد عسكريون أجانب في أفريقيا الوسطى من فرنسا والولايات المتحدة. وفي الوقت الراهن، يتم تمثيل روسيا في هذا البلد الأفريقي من قبل شركة عسكرية خاصة ومجمع خدمات لوجستية عسكرية صغيرة.

في الواقع، يثمل الوجود العسكري الأجنبي في أفريقيا، للسلطات المحلية بالإضافة إلى العديد الأمور من الأخرى، هو مؤسسة مربحة لتأجير الأرضي. وعلى سبيل المثال، تتلقى جيبوتي أكثر من 300 مليون دولار سنويا، مقابل الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها.

في الإطار نفسه، تتواجد في دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأفريقي مستعمرات فرنسية سابقة، حيث تنشر فرنسا قواعدها العسكرية نتيجة اتفاقات عسكرية ثنائية. وفي هذه الحالة، يتعلق الأمر بالحفاظ على النظام الأمني في بلد ما، إذ توفر فرنسا الأمن لهذا البلد الأفريقي، مقابل تحقيق مصالحها الاقتصادية.

في شأن ذي صلة، قد ينقل أصحاب القواعد العسكرية نزاعاتهم وخلافاتهم السياسية إلى أفريقيا. فعلى سبيل المثال، تتنافس الصين والهند في أفريقيا. ومن جهتها، تستخدم الإمارات العربية المتحدة إريتريا كقاعدة لعملياتها العسكرية في اليمن. أما الأمريكيون، فيقومون بعمليات دون طيار وتدريبات عسكرية وغيرها من المهام العسكرية في البؤر الاستيطانية في أفريقيا، علما وأن تحاول حجب ذلك بالعمليات الإنسانية. وعلى العموم، تقوم الجهات الأجنبية في أفريقيا بتطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية ونقل الأفراد العسكريين.

في السياق نفسه، يعتبر أنه لوجود روسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى مبرر قانوني، نظرا لأنه لدى الروس تفويض من الأمم المتحدة بتقديم مساعدة عسكرية إلى سلطات هذا البلد، لتدريب الأفراد العسكريين. كما أن مسألة القاعدة العسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى، لم تظهر للمرة الأولى. ففي بداية سنة 2018، أعلنت بانغي عن ذلك.

عموما، لا تعتبر موسكو دخيلة أو جديدة فيما يتعلق بالشؤون الأفريقية. وحتى الآن، توجد 19 اتفاقية حول التعاون العسكري مع أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي الحقيقة، تمثل القارة الأفريقية في الأمم المتحدة من خلال 54 دولة، مما يعني أن دول القارة السمراء، يمثلون قوة رائعة لدعم الطرق الدبلوماسية الروسية المتعددة في الشؤون الدولية. وعلى العموم، لن يصوت ممثلي الدول الأفريقية ضد مصالح الكرملين.

بالإضافة إلى ذلك، لا تملك روسيا ماضيا استعماريا مع أفريقيا. في المقابل، لطالما جمعتها مع أفريقيا علاقات تحالف وتعاون. نتيجة لذلك، ينظر إلى روسيا في العديد من الدول الأفريقية كقوة لن تسمح للمستعمرين السابقين بالعودة. لذلك، سيكون من الغباء لدى روسيا تجاهل المقترحات المعقولة والواعدة، المقترحة من قبل بانغي.

في المقابل، يبقى السؤال المطروح، هو هل سيكون لروسيا القوة الكافية للحفاظ على قاعدة عسكرية، تعتبر ضرورية للغاية من الناحية السياسية والإستراتيجية؟ مع الأخذ بعين الاعتبار بأن تدريب العسكريين الأفارقة وتزويد الجمهورية بالبنادق، يختلف كثيرا عن إرساء قاعدة عسكرية كاملة.

في الحقيقة، أظهرت النفقات في سوريا في الحميميم وفي القاعدة البحرية في طرطوس أن الأمر مكلف للغاية بالنسبة لوزارة الدفاع الروسية. وفي هذا الصدد، ستكون إقامة قاعدة في القارة الأفريقية، أمرا معقدا في محتواها وبنائها وفيما يتعلق بمسافتها بالنسبة لروسيا. وعلى سبيل المثال، للحفاظ على القاعدة العسكرية الأفريقية المحتملة، يجب توفير قاذفات إستراتيجية من طراز توبوليف 160، التي تعتبر مكلفة للغاية. وفي الوقت نفسه، تبلغ المسافة من موسكو إلى بانغي حوالي 6000 آلاف كيلومتر. علاوة على ذلك، ليس لدى جمهورية أفريقيا الوسطى الإمكانية للوصول إلى البحر، مما يعني أنه يجب تسليم مركبات مدرعة لأنظمة الدفاع الجوي، جوّا.

في الوقت الراهن، ليس لدى الجيش الروسي إمكانية لتفريق مكوناته العسكرية في جميع أنحاء العالم، مثلما يفعل الأمريكيون، علاوة على أن القوات الروسية في الوقت الراهن، ليست تلك القوات نفسها في عهد الاتحاد السوفييتي، عندما كان بإمكانه القيام بمثل هذه المهام بسهولة. ومع ذلك، من غير المرجح أن ترفض روسيا مقترح بانغي، وستقبل وجودها العسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما ستقدم معدات عسكرية إضافية لبانغي. وعلى العموم، لا تعد أفريقيا غريبة على الروس. بالإضافة إلى ذلك، توجد منافسة شرسة بين العديد من الدول على مجالات النفوذ الأفريقية. لذلك، من المستحسن الاستثمار في جمهورية أفريقيا الوسطى.

"سفابودنايا براسا" ترجمة: "نون بوست"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى