روسيا والخليج العربي.. أهداف تكتيكية ومصالح متبادلة

> داليا يسري

> في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل جبهة مشتركة تضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد إيران، ترى روسيا في المتغيرات الموجودة على خارطة السياسات الخارجية لدول الخليج العربي فرصًا متزايدة لأجل تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة. وفي مسافة بين زيارتين تفصل بينهما اثنا عشر عامًا، تؤكد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية على الدور الجديد الذي تعتزم روسيا الاضطلاع فيه باعتبارها لاعبا جيوسياسيا قويا ليس فقط في المملكة إنما في شبه الجزيرة العربية ككل.

ومن المعروف أن دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لطالما احتلت مكانة رائدة لدى الدول الكبرى، وهذا الأمر كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تتفهمه بوضوح خاصة منذ أن تلقت درس 1973، في أعقاب حرب تحرير سيناء، وكيف أسهم الدور الذي لعبته المملكة في التأثير على مسار الحرب. ومنذ ذلك الحين، استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في الاعتماد على المملكة باعتبارها حليفًا موثوقا به في الخليج العربي لعقود، إلا أن أي مسافة بين حلفاء قد تسمح بمرور شركاء آخرين جدد.

ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرأى ومسمع من العالم، ودعا السعوديين لشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس- 400، في حالة توافر الرغبة لديهم لأجل الدفاع عن أنفسهم مقابل أي هجمات خارجية. كان هذا في أعقاب الهجمات الإيرانية على المنشآت النفطية السعودية أرامكو، التي يرى محللون أن إيران اتجهت بعد تضييق الخناق عليها، إلى الخوض في مغامرة توجيه ضربة إلى أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، حتى يعلم حلفاء الولايات المتحدة في الخليج أن واشنطن لن تورط نفسها أبدًا في حرب عسكرية مع قوة بحجم إيران لأجل الدفاع عنهم!

وفي البداية، تناثرت الأحاديث عن مدى فاعلية الأسلحة الأمريكية التي تعد السعودية هي أكبر مستورديها على مستوى العالم. وكيف أن السعودية عجزت عن صد هذه الهجمات مع ملاحظة وجود هذا القدر الكبير من الأنظمة الدفاعية الأمريكية لديها.

وفي الحين الذي برزت فيه التساؤلات عن مدى فاعلية الإجراءات، التي تستعد الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخذها في حالة تعرض أحد أهم حلفائها في المنطقة للهجوم. يبدو أن المملكة رأت في الموقف الأمريكي المتخاذل والمتردد إزاء هذه الهجمات، مبررا قويا لأجل إعادة النظر في الدعائم التي تقوم عليها سياساتها الخارجية بوجه عام.

نجح بوتين خلال زياراته الأخيرة للسعودية والإمارات، برفقة وفد كبير من مسئولي التجارة والأمن والدفاع، في إتمام صفقات ثنائية تتجاوز قيمتها أكثر من ملياري دولار، بعدد يزيد عن أكثر من 20 اتفاقية. ومما لا شك فيه، أن التقارب بين روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات، باعتبارهما أهم صديقين للولايات المتحدة بالمنطقة، يعكس خطوات تكتيكية لتحقيق أهداف المصالح الإقليمية للسعودية. فلقد أسفرت الزيارة عن توقيع الدولتين اتفاقيات في قطاع الطاقة والتكنولوجيا والثقافة والاستثمار، ومن قبل كان صندوق الاستثمار الروسي المباشر قد فتح أول مكتب أجنبي له بالسعودية، كما أن روسيا، وكما ذكرنا سالفًا، قد لفتت الى رغبتها في عقد صفقات لبيع منظومة الدفاع الصاروخي (إس- 400) للسعودية، بما يؤكد على رغبة روسيا في ملء الفراغ الذي ترتب على التعامل الأمريكي المتراخي مع قضايا تلقي بظلالها على مسائل حيوية مثل أمن الخليج وتوفير حماية ملاحية للسعودية والإمارات في مواجهة الخطر الإيراني.

وبالنظر إلى جدول أعمال زيارة بوتين الأخيرة، يمكن ملاحظة الدور الفاعل الذي تعتزم روسيا الاضطلاع به في المنطقة، فقد تضمنت زيارته معالجة لمجموعة واسعة من قضايا الأمن الإقليمي بدءًا من الخليج وصولاً إلى سوريا واليمن. كما سعت روسيا خلال الزيارة، إلى إحراز عدة أهداف ترتبط بسياساتها في المنطقة، منها الملف السوري خاصة في ظل ما صرح به الرئيس الروسي من قبل حول توقعاته بقيام السعودية بلعب دور نشط في سوريا، إلى جانب الفاعلين الآخرين هناك مثل تركيا وإيران. هذا فضلاً عن رغبته في محاولة إقناع السعودية بتسهيل عودة دمشق الى الجامعة العربية. حيث تمثلت مهمة موسكو الرئيسية في إقناع السعودية بتبني الفكرة، بما يتبعه اعتراف إقليمي بعودة سوريا إلى رحاب الجامعة العربية، وأمرًا كهذا من شأنه أن يحقق اعترافًا دوليًا ولو حتى جزئيًا بحكومة الأسد.

وفي هذا السياق، تميل روسيا إلى الدفع بمشروع خاص بالترويج لتأسيس منظمة خاصة بالحفاظ على أمن الخليج، تستهدف روسيا من خلالها تقليل الوجود الأمريكي في المنطقة. كما تحاول أن تلعب دور صانع السلام في المنطقة والتوسط بين السعودية وإيران. فضلاً عن رغبتها في إبراز دورها في حل المشكلات الناشئة وتقديم عدد من السياسات التي ربما تساعد في التخفيف من إمكانات الصراع وتسوية الأزمات الحالية، والتي لا تنطوي فقط على تدخلها لحماية النظام السوري فحسب، بل التوسع والتوسط في أزمات أخرى كذلك.

وختامًا، من المستبعد أن تحل قوى دولية أخرى محل الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها حليفا لأكبر دولتين في الخليج العربي، ولكن هذا لا يمنع أن تقوم علاقات صداقة وطيدة بين روسيا وكلاً من السعودية والإمارات -على مستوى مقارب- لما تربطهم من علاقات بالولايات المتحدة. بحيث يأتي هذا التقارب في إطار تنويع العلاقات الخارجية وتحقيق المنفعة المتبادلة لكل الأطراف، وهو ما يبدو جليًا فيما يربط بين روسيا والإمارات على وجه التحديد من علاقات تقوم بشكل رئيسي على الاستثمارات المتنوعة. مما يعني أن العلاقات الأمريكية بدول الخليج لا يمكنها أن تمنع بروز دور روسي نشط وفاعل للغاية في ذات المنطقة.

"المرصد المصري"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى