الأطفال والاستخدام السلبي للتقنيات الحديثة

> تقرير/ خالد بلحاج:

> أدهشني ذلك الفتى الصغير وهو يتمايل مع نغمات أغنية صاخبة تتردد من جهازه النقال "الحديث" الذي كنت أحلم باقتناء مثيل له لِما يحمله من مواصفات رائعة وخدمات إضافية ومميزة وسعة خزن كبيرة، لكن ثمنه الباهظ يمنعني حتى من الحديث عنه أو الدخول في معاملة مع صاحب أي محل لبيع مثل هكذا أجهزة.
بقى ذهني مشدوداً مع ذلك الفتى الذي التقى صديقاً له فطلب منه أن يرسل إليه بعض الأغنيات عبر خدمة (البلوتوث)، تلك الخدمة الرائعة والمجانية، واعداً رفيقه بالمقابل أن يرسل له ما لديه من جديد، وبدأت المقايضة بضغطه زر قبول واستلام، إلى هنا أكملت طريقي دون أن أعلم فحوى الأشياء التي قد تم تبادلها.

استخدام سلبي
هذه الحادثة قد لا تكون غريبة عند الكثير منا، فالأمر طبيعي ومن حق أي أحد أن يمتلك ما يشاء ويتعلم ويسمع ما يريد؛ لكن ما يدعونا للقلق هو امتلاك تلك التقنيات الحديثة من قِبل شرائح قد تسيء استخدامها مما يؤثر على علاقتها ومستقبلها، فالجميع اليوم يرى تلك الأجهزة وتلك الخدمات بيد أطفال ومراهقين تحمل بداخلها بدايات الانحراف والانحطاط الخلقي للبعض والشواهد والقصص على ذلك كثيرة ومتنوعة.

"الأيام" استطلعت آراء العديد من المواطنين ونخبة من المجتمع حول هذه الموضوع، وكانت معظم أرائهم تؤكد طغيان الاستخدام السلبي لهذه الأجهزة.

يقول لـ "الأيام" صادق مكرم، وهو مهندس إلكتروني: "هذه الأجهزة الحديثة ذات المواصفات وجدت لفائدة الإنسان وهو من يحدد استخدامها، أما عن بعض الحالات السلبية الموجودة هنا وهناك فهذا يتبع التربية والبيئة المحيطة، وقد تحدث مثل هكذا حالات بسبب الإهمال وغياب الرقابة الأسرية فأنا كأب مسئول عن متابعة ومراقبة أبنائي وتفتيش أجهزتهم والسؤال عن تصرفاتهم وعن أقرانهم وبمن يلتقون ومع من يمشون، فهذه أساسيات التربية الصحيحة، أما عن الأجهزة الحديثة فلا أعتقد أن امتلاكها خطر يهدد الأطفال أو المراهقين إذا كانت تخضع لِما ذكرت".

موضوع مثير للقلق
ويضيف نايف يسلم، صاحب محل لبيع الهواتف النقالة: "أنا وبحكم عملي أصادف العديد من الحالات الغريبة، فالانفتاح الذي شهده مجتمعنا يثير القلق خصوصاً مع وجود هكذا تقنيات وأجهزة تحمل ميزات مجانية، فاليوم هنالك شباب صغار في سن المراهقة يتسارعون لاقتناء هذه الأجهزة".
وقال لـ "الأيام": "إن ما تحمله هذه الأجهزة أو ما يطلبه هؤلاء هو الأحدث من برامج ومقاطع فيديو مختلفة ونغمات عجيبة جداً قد نقابله نحن بالرفض، لكن هنالك من يوفره لغرض كسب المال والانتفاع من دون أن يفكر بعواقب العمل".

وحمّل يسلم الأسرة مسؤولة عمّا قد يلحق بالطفل أو ما قد يؤدي إلى انحرافه، لتركه ينشأ ويتفاعل مع كل ذلك من دون رقابة أو توجيه، كما حمّل الأجهزة الحكومية جزءاً من تلك المسؤولية أيضاً؛ لعدم قيامها بواجبها كباقي البلدان والتي تخصص كثيراً ما تهتم بأجهزة الرقابة والمتابعة وكذا أجهزة مكافحة الجريمة الأخلاقية.

ضحايا لدلال غير مدروس
فيما يستشهد عبدالله سالمين، وهو صاحب محل آخر، بحادثة وقعت معه قبل فترة قصيرة فيقول: "قبل عدة أيام حضر أحد الآباء ومعه ابنته التي اصطحبها معه لغرض شراء جهاز نقال حديث المواصفات كهدية نجاح لكونها أنهت الدراسة الابتدائية!، اختارت الفتاة جهازاً حديث المواصفات مع ذاكرة عالية القدرة والخزن، حينها بادرت بتقديم بعض الإرشادات للأب بخصوص هذا الجهاز وأنه يحوي ميزات تفوق قدرة واستيعاب سن هذه الفتاة قد يوقعها في متاعب غير متوقعة، ولكن فاجأني بالإجابة بالقول: أنت بائع وليس لك الحق بالتدخل بمثل هكذا أشياء".

ويضيف: "بعد أن أخذ الجهاز توجهوا إلى محل آخر لغرض تحميله بعض النغمات التي عرفت فيما بعد أن هذه الفتاة طلبت أغاني لمجموعة مطربين ومطربات وسط مباركة الوالد، وهذه عينة من عشرات الحالات التي نمر بها".
وهذا يعني أن الحدث والمراهق هو ضحية لكل تلك الأشياء أولها عدم الاهتمام بحجة الدلال غير المدروس.

"لابد من رقابة"
فيما قال صالح علي، وهو متزوج وله أربعة أبناء: "بما أننا في مجتمع غير متكامل من الناحية الثقافية والفكرية فقد تشكل هذه التقنيات وهذه الأجهزة مصدر قلق جراء سوء الاستخدام من قِبل البعض منا، هنالك شريحتان مهمتان يجب متابعتهم باستمرار أولهم شريحة الأطفال والمراهقين الثانية شريحة النساء؛ لكونها المدرسة النموذجية لإعداد الأسرة وبالتالي إعداد المجتمع، ومن وجهة نظري الشخصية فهذه الأجهزة وجدت للحاجة المعمولة لأجلها، وهي الاتصال، وأي حالة غير ذلك هي بطر وترف ليس غير.. وهذا سيؤدي لسوء الاستخدام باستعمال بعض الخدمات المجانية التي قد تفتح عالماً آخر أمام أعين المراهق الذي يسكن مع عائلة قد تتأثر بهذه الأشياء بشكل غير مباشر، فالأغاني وغيرها وسيلة لإسقاط الشباب وإبعادهم عن مقومات الدين الحنيف وبالتالي إسقاط المجتمع، ولهذا لابد أن تكون هنالك رقابة صارمة على مثل هكذا أشياء تبدأ من مراقبة الشركات المستوردة ومراقبة الأسواق، وعلى الأهل أيضاً المتابعة المستمرة، أما فيما يخص المدارس فيجب منع أجهزة الهاتف المحمول في المرحلة الابتدائية وإيجاد قانون خاص يحدد استخدام بعض الأجهزة في المدارس المتوسطة والإعدادية فليس من الضروري أن يكون جهاز الطالب حديث وبميزات جديدة يكفي أن يكون للاتصال فقط".

من جهته، يرى ماجد محمد (بكالوريوس هندسة) أن التقنيات الحديثة والعلوم المتقدمة ليست هي المؤثر أو الخطر الكبير الذي يهدد شريحة المراهقين أو الأطفال؛ بل يحمل الأهل والآباء بخصوص هذه المخاطر التي قد تسبب انحرافهم وبالتالي انحراف المجتمع.
ويشير في حديثه لـ "الأيام" إلى أن توفير مثل هذه التقنيات لابد أن يكون مدروساً مسبقاً ولابد أن تكون هنالك رقابة دائمة وفحص دوري لجهاز الهاتف النقال من قِبل الأهل.

زيادة الأعباء المادية
فيما قال الباحث الاجتماعي، عبدالله علي، معلقاً على هذا الموضوع: "الموبايل تقنية تستخدمها كافة طبقات وفئات المجتمع، ومنها الأطفال، وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي سخرتها لخدمة الإنسان هناك أضرار كثيرة، أقلها زيادة الأعباء المادية على رب الأسرة الذي سيكون مسئولاً عن توفير بطاقات التعبئة، ومن ناحية أخرى يُساء استخدام بعض الخدمات خصوصاً انتشار ظاهرة التحرش بالفتيات وبالعكس، وإزعاج الآخرين لغرض اللهو وتسلية وحسب".

وأوضح في حديثه لـ "الأيام" بأن سبل الردع لمثل هكذا ظواهر يجب أن تبدأ من البيت، ثم تنتقل للمجتمع الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته بهذا الخصوص، كما يجب على الجميع ترسيخ ثقافة الالتزام بالأخلاق الحميدة بين مختلف الشرائح الاجتماعية لاسيما الأطفال والمراهقين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى