آفاق رحبة لتحقيق تطلعات الجنوبيين وإحلال السلام في اليمن

> عبدالكريم أحمد سعيد

> مرت خمس سنوات عجاف من الحرب الدائرة في اليمن، دفع ثمنها باهظا الشعب اليمني والجنوبي معا، وراح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى؛ بمن فيهم أطفال ونساء وشيوخ من الأبرياء، إضافة لما خلفته الحرب من معاناة نفسية وإنسانية، إلى جانب الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية منذ بداية الحرب عام 2015، كل ذلك بسبب عنجهية وتسلط النظام القبلي الاستبدادي المتخلف، الذي لا يرى سوى نفسه لحكم البلاد والعباد بالحديد والنار، لتحقيق مصالحه وأطماعه، مستخدما وسائل التضليل السياسي باسم الدين والوحدة، وعسكرة الحياة المدنية، لضمان البقاء في سدة الحكم، لنهب خيرات وثرواته البلاد، والعبث بالممتلكات العامة على حساب الشعب الغلبان، الذي يكتوي بنار الجوع والحرمان، إضافة إلى تعميق الفتنة الطائفية والقبلية والحزبية، التي يغذيها حكام صنعاء لإشعال الصراعات والحروب الداخلية، واستثمارها لتحقيق مكاسب سياسية وثراء غير مشروع، وما نشاهده من نماذج ماثلة على مدى سنوات طويلة في اليمن خير دليل على ذلك.

لقد استمر حكم صالح ما يقارب 35 عاما، كانت نهايتها أكثر بشاعة، بل كارثية على الشعب اليمني، لتحالفه مع الحوثيين وتسليمه القوة العسكرية والأمنية لـ "أنصار الله"، لتصفية حساباته الشخصية مع قوى سياسية أخرى شاركت في إزاحته عن سدة الحكم، حيث عاش علي عبدالله صالح طوال سنوات حكمه على التناقضات السياسية والقبلية، مستخدما سياسة "فرق تسد" و "الترغيب والترهيب"، وكانت عبارته المشهورة الرقص على رؤوس الثعابين، فلدغته أقرب الثعابين التي رباها داخل منزله، والمثل يقول "من حفر حفرة لأخية وقع فيها".

دخل اليمن في دوامة الحروب الطائفية، عندما استخدمت إيران جماعة الحوثيين لتحقيق أهدافها في المنطقة، لمحاولة إحكام سيطرتها على مضيق باب المندب وخليج عدن، لتضييق الخناق على المملكة العربية السعودية، والتحكم بأهم الممرات الدولية كما رسمت لها طهران، وعندما بدأ الحوثيون وعفاش تنفيذ هذا المخطط، سرعان ما أدركت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، فكان الرد صاعقا وقويا لعاصفة الحزم ثم الأمل، التي دعمت لوجستيا المقاومة الجنوبية في التصدي للعدوان الحوثي العفاشي لعدن، ولاقت ترحيبا وتجاوبا صادقا من الجنوبيين ممثلا بالمقاومة الجنوبية، والتي تسمى اليوم "بالنخب والأحزمة الأمنية" يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي لمحاربة الحوثيين والإرهاب معا، لتثبيت الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، والعاصمة عدن، والوقوف إلى جانب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتأمين المنطقة من الإرهاب والتهديدات الإيرانية.

المؤسف أن الشرعية اليمنية ظلت خلال الخمس سنوات الماضية مخترقة من قبل حزب الإصلاح "فرع الإخوان المسلمين باليمن" الذي سيطر على قرارها، وحرف مسارها لخدمة قوى إقليمية معادية للتحالف العربي تعمل لصالح إيران، في محاولة لإفشال التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة في معركة مصيرية، ولم تحقق فيها قوات الشرعية اليمنية أي تقدم يذكر باتجاه صنعاء ضد الحوثيين، وظلت قواتهم جاثمة في نهم ما يقارب خمس سنوات من الجمود والخذلان للتحالف العربي.

في الوقت الذي نال الجنوبيون بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ثقة التحالف العربي، عندما أثبتوا مصداقيتهم على أرض الواقع، من خلال الانتصارات الكبيرة التي حققتها المقاومة الجنوبية على جميع الجبهات العسكرية والأمنية مع الحوثيين، وفي مواجهة عناصر الإرهاب والتطرف أيضا، حيث أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي شريكا فاعلا مع التحالف العربي، والمجتمع الدولي، في التصدي للأطماع الإيرانية واجتثاث الإرهاب من المناطق الجنوبية، واليمن بشكل عام، لتأمين المنطقة وحفظ الأمن والسلم الدوليين في أهم الممرات الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

لهذا السبب حرصت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المدعومة دوليا، لحل الخلافات الناشئة مؤخرا بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية في المناطق المحررة والعاصمة عدن، من خلال دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز لعقد الحوار في جدة، وذلك حفاظا على استمرار التحالف بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى جانب التحالف العربي، في مواجهة الحوثيين واستعادة الشرعية اليمنية للعاصمة صنعاء، وعودة الأمن والاستقرار للمناطق الجنوبية المحررة، من خلال استبدال حكومة الفساد السابقة التي كان يسيطر عليها حزب الإصلاح، بحكومة تكنوقراط جديدة، يمارس المجلس الانتقالي والتحالف العربي الرقابة الكاملة عليها إلى جانب الرئيس هادي، وتوجيه الجهود العسكرية باتجاه تحرير العاصمة صنعاء، للضغط على الحوثيين بالجلوس على طاولة المفاوضات مع الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية أممية وبمشاركة قيادة التحالف العربي، لإيجاد حلول سلمية شاملة لأزمة اليمن شمالا وجنوبا.

إن اتفاق الرياض جاء لإنقاذ الشعبين في الجنوب والشمال، لإخراجهما من دوامة الحرب، ومن حافة الانهيار والمجاعة، وذلك بفضل الجهود العظيمة التي بذلتها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده محمد بن سلمان والإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ خليفة بن زايد والأمير محمد بن زايد آل نهيان حاكم أبو ظبي حفظهم الله جميعا، إضافة إلى الجهود الدولية التي دفعت وشجعت كل الأطراف لإنجاح هذا الاتفاق المبارك نحو تحقيق السلام العادل والشامل بما في ذلك حل القضية الجنوبية بما يرتضيه الشعب في الجنوب، وتحقيق تطلعاته المشروعة في استعادة الدولة الجنوبية بنظام فيدرالي جديد، يتعايش مع الاشقاء في الجمهورية العربية اليمنية ومع الجيران والإقليم، ويحافظ على المصالح الدولية والإقليمية في هذه الرقعة الحيوية الحساسة من العالم، ليسود الأمن والاستقرار في المنطقة. كل هذا يعتمد على مدى تطبيق اتفاق الرياض والالتزام بتنفيذه من قبل ما يسمى بالشرعية اليمنية، التي سرعان ما تنقض تعهداتها مع الجنوبيين والتجارب كثيرة ابتداء من اتفاق الوحدة عام 1990م، ومرورا بوثيقة العهد والاتفاق الموقعة في الأردن عام 1994م وغيرها من الاتفاقات التي انتهت بالفشل.

"السياسية" الكويتية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى