استقالة السفير الميسري في الميزان

> ليس غريبا ان يلجئ سفير دولة ما الى تقديم استقالته من منصبة لاسباب هو مقتنع بها. ولكن الغريب هو ان يقدم سفير يمني استقالته من منصبه، باعتبار ذلك لم يحدث من قبل، ويسجل بها سابقة جريئة في تاريخ الدبلوماسية اليمنية!
 
في حقيقة الأمر فان دوافع تقديم السفراء لاستقالاتهم تاتي عادة على خلفيات مواقف سياسية، تفرضها قناعاته احتراما لنفسه ولمبادئة وتاريخه، أكانت مواقف تعود لأخطاء في سياسية بلده الداخلية او الخارجية او تعود لتجاهله وعدم الأخذ برأيه إن لم يكن تهميشه، وبالذات في تلك الأمور المتعلقة بعلاقة دولته الثنائية مع بلد الاعتماد.

هذا ما لمسناه خلال العام الحالي 2019م، من حيث ان عدد من الإستقالات تمت منها لسفراء دول عظمى، ونالت اهتمام كبير في وسائل الاعلام ، من اهمها :
 - استقالة سفير بريطانيا لدى الولايات المتحدة، ''كيم داروك''، وذلك بعد تصاعد الجدل بشأن رسائل بريد إلكترونية مسربة، ينتقد فيها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويطالبه بالاستقالة.
- استقالة السفير الأميركي لدى روسيا ''جون هانتسمان '' بسبب الاضطرابات التي شهدتها العلاقات الأميركية – الروسية خلال فترة اتسمت باتهامات التجسس والفضيحة المتعلقة بتدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الأميركية، وانتهاء معاهدة الأسلحة النووية المتوسط، والنزاع المستمر في الشأن الأوكراني.
- استقالة السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي جورج ساند لاند، وتقديم شهادته أمام التحقيق الذي يقوده الديمقراطيون ضد ترامب ،قائلا إنه "اتبع أوامر الرئيس" بالعمل مع رودي جولياني المحامي، الذي كان بدوره يدفع أوكرانيا لفتح تحقيقين قد يساعدان ترامب في حملة إعادة انتخابه.
- استقالة السفير الاردني منذر الخصاونة، قائلا في كتاب استقالته 'لا يشرفني العمل تحت إمرة من لا يحترم أبناء الوطن ويميز بينهم بالباطل ويتعسف باستعمال صلاحياته.

وها نحن اليوم أمام استقالة السفير اليمني نبيل خالد الميسري المعتمد لدى المملكة الاسبانية .. وهنا تاتي المفارقة، كون تقديم استقالته لم تكن على خلفية سياسية، وانما كانت على خلفية الفساد المستشري في اروقة ديوان وزارة الخارجية اليمنية. وهذه الخلفية باعتقادي انها اشد فتكا من الخلفية السياسية، كونها تتطلب إلى جراءة وشجاعة نادرة الامتلاك. كاشفا في مسببات استقالته اسماء رموز الفساد في وزارة الخارجية والمقدر فسادهم بمئات الملايين من الدولارات فضلا عن التعيينات الوهمية في البعثات والديوان.

وهنا اتوقف عند استقالة الزميل نبيل خالد الميسري وخاصة في ظل الوضع اليمني. إذ يرى الكثيرون ان مثل هذا المنصب هو مغنم يجب الاستفاده منه قدر المستطاع، ولكن من يعرف سعادة السفير نبيل خالد الميسري فهو يرى غير ذلك.

 السفير نبيل خالد الميسري عرف عنه اعتزازه بكفائته وتاريخه ووطنيته. فهو من اشد محاربي الفساد، وهو صاحب رأي في المواقف السياسية المشهود له تبنيها، وعدم تردده في قولها في مكانها وموقعها الطبيعي ... وله السبق في كشف بؤر الفساد في وزارة الخارجية وهو نائب لوزيرها حتى عام ٢٠١٦م. وما اسباب استقالته من منصبه كسفير لدى المملكة الاسبانية إلا امتداد لموقفه في محاربة الفساد عندما ما كان نائب لوزير الخارجية والذي تم التخلص منه بسبب موقفه ذلك. وها هو مستمر في محاربة الفساد حتى وهو في الخارج. وبعد كشفه للفساد في ديوان الخارجية وبعض البعثات، سطر مخاطبا رئيس الدولة ''حفاضا على تاريخنا المعروف للجميع لا يشرفني أن استمر بوظيفة سفير لليمن في مملكة اسبانيا، وعليه اتقدم باستقالتي اليكم ''.

استوقَفَتْنِي في استقالته قوله''' لا يشرفني ان استمر بوظيفة سفير لليمن ،واتقدم باستقالتي '' هذا القول هو قمة الكبرياء والاحترام للذات والتاريخ. هذا هو سعادة السفير الأصيل الكفؤ الذي عرفناه في سابق عهده في وزارة الخارجية وفي المحافل الاقليمية والدولية. فبدلا من ان يكون السبق لشلة الفساد في الخارجية، بادرهم هو في قول كلمة الحق في وجههم. مدركا بان تحركهم ماهو الا إعاقة له من دور قادم يكون له اليد في كشفهم.

في الوضع اليمني اليوم انهارت الدبلوماسية اليمنية بإنهيار الدولة وفقدت مصداقيتها بين الامم. ولم توفق الدولة اليمنية في اختيار وزير لخارجيتها يملئ موقعه.
نقف تضامنا مع سعادة السفير نبيل خالد الميسري ابن عدن، السفير المخضرم في الدبلوماسية اليمنية

التحية من القلب للاخ السفير نبيل خالد ميسري اين ما كان، ولكل الزملاء الشرفاء ممن حكم عليهم بسياسة ''خليك في البيت في صنعاء وعدن والخارج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى