قصة قصيرة.. الجنّية العاشقة

> سالم فرتوت

>
 أي والله كانت جنية، روعتنا تلك الليلة وليالي بعدها! تتسلق شجرة المريمر التابعة لذلك البيت الواقع على الطريق العام.

كان بيتاً عتيقاً من الطوب، ملحقة به حديقة مسورة بأسلاك وشباك حديدية وبالقش، ولسنا نعلم من أول من اكتشف وجودها في قريتنا التي قيل لنا أنها كانت  مخزنا للجن قبل أن يستوطنها آباؤنا! وإن أحداً ما كان ليجرؤ على المرور وسط أدغالها بعد المغرب.

لكن الحديث عن الجن خفت بعد أن دخل التعليم الحديث إليها فبرادة الحديد التي يشدها المغناطيس من الثرى لم تعد شعر الجن، كما كنا نعتقد، وكاد يخرس نهائياً رغم رواسب في النفس تنبعث بين الحين والآخر. وها هي تطفو على السطح، والدليل عودة تلك الجنية التي تقمصت هيئة صبية في الثالثة عشرة من عمرها. تسلقت الخبيثة شجرة المريمر مرتدية ملابس عجيبة تأخذ ألوانا وأشكالاً شتى!
تشتتنا ونحن نجري، يردد الليل وقع أقدامنا المذعورة. طاردتنا الجنية أو ذلك ما خيل لكل واحد منا.

كنا نجتمع هنا كالعادة على هامش الرصيف الإسفلتي حيث تقبع عربة خشبية مقلوبة، قد غاصت جوانب هيكلها و يجلس بعضنا على سطحها الحديدي الصدئ، وبعضنا الآخر يفترش الأرض.. نلعب الورق، أو نتبادل أحاديث شتى. نسهر حتى ما بعد منتصف الليل.. كنا أكثر من خمسة عشر شخصاً، من أعمار ومهن مختلفة. فينا المدرس العلماني والمشتغل بالصحافة وكاتب الحسابات وطلاب الجامعة، وشباب يتناولون القات مع بدء الليل حتى الفجر.

المهم أنه ما من أحد استطاع أن يثبت لتلك العفريتة إلا شفيق (ذو السابعة عشرة عاماًٍ)، لكننا لم نعرف ذلك منه، وإنما كشفه لنا آخر.. فإن تلك الجنية مجنونة بشفيق. إيه ويا لها من جنية تمنى كثير منا، فيما بعد، لو خصته هو بعشقها! كانت تتعمد إبعادنا عن المكان لتتمكن من الانفراد بمحبوبها هي الجنية العاشقة التي تبدو بسبب طول قامتها أنها أكبر من بنت 13سنة بسنتين.

فررنا تلك الليلة وليالي أخر بعدها. والجنية كما نما إلينا تضحك ساخرة منا. قالت لمحبوبها: (فزعتهم آبا ما صدقت ألا يناموا أهلي على شأن أخرج معك وهم بايمسوا هنه  لما الصبح).
إيه يا بنت الجنية فعلتها فينا ليلة وثانية وثالثة!. قالت: "صدقوا أن جنية تظهر في بيتنا وسويت نفسي ذيك الجنية ألبس فوق ثيابي ثياب جدي وعمامته خليها فوق رأسي كما الكود".

وتضاحكت هي وشفيق، شفيق الهادئ الخجول الذي هامت به منذ فترة، واتفقت وإياه على تمثيل دور الجنية على أن يحدثهم عن الجنية التي طاردته البارحة! وتنقلت على الشجرة من غصن إلى آخر كالنسناس حتى تبلغ الأغصان المتدلية على الطريق فتلقي بنفسها على الرصيف. ثم تنهق كالحمار فتخور كالبقرة وتنبح وتضرب الأرض برجليها.. ويهتف شفيق الجنية. وآه لو رأيت الجمع وهم يتشتتون هاربين مذعورين من الجنية المزيفة! بينما تمضي هي وحبيبها باتجاه الحقل القريب من ذلك المكان، تحت ضوء القمر الأخضر يتبادلان الحب! وبحثت الجنية الصغيرة عن حيلة أخرى تجعل لقاءها ممكناً، بشفيق، بعد أن انكشفت حيلتها الاولى.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى