آهات حزينة وحروف دامعة بين يدي العام الجديد

> عام وراء عام وسنين تجر وراءها سنين والشعوب العربية تدور في حلقة مفرغة، سنين من الجدب الثقافي والسياسي والاجتماعي اختزلت فيه النخب المارقة والفاسدة الأوطان في ذواتها وحواشيها، وفصلت أثواب الوطنية على مقاساتها.. نخطو خطوة للأمام وما نلبث أن نعود عشر خطوات للخلف.. تفتحت مداركنا ونحن صغار في مدارسنا ونحن ننشد ونغني: " وطني وطني.. فيه سكني، فله روحي.. وله بدني".

شدونا بأعلى أصواتنا الطفولية البريئة التي كانت لا تعرف غير طاعة الله، ثم حب الوطن، ورددنا أبيات عبدالله هادي سبيت:

عليك مني السلام *** يا أرض أجدادي

ففيك طاب المقام *** وطاب إنشادي

عشقت في السمر *** ونفحة الكاذي

والليل لما اعتكر *** والسهل والوادي

خطرت هذه الأناشيد على مخيلتي وأنا في طريقي إلى كريتر، فإذا بالعسكري يعترض الحافلة الصغيرة ويمنعنا من دخول كريتر من اتجاه المول لنذهب باتجاه صيرة بمحاذاة مستشفى عدن التي دخلت في ترقيد إجباري غامض لا يعرفه إلا أرباب المسالخ البشرية الخاصة التي تسمى مستشفيات مجازا في عرف المتاجرين بآلام الإنسان وعذاباته.

وصلنا خط صيرة والمعاشيق وهناك برز لنا عسكري صبي آخر فسمح لنا بالمرور بعد حوار محبط وممل، وهناك وصلنا الجوازات، وما أدراك ما الجوازات؟ الجوازات وجيش من السماسرة، وسيل من البشر وكلهم مغادرون هذا الوطن الذي وهبناه أرواحنا ونحن صغار بحسب الأنشودة السابقة.

أجل أيها الأحباب في رؤيتي لمشهد الجوازات تذكرت قول سبيت: ففيك طاب المقام.. وطاب إنشادي.

تذكرت طفولتنا الجميلة وما نسجناه في مخيلاتنا من صورة جميلة للوطن، وكنت لحظتئذٍ اقرأ تقريراً لمنظمة الهجرة عن الأعداد المهولة والخيالية لطلبات اللجوء التي يتقدم بها اليمنيون للمنظمات والسفارات الأجنبية في القاهرة وغيرها، والعجب العجاب أن كثيراً ممن يطلبون حق اللجوء هم من نخبة المارقين واللصوص من الوزراء والسفراء وحواشيهم والمطبلين لهم ممن سلخوا جلد الوطن وانتفخت كروشهم من النهب فصاروا يمتلكون الفلل والفنادق الفاخرة في عواصم الدنيا الصاخبة، والغلابى والمسحوقون لا يجدون شربة ماء في عدن المسكينة المثخنة بجراح المراحل كلها، وفي صنعاء العاصية الماكرة التي أشعلت النار يوما ما فصارت الآن تحترق بها وتحرق المغلوبين على أمرهم من الفئة الصامتة الخانعة والمستكينة.

تذكرت ما كنا نتلقاه في المدارس عن حركات التحرر والثورات ضد الاستعمار، وتذكرت ما كان يستغفلنا به حكامنا في الوطن العربي عن النضال والتاريخ والجهاد، وكيف أنهم سيحرقون تل أبيب في خطبهم النارية، ويتحسر بعضهم أن الصدفة وضعت وطنه بعيداً عن جغرافية تل إبيب، ولو منح قطعة أرض مجاورة ينطلق منها لأحرق الصهاينة، لنتفاجأ أن كثيراً من هؤلاء الأوغاد يحرقون شعوبها ويضيعونها ويضيعون معها، وما عفاش عنكم ببعيد، وتبقى إسرائيل المستهدفة في أمان تتلذذ بالنظر إلينا ونحن يقتل بعضنا بعضا في مشرق العرب ومغربهم، حتى كأن التاريخ يعيد نفسه في ماراثون آخر لداحس والغبراء وحرب البسوس في ثوب حداثي للصراع والتناحر أكثر فضاعة وأشد تدميراً.

يا عامنا الجديد عُد من حيث أتيت، فلسنا من المكرمسين، فلن نشعل الشموع، ولن نطلق الألعاب، فنفوسنا مترعة بالأسى، ومهجنا ضامئة منكسرة عليلة.

يا عامنا الجديد كيف نحتفل ودمشق حاضرة الدولة الأموية قد طمسها وكسا وجهها الوجوم والظلام؟ وكيف يستغفلنا المكرمسون لنحتفل وحسناوات حلب ودمشق وتهامة وصنعاء وطرابلس مشردات معروضات في أسواق النخاسة؟

كيف نحتفل وأسماك دجلة والفرات تتغذى من جثث العراقيين النشامى بدلا مما كان العراقيون يتلذذون بها؟

كيف نحتفل ووطن العرب الأول (اليمن) قد صار مقبرة كبيرة واسعة لأبنائه، وقد دقوا بينهم (عطر منشم)، على حد قول زهير بن أبي سلمى.

أخبرني أيها الآتي من خلف حجاب الشمس والطالع من وراء الأفق عن احتفالات الأغبياء والمضللين بك؟ وما الذي تحمله لهم غير التجويع والتشرد والموت والدمار والمتاجرة بعذابات الإنسان.

كنا نبكي فلسطين فصارت فلسطين تبكينا، وكنا نخشى الصوملة فصارت الصوملة تخشى اليمننة والعرقنة.

يا إلهي أي بلاء فادح حل بخير أمة أخرجت للناس؟ ففي الهند وفي كثير من أصقاع الأرض تتعدد الديانات والملل، فذاك يعبد البقرة، وذاك يعبد الفأر، وآخر يعبد الشمس، لكن بلا نزاع ولا قتال، ولا شيء يشغلهم غير البناء والتنمية والرقي بالحياة وقيمها الجميلة، وفي المقابل نستورد نحن كل أسلحة الفتك والدمار لنجربها على بعضنا البعض نحن الذين ليس لنا دين غير الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هم يعلّمون السجين، وكلما قرأ السجين كتابا خففوا عنه العقوبة، ونحن نستقطب المجرمين من السجون، ونجندهم لقتل قادة الفكر وقراء الكتب.. آه يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

رباه هذه آهات وتسابيح ودموع وحروف حزينة نفثت بها روح مغبونة بلسان كل المقهورين في وطننا العربي المثخن بالجراح فداوها وخفف وجفف دموعها، وعجل بفجر يبدد هذه الظلمات المدلهمة وسلام بلا ختام لجرحنا النازف طويلاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى