البحر الأحمر وهيكلة نظام إقليمي جديد.. الحوثي أكبر التحديات

> أحمد عسكر

>
إنَّ المبادرات الإقليمية بشأن تأسيس إطار عمل متعدّد الأطراف في البحر الأحمر يضمّ الدول المُطِلَّة عليه تحت مظلَّة واحدة من شأنه مناقشة كافة القضايا التي تتعلق بتحقيق أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر والتي لم تغب طوال العقود الماضية؛ فقد كان مثار اهتمام كافة الفاعلين الإقليميين الأساسيين المعنيين بالبحر الأحمر منذ خمسينيات القرن الماضي؛ حيث سبق أن قدمت مصر والسعودية أكثر من ست مبادرات منذ عام 1956م. إضافة إلى بعض المبادرات الأخرى مثل مبادرة اليمن في سبعينيات القرن الماضي، ومبادرة إريتريا التي طرحت رؤية خاصة بمنتدى للتعاون في البحر الأحمر في عام 2008م. إلا أنه لم يتم تفعيل أيّ منها لأسباب عديدة لا محل لذكرها في هذا المقام.

إلى أن انطلقت مبادرة جديدة تعود إلى 2017م؛ حيث استضافت القاهرة في ديسمبر من العام ذاته الاجتماع الأول للدول العربية والأفريقية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتوالت الاجتماعات ما بين القاهرة والرياض خلال العامين التاليين إلى أن استضافت الرياض اجتماعًا لوزراء خارجية الدول المشاطئة للبحر الأحمر في أوائل يناير 2020م؛ توصلت خلاله الدول الثماني (مصر، السعودية، السودان، الأردن، اليمن، إريتريا، جيبوتي، والصومال) إلى اتفاق بشأن توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن في 6 يناير 2020م.

ويُعد هذا المجلس الوليد بمثابة مبادرة للتنسيق والتعاون، ومنظومة عمل مشتركة. وإن كان لم يتَّضح بعدُ طبيعة هذا الكيان وآلية عمله، وكيفية التنسيق بين الدول الأعضاء، إلا أنه قد تم الإعلان عن اجتماع تستضيفه القاهرة خلال الفترة المقبلة لمناقشة شكل التعاون وآلياته، فضلًا عن قمة مرتقبة لقادة الدول الأعضاء المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن ستدعو إليها السعودية من أجل التوقيع على ميثاق تأسيس المجلس؛ بحيث يدخل حيز النفاذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تصديق أربع دول على الأقل عليه. وقد تم الاتفاق على أن يكون مقر المجلس في الرياض، وأن يكون أول أمين عامّ له من السعودية.

ويستهدف تأسيس هذا الكيان نحو 12 هدفًا؛ تتمحور حول تعزيز التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والبيئي والأمني بين دول المجلس. ويتمثل أبرزها في: رفع مستوى التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف السياسية بينها، وتوثيق التعاون الأمني؛ للحدّ من المخاطر والتهديدات التي يتعرّض لها البحر الأحمر.

أضف إلى ذلك: تعزيز أمن وسلامة الملاحة البحرية، والحيلولة دون أيّ تهديد يواجهها أو يعرّضها لأية مخاطر؛ مثل: الحروب والقرصنة، والتهريب، والهجرة غير الشرعية.
كما يستهدف تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز الاستثمارات بين الدول الأعضاء. وتعزيز النقل البحري، وحرية حركة البضائع والخدمات بينها. علاوة على تعزيز التعاون بين الموانئ البحرية على طول ساحل البحر الأحمر، وتنسيق التعاون بينها. وفتح قنوات التواصل مع الدول غير المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن، وغيرها من المنظمات الإقليميَّة والدوليَّة؛ بهدف التعاون في حمايته من المخاطر المهدِّدة لأمنه واستقراره.

وفي ضوء ذلك، تجدر الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين؛ أولاهما أنّ الدول الثماني المُؤَسِّسة للكيان الناشئ إنما تُعبّر بذلك عن المفهوم الجغرافي للبحر الأحمر في نطاقه الضيق إلى جانب إسرائيل التي تمّ استبعادها وعدم دعوتها إلى الاجتماع. في حين أن المفهوم الجيوسياسي يتجاوز ذلك النطاق الجغرافي الضيّق بحيث يُوسّع دائرة الفاعلين في المنطقة؛ ليضم فواعل إقليمية ودولية عدَّة، تلك التي ترتبط بمصالح سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية هناك. وهو ما يمكن أن يُمثّل عقبة في طريق تعزيز دور هذا المجلس في المستقبل.

أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن البحر الأحمر قد أضحى مسرحًا للتنافس الإقليمي والدولي؛ نظرًا لأهميته الإستراتيجية المتزايدة، وهو ما أدّى إلى تزاحم العديد من القوى الدوليّة والإقليميّة من أجل بسط النفوذ والهيمنة وإيجاد موطئ قدم لها هناك. هذا إلى جانب أنه يقع ضمن حزام إقليميّ متأزّم يشهد المزيد من الصراعات والتوترات التي تجعله أكثر تأثرًا بها. فهو يُعدّ بمثابة نظام إقليميّ فرعي ضمن إقليم الشرق الأوسط، ويقع ضمن إطاره الجيوسياسي إلى جانب مناطق أخرى؛ مثل منطقة الخليج العربي ومنطقة حوض النيل ومنطقة القرن الإفريقي. ومن ثَمَّ، ليس ببعيد عن منطقة المناورات وخط الأزمات والمواجهات بين القوى المتناحرة في البقاع الملتهبة في الشرق الأوسط؛ إذا لزم الأمر. الأمر الذي يُعزّز من أهمية توقيت الإعلان عن تأسيس كيان إقليمي جديد يضم الدول المُطِلَّة على البحر الأحمر لحماية مصالحها وتعزيز حضورها الإقليمي في المنطقة.

أولًا: دوافع التأسيس
تتصاعد وتيرة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط مع تزايد التوترات والصراعات الإقليمية، ربّما تدفع في أيّ مرحلة من المراحل إلى حالة الصدام؛ بما يترتب عليه انفجار المنطقة التي تشهد العديد من الأزمات؛ والتي من أبرزها: انتشار الإرهاب، وتهديدات بعض الكيانات الإرهابية التي تعمل كذراع عسكري لصالح بعض القوى الإقليمية في المنطقة. الأمر الذي يشكّل تهديدًا لأمن البحر الأحمر باعتباره يقع ضمن النطاق الإقليمي للشرق الأوسط. وهو ما كشف عن ضرورة وجود كيان إقليمي تنضوي تحت لوائه دول البحر الأحمر؛ لمواجهة تلك التحديات الراهنة والمستقبلية التي تنتظرها المنطقة. ومن ثَمَّ فهناك عددٌ من الدوافع التي دفعت إلى تأسيس مجلس الدول العربيَّة والإفريقيَّة المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن، تتمثل فيما يلي:
- حماية حركة الملاحة البحريَّة: تبرز أهم أهداف إنشاء الكيان الجديد في حماية حركة الملاحة والتجارة الدولية، خاصة في ظل التهديدات المتنوعة التي تواجه أمن البحر الأحمر، وفي ضوء التخوّفات من أية عرقلة للملاحة الدولية بما يُعطّل مسار التجارة الدوليَّة لا سيما النفط إلى دول أمريكا وأوروبا وآسيا. ومن ثَمَّ فإنَّ مجابهة تلك التهديدات، بالإضافة إلى التنسيق مع بعض القوى الدولية المتمركزة في مضيق باب المندب من شأنه التصدّي لأية تهديدات محتمَلة خلال الفترة المقبلة.

- أمن البحر الأحمر: يُمثّل أمن البحر الأحمر مسألة معقَّدة في ضوء التزاحم الدولي والإقليمي هناك، وتنامي التوترات التي تشهدها بعض دول المنطقة وفي الجوار الجغرافي.
ومع تزايد أهميته كممرّ مائيّ مُهِمّ للتجارة والملاحة الدولية؛ تسعى الدول المُطِلَّة على البحر الأحمر -من خلال هذا الكيان- إلى تشكيل قوة ردع لأية تهديدات محتملة في البحر الأحمر يمكن أن تتسبب في زعزعة الاستقرار الإقليمي؛ خاصةً أن بعضها يمتلك قوة عسكرية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي مثل مصر.

- التهديدات الإيرانية: ففي ظل تزايد التوتر القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على خلفية مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في بغداد، تبرز المخاوف من تهور إيراني وإقبال على عمليات تخريبية في البحر الأحمر، وتهديد أمنه؛ من خلال ذراعها في المنطقة (جماعة الحوثي في اليمن)؛ الأمر الذي يمثل تهديدًا للمصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية لدول البحر الأحمر لا سيما دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وهو ما يمكن أن يجرّ المنطقة إلى مواجهة عسكرية متعدّدة الأطراف ستكون لها تداعياتها على الجميع.

- مواجهة تغلغل بعض القوى الإقليمية في القرن الأفريقي: يمكن أن يمثل تأسيس هذا الكيان "نواة" لتنسيق وموقف جماعي ضد تحركات بعض القوى الإقليمية التي تستهدف تقويض الأمن القومي العربي والأفريقي لدول البحر الأحمر، وأضحت تمثل تهديدًا لمصالحها في المنطقة. ومن ثَم، يمكن اعتبار هذا الكيان خطوة قوية نحو تعزيز ملكية الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وقوة ردع ضدّ أيّ قوى طامعة في زعزعة استقرار وأمن البحر الأحمر.

- دوافع اقتصادية بحتة: يمثل البحر الأحمر بكلّ ما يحتويه من إمكانيات ثروة مُهدَرة لم تستغلها الدول المشاطئة عليه الاستغلال الأمثل. فالبلدان التي تطل على البحر الأحمر تُشكل كتلة بشرية واقتصادية مهمة، خاصةً أنَّ بعض التقديرات تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول يتجاوز تريليون دولار، في نفس الوقت هناك طاقة بشرية وسوق إقليمية كبيرة تتجاوز 233 مليون نسمة يمكن استغلالها. ممَّا يعني أن تأسيس هذا الكيان يمكنه أن يضاعف من فرص التنمية والفوائد الاقتصادية لكافة دوله الأعضاء. كما يمكن ربط اقتصادات دول البحر الأحمر بعضها البعض؛ مما يسهم في تعزيز التنمية في المنطقة. وإن كان ذلك يتطلب تحقيق معادلة ثنائية الأمن والتنمية في المنطقة للتغلب على التحديات القائمة، وتحقيق كافة الأهداف المرجوّة.

- مجال للتعاون العربي الأفريقي: فمن شأن هذا الكيان الجديد أن يدفع بقوة نحو إطار مشترك لتعاون عربي أفريقي موحد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية في البحر الأحمر. وأن يكون قاطرة نحو تكامل عربي أفريقي شامل وحقيقي يعيد من جديد صياغة وتشكيل العلاقات العربية الأفريقية في ضوء التحديات التي تواجه الطرفين؛ والتي تستوجب المُضِيّ قُدُمًا نحو مزيد من التعاون والتنسيق لمجابهتها.

- ملء الفراغ: حيث تفتقر منطقة البحر الأحمر إلى كيانات إقليمية ترسّخ التعاون الجماعي، وتسهم في تعزيز أمن المنطقة وتعظيم مصالح دولها، وتعزيز نفوذها وحضورها الإقليمي. ومن ثم جاء تأسيس مجلس دول البحر الأحمر بمثابة سدّ للفراغ في تلك المنطقة التي تشهد تزاحمًا إقليميًّا ودوليًّا للسيطرة والنفوذ على الموارد.

ثانيًا: تعزيز التعاون في البحر الأحمر.. فرص وتحديات
يحمل تأسيس الكيان الجديد العديد من التمنيات فيما يتعلق بمستقبل العلاقات العربية الأفريقية خلال المرحلة المقبلة، ومن ثَم فإن تعزيز التعاون في البحر الأحمر تحت مظلة كيان إقليميّ جديد ينطوي على جملة من الفرص والتحديات التي تواجهه خلال الفترة القادمة.
إن الحديث عن كيان جديد في البحر الأحمر يضم ثماني دول عربية وأفريقية يُعزّز من فرص تكريس التعاون الجماعي فيما بينها؛ من أجل التنسيق في كافة القضايا السياسية والإستراتيجية، وتعزيز التعاون الاقتصادي، وفتح مجالات جديدة للاستثمارات بين دول المنطقة؛ لاستغلال الموارد والثروات، وكذلك لمواجهة كافة التحديات التي تحدق بها وبالمنطقة في ضوء سياق إقليمي معقَّد به من التفاعلات والتحركات الدولية والإقليمية ما يهدّد أمن البحر الأحمر ودوله المُطِلَّة عليه.

كما يمكنه أن يصبح نواة وخطوة أولى نحو بناء كيان أكبر وأشمل يستهدف تعزيز التكامل والتعاون العربي الأفريقي لتجاوز كافة الإخفاقات الماضية فيما يتعلق بسبل تعزيز التعاون العربي الأفريقي، الأمر الذي ينقل العلاقات العربية الأفريقية إلى مسارٍ جديد في ضوء أُطُر جديدة تُعزّز من التواصل العربي الأفريقي.
في سياق آخر، يمكن أن يُمثل الكيان الجديد فرصة أمام الدول الأعضاء في مرحلة قادمة للتفكير في تكوين قوة عسكرية مشتركة بقيادة مصرية سعودية يكون منوطًا بها مواجهة كافة التهديدات المحتملة في البحر الأحمر، وقوة ردع تعزّز من الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن فكرة تكوين كيان إقليمي جديد في البحر الأحمر تعزز من فرص التوافق بين الدول الأعضاء مستقبلًا، وتجاوز كافة الاختلافات في بعض وجهات النظر والتفاوت في بعض الأهداف والمصالح المتعارضة في سبيل التعاون الجماعي لحماية المصالح الإستراتيجية لدول البحر الأحمر، وتعزيز أمنها واستقرارها للحيلولة دون أيّ تهديد محتمل.

أما على الجانب الآخر؛ فتبرز بعض التحديات التي يمكن أن تهدّد الكيان الجديد والتي منها إمكانية مواجهة المزيد من العراقيل من بعض القوى الإقليمية التي يتعارض إنشاء منظومة إقليمية في البحر الأحمر مع مصالحها، ومن ثَم تسعى إلى تقويض الفكرة ووأدها، والعمل ضد استمرارها وتنفيذ أهدافها. كما أن هناك بعض القوى التي ترفض أن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية إسلامية خوفًا من السيطرة على البحر الأحمر، ومن ثَمَّ تهديد مصالحها في المنطقة.

كما يشكل تزايد التنافس الدولي والإقليمي في البحر الأحمر تحديًا كبيرًا في ظل الحضور المتنامي للقوى الدولية والإقليمية؛ (مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، فرنسا، تركيا، وإسرائيل)، وتصاعد فكرة عسكرة البحر الأحمر؛ من خلال التوسع في إقامة القواعد العسكرية والسيطرة على الموانئ البحرية ممَّا يشكل تهديدًا لدول المنطقة.

وتعتبر جماعة الحوثي -ذراع إيران في اليمن والبحر الأحمر- إحدى أبرز التحديات والتهديدات للمصالح العربية والإفريقية في البحر الأحمر، في ضوء تهديداتها المستمرة للملاحة البحرية والتجارة الدولية في الممر المائي المهم.
كما يمكن أن تشكل بعض الدول الحبيسة في الجوار الجغرافي المباشر للبحر الأحمر تحديًا أمام الكيان الجديد، في ظل رغبتها أن تكون جزءًا أساسيًّا في المعادلة الإقليمية بالمنطقة؛ من خلال الانضمام والالتحاق به، لكنها تواجه عائقًا يحول دون ذلك في ضوء إصرار بعض الدول المؤسِّسَة للمنظومة الإقليمية الجديدة على أن يكون أمن البحر الأحمر مسألة خاصة بالدول المُطِلَّة عليه بالأساس دون غيرها، الأمر الذي يعني ضمنًا عدم قبول انضمام أيّ دولة من خارج النطاق الجغرافي الضيق للبحر الأحمر.

ثالثًا: مستقبل الكيان الجديد
يبدو أننا بصدد رسم معالم نظام إقليمي ناشئ في المنطقة في ظل المساعي الإقليمية نحو تأسيس إطار عمل يستهدف حوكمة البحر الأحمر؛ وإن لم تظهر ملامحه كاملة حتى هذه اللحظة. إلا أنه يمكن وضع تصور محتمل حول ماهية الدور المنوط بهذا الكيان الجديد خلال الفترة المقبلة؛ حيث تتمحور فلسفة العمل فيه حول ثلاثة محاور رئيسية:
المحور الأول يتمثل في الاجتماعات الدورية لمناقشة كافة القضايا العالقة، وتحديدًا في حالة اندلاع أية تهديدات عسكرية وأمنية في المنطقة أو ضد أيّ دولة من الدول الأعضاء؛ من أجل التباحث حول سُبُل صدّ العدوان والحيلولة دون استمراره.
بينما يذهب المحور الثاني إلى اعتباره ساحة للتفاوض بين الدول الأعضاء بشأن القضايا الخلافية في البحر الأحمر، وكذا في حال الخلاف مع القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في البحر الأحمر في ضوء تعقيدات البيئة الإقليمية في المنطقة.

بينما يكمن المحور الثالث في معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل جذري؛ كونها تُمثّل أبرز القضايا التي تواجه دول البحر الأحمر لا سيما الدول الخليجية؛ مع تزايد أعداد المهاجرين بالآلاف من منطقة القرن الأفريقي واليمن إلى منطقة الخليج العربي.
وفي ضوء أننا نعيش في ظل سياق إقليمي شديد التغيُّر والتقلّب في منطقة الشرق الأوسط؛ يظل مستقبل المنظومة الإقليمية الجديدة في البحر الأحمر محفوفًا بالمخاطر في ضوء بعض التحديات القائمة التي يمكن أن تهدد كيانه.

لعل أبرز تلك التحديات هي مشكلة العضوية؛ فالمجلس الجديد يضم فقط الدول الساحلية المُطِلَّة على البحر الأحمر دون غيرها، بالرغم من أن هناك العديد من القوى الدولية والإقليمية المنخرطة هناك، يحكمها منطق المصالح الإستراتيجية، وهو ما دفع البعض إلى تدشين المفهوم الجيوسياسي للبحر الأحمر الذي يتسع ويتجاوز المفهوم الجغرافي الضيّق في ضوء تعدُّد المصالح وتصاعد التكالب الدولي والإقليمي على المنطقة.

الأمر الذي يمكن معه التنبّؤ في المدى المتوسط على الأقل ببعض من المرونة من جانب الدول المُؤَسِّسة بخصوص القبول بعضوية متعدِّدة المستويات، والتي من شأنها انضمام قوًى جديدة إلى الكيان الناشئ؛ مما يعني تعديل شكله بإمكانية التحاق دائرة ثانية تضم دول الجوار المباشر المؤثرة في المنطقة، والتي لها مصالح إستراتيجية في البحر الأحمر. إضافة إلى انضمام دائرة ثالثة تضم القوى الدولية والإقليمية المؤثرة من خارج المنطقة. إلى جانب النواة الرئيسية المتمثلة في الدول الساحلية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن. الأمر الذي من الممكن أن يترتب عليه تعزيز أُطُر التعاون الجماعيّ على كافة المستويات، وتقارب الرؤى الخاصة بكافة قضايا البحر الأحمر المتعلقة بأمنه واستقراره وأمن واستقرار الدول المُطِلَّة عليه، والمساهمة في صدّ أيّ تهديدات محتملة.
"قراءات أفريقية"​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى