كيف يمكن تحييد الحرب في اليمن عن التداعيات الإقليمية؟

> ألكسندرا ستارك

> بدا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن البريطاني، مارتن جريفيثس، مرتاحًا في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن، مشيرًا إلى أنه حتى بعد الضربة الجوية الأميركية التي قتلت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، "يبدو أن الأزمة المباشرة قد انتهت... واليمن بقيت آمنة وبعيدة".

لقد كانت اليمن مسرحًا مهمًا ومأساويًا بشكل متزايد للمواجهة بين الحوثيين المدعومين من إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تقودان تحالفاً عسكريا في اليمن. ماذا سيحدث في اليمن بعد مقتل سليماني وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران؟ وكيف يمكن تحييد الحرب الأهلية في اليمن عن التداعيات الإقليمية؟

ظهرت أخبار في أواخر الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة استهدفت أيضًا عبد الرضا شهلائي، أحد كبار قادة فيلق القدس في اليمن. لو نجحت الضربة، لكان من شبه المؤكد أن يستجيب الحوثيون أو غيرهم من القوات المتحالفة مع إيران في اليمن، لدعوات خفض التصعيد. لكن بدلاً من ذلك، لم تنجح العملية وكان رد فعل إيران مقتصراً على العراق. ومع ذلك، من غير المرجح أن تكون الغارة الجوية قد جعلت قيادة الحوثيين في مزاج تصالحي.

إسماعيل قآني، الذي شغل منصب نائب سليماني لعقود من الزمن، سرعان ما تم تعيينه كرئيس لقوة القدس خلفا لسليماني، وبعد عقود من العمل ضمن "فيلق القدس" من غير المرجح أن ينحرف قآني عن النهج الإيراني المتمثل في استخدام الوكلاء للانتقام لمقتل سليماني.
في الوقت نفسه، هناك سبب للأمل في أن اليمن يمكن أن يتجنب التصعيد المدعوم من إيران. ولكن تجنب جولة أخرى من التصعيد في الحرب الأهلية في اليمن سيتطلب مشاركة نشطة من الولايات المتحدة والجهات الإقليمية الفاعلة.

الوضع الهش في اليمن
بعد مرور عام على موافقة ممثلي الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على وقف محدود لإطلاق النار كجزء من "اتفاق استوكهولم"، لم يتحقق تقدماً ملموساً يذكر في تنفيذ الاتفاقية: مدينة الحديدة، منطقة الميناء محور الاتفاقية، ما تزال أخطر مكان في البلاد للمدنيين. وبالمثل، فإن اتفاق الرياض، الذي سعى إلى تصحيح الانقسام بين الحكومة الشرعية والانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة، متعثر ويواجه "خطر الانهيار التام".

ومع ذلك، قبل بضعة أسابيع فقط، كانت هناك أسباب تدعو إلى التفاؤل بحذر لأنه بعد سنوات من المفاوضات الفاشلة، ربما يكون تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن قد انتهى. فاغتيال سليماني يوحي بتراجع الوضع الهش ووقفه. في حين أن العراق ما يزال الساحة الأكثر احتمالاً للانتقام الإيراني من الولايات المتحدة وشركائها، في الوقت الذي يرى المسؤولون الإيرانيون أن علاقتهم مع الحوثيين هي فقط آلية للضغط على خصومهم، عند قيامها بهجمات تنكرها هي ويتبناها وكلائها، وبالتالي قد يكون اليمن منطقة تصعيد إيراني في الأسابيع والأشهر المقبلة. وفي الواقع، أعرب الحوثيون عن دعمهم لإيران ووعدوا بالرد "بسرعة وبشكل عاجل" على الغارة الجوية التي استهدفت سليماني. وأياً كان شكل الانتقام فإنه بشكل عام يهدد بزعزعة المفاوضات الناشئة حول حرب اليمن المنسية.

ماذا سيحدث الآن في اليمن؟
تدرك إيران جيدًا أنها ستنجر أكثر من اللازم في الصراع التقليدي، وبالتالي من المحتمل أن تتجنب الحرب الشاملة مع الولايات المتحدة. بدلاً من ذلك من المرجح أن ترد القيادة الإيرانية وتهدد المنطقة عبر الأذرع التي نجحت طهران بقيادة فيلق القدس الذي كان يرأسه سليماني.

لقد اكتسب الحوثيون أهمية أكبر في إستراتيجية طهران الإقليمية في السنوات الأخيرة. يوفر قربهم الجغرافي على حدود المملكة العربية السعودية الجنوبية (لدى الدولتين تاريخ وعقود من العداوة) لإيران وسيلة ملائمة لتهديد منافسها القديم، حيث يمكن أن تضفي لها علاقة ما يسميه أوستن كارسون بالتحكم في التصعيد: من خلال الحفاظ على الإنكار المعقول، يمكن لطهران أن تشير إلى استيائها من السياسات الأميركية مع إعطاء المناوئين لها وسيلة لحفظ ماء الوجه لتجنب المزيد من الأعمال الانتقامية، مما يقلل من خطر المزيد من التصعيد. في الواقع، فإن الضربة الأخيرة على مرافق أرامكو السعودية التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها (ولكن من المرجح ارتكابها من قبل إيران) تدل على هذه الديناميكية. فقد سمح الهجوم لطهران بالرد على حملة "الحد الأقصى من الضغط" من قبل إدارة ترامب.

هناك عدة أسباب لتوقع أن تتجه طهران إلى اليمن لتصوغ ردها على اغتيال سليماني. بينما أشارت القيادة الإيرانية إلى أن ردها انتهى بعد الضربات الصاروخية على قاعدتين عسكريتين في العراق، يلاحظ المحللون أن إيران من المحتمل أن تعود إلى إستراتيجيتها "للدفاع الأمامي" المتمثلة في العمل من خلال الوكلاء للرد على ما تعتبره قيادتها عدوانًا أميركيًا في منطقة.

من شأن تصعيد هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن يسمح لإيران بالإشارة إلى استيائها من واشنطن بينما تحاول تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب تقليدية. سيكون هذا متفقًا مع إستراتيجية "الدفاع الأمامي" وسلوك طهران السابق في المنطقة، فضلاً عن ذلك قد تمكن أي ضربة أميركية مباشرة على طهران من بروز المتشددين في النظام الإيراني الذين يفضلون التصعيد الإقليمي.

وعلى الرغم من أن الحوثيين يحصلون بالتأكيد على دعم كبير من إيران على شكل دعم مادي، وكذلك المشورة والتدريب من نشطاء حزب الله على أرض الواقع، إلا أنهم ليسوا قريبين إستراتيجياً من إيران مثل الوكلاء الآخرين كـ "حزب الله". كما يشير تقرير حديث لـ "أميركا الجديدة"، "هناك القليل من الأدلة على قيادة وسيطرة الإيرانيين عليهم". إن تزويد إيران بالصواريخ وطائرات بدون طيار يشعل الصراع، لكن جذوره محلية وستختفي إذا تخلت إيران عن الحوثيين بالكامل". حتى المسؤولون الأميركيون سعوا إلى التفريق بين القيادة الإيرانية والحوثية في الأشهر الأخيرة.

ومع ذلك، هناك دلائل حذرة على أن القيادة الحوثية قد تكون مستعدة للاشتراك جنبا إلى جنب مع إيران في هذه الحالة: قبل أيام قليلة فقط من اغتيال سليماني، حذر المسؤولون الحوثيون من أن أهدافاً داخل الأراضي السعودية والإماراتية تبقى على بنك الأهداف العسكرية المحتملة، ما يشير إلى استعداد للتصعيد، وبعد ضربة سليماني، دعت القيادة الحوثية إلى أعمال انتقامية ضد الولايات المتحدة.

لكن رد فعل المنطقة على هجوم أرامكو - الذي دفع الإماراتيين إلى إجراء محادثات هادئة مع إيران والسعودية إلى التفاوض مع الحوثيين - يوفر أيضًا سببًا للأمل في أن يعمل الممثلون الإقليميون معًا لمنع التصعيد الإيراني في اليمن.

أولاً، إن الاستقلال الذاتي للحوثيين عن القيادة والسيطرة الإيرانية يمنحهم مجالًا لمقاومة الضغوط المتصاعدة، على الرغم من أن الضربة الأميركية الفاشلة في اليمن قد تؤثر على هذه الحسابات. وفي مواجهة خيارات الانتقام نيابة عن طهران، أو التحريض على عودة السعوديين إلى الحرب، أو مقاومة الضغط الخارجي، أو الحفاظ على احتمالات التوصل إلى تسوية مواتية، قد تقرر القيادة الحوثية الرهان على الخيار الأخير.

ثانيا، في حين هلل معلقون سعوديون على توجيه ضربة لخصمهم الإقليمي، حذرت المملكة علنا من التصعيد وحثت إدارة ترامب على ممارسة ضبط النفس. هذه الإشارات تدل على أن دول الخليج العربية قد تستمر في نهج أكثر حذرا وعدم المضي في التصعيد والدليل على ذلك الإجراءات التي اتخذتها في اليمن على مدى الأشهر القليلة الماضية، حيث أن دولة الإمارات العربية المتحدة والسودان بدأت في سحب قواتها من اليمن، وتتفاوض السعودية مع الحوثيين، كما أن وتيرة الغارات الجوية السعودية انخفضت بشكل كبير.

تريد كل من القيادة السعودية والإماراتية بقدر معارضتهما الشديدة للنفوذ الإيراني في المنطقة، تجنب مواجهة مباشرة مع طهران، خاصة بعد أن تكشف لها أن سياسات إدارة ترامب الخاطئة قد لا يمكنها من الحصول على دعم أميركي في مثل هذه المواجهة. بعبارة أخرى، ماتزال العوامل التي ساهمت في توجهات التحالف المتصاعدة للتخفيف من حدة التوتر قبل بضعة أشهر مهمة، حتى بعد تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

الولايات المتحدة في وضع جيد لتعزيز ديناميات خفض التصعيد في اليمن ودعم عملية السلام الناشئة هناك. أظهر تراجع التصعيد الأخير في اليمن أن الضغوط تعمل. فعلى الرغم من أن إدارتي أوباما وترامب دعمتا في البداية التدخل بقيادة السعودية، إلا أن تهديدات الكونجرس باستدعاء قانون قوى الحرب المتعلق بمبيعات الأسلحة لإنهاء الدعم المادي الأميركي للتحالف في عام 2019 أظهر هزيمة أبوظبي والرياض وفتح منعطفا جديدا في الصراع. حيث أنهى الجيش الأمريكي توفيره للتزود بالوقود الجوي للتحالف الذي تقوده السعودية بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في أواخر عام 2018، وضغط وزير الدفاع جيمس ماتيس على السعودية والإمارات العربية المتحدة للتفاوض من أجل تسوية سياسية لإنهاء الحرب في الفترة التي سبقت إلى اتفاق ستوكهولم. في حين أن بعض التصعيد يفضي إلى الاعتراف التدريجي بأن هذه الحرب لا يمكن كسبها عسكرياً. ولذلك يمكن لواشنطن - بل ويجب عليها - مواصلة الضغط على شركائها الإقليميين للتوصل إلى حل تفاوضي. ويشير تصويت مجلس النواب الأخير الذي استند إلى قانون قوى الحرب فيما يتعلق بإيران - وبيانات الأحزاب الداعمة من مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ - إلى أن الكونجرس على استعداد لمواصلة الضغط على الإدارة لتجنب التصعيد في المنطقة، حتى في خضم إجراءات المساءلة الرئاسية الجارية.

سيستمر اللاعبون في المنطقة في لعب دور حاسم في اليمن في الأسابيع والأشهر المقبلة. لقد سئم القادة السعوديون والإماراتيون من نزيف الموارد وخسارة السمعة لحرب تبدو غير قابلة للاستمرار على نحو متزايد، ما يؤكد استعدادهم لخفض تدخل التحالف. وبدعم دولي، يمكن للجهات الفاعلة الإقليمية مثل سلطنة عمان وحتى مجلس التعاون الخليجي أن تعمل كوسيط وضامن لردع المخربين المحتملين والمساعدة في تنفيذ أي اتفاق.

لكن هناك عامل آخر يعقد المسار التفاوضي في الملف اليمني حيث أعلن وبشكل مفاجئ وفاة سلطان عمان قابوس بن سعيد، الذي لعبت سلطنة عمان في عهده دوراً مهماً من وراء الكواليس في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي الإيراني، وتوسطت السلطنة في المفاوضات بين المملكة العربية السعودية والحوثيين ابتداءً من الخريف الماضي. وكان السلطان قابوس شخصية فريدة من نوعها في المنطقة حيث قدم نفسه كوسيط يتمتع بمكانة ومصداقية في اتفاقيات الوساطة بين الأطراف المتحاربة في المنطقة. أثار موته وسيناريو خلافته بعض الشكوك حول ما إذا كان أي شخص سيكون قادرا على أن يحل محله. ومع ذلك، تعهد السلطان الجديد هيثم بن طارق، الذي أدى اليمين الدستورية بشكل سريع، بمواصلة طريق قابوس الدبلوماسي. سافر قادة من جميع أنحاء المنطقة إلى مسقط لتقديم تعازيهم إلى السلطان الجديد، وتعزيز الانتقال السلمي. هذه الاستمرارية هي علامة إيجابية على أن عمان يمكن أن تستمر في لعب دور وسيط إقليمي.

أخيرًا، يجب عدم نسيان الأطراف السياسة الجهات الفاعلة اليمنية، فبينما يركز معظم التحليل الغربي للنزاع في اليمن على تدخل الطرف الثالث، فإن هذا المنظور يهمل الديناميات الأصلية التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في المقام الأول. إن التركيز على التدخل الخارجي لا يخلو من أسباب وجيهة، لأن الجهات الفاعلة الإقليمية تسببت في تفاقم الصراع بشكل كبير ومنع حل مبكر. ومع ذلك، بدأت الحرب الأهلية في اليمن نتيجة الخلاف حول قضايا محلية وتحديدا حول الحكم وتقاسم الموارد، ولن تنتهي دون حل هذه القضايا الأساسية.

بالإضافة إلى ذلك، ولدت سنوات القتال خليطًا من الميليشيات المنقسمة وأطراف محلية حاكمة سيكون من الصعب للغاية ربطها معًا في نظام سياسي متماسك وفاعل. وقد يمثل معاودة القتال المحلي بمثابة دعوة للجهات الفاعلة الخارجية للتدخل مرة أخرى، مما يؤدي إلى استئناف الصراع. لذلك من الضروري لجهود الوساطة أن تأخذ هذه القضايا المحلية في الاعتبار.

خلال القرن الماضي، كانت اليمن غالباً موقعاً هاماً للجهات الفاعلة في المنطقة لخوض معاركها. وانتكاسة الوضع في اليمن يمكن أن توفر أسسًا للتدخل في المستقبل وستعمل كمحرك لعدم الاستقرار الإقليمي، وعلى النقيض من ذلك، فإن إنهاء الحرب في اليمن سيقضي على عامل حاسم تستخدمه إيران للضغط على دول الخليج.

موقع "الحرب فوق الصخور"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى