رضيه إحسان الله عمر.. رحلت فارسة زمانها عاشقة عدن

> رضية شمشير علي

> مع بزوغ فجر الثلاثاء 14 يناير 2020، أبلغت بوفاة المناضلة رضية إحسان الله عمر، التي وافتها المينة منتصف ليلة 13 يناير 2020، عاشقة عدن الباحثة عن الوطن المفقود، في شقتها الصغيرة في منزلها بحي سواد سعوان في صنعاء، تولاها الله برحمته، لم يكن هناك مؤنس لها في وحشة الغربة غير ذكريات الماضي.

أبوبكر "هو اسمها الحركي الذي عرفت به بين أوساط فدائيي جبهة التحرير، كانت تنقل الأسلحة للفدائيين مستخدمة سيارتين". هكذا قال عنها اللواء سالم علي بن حلبوب في كتابة "من أجل استقلال الجنوب 1956 - 1967"، (الطبعة الأولى 2019)، مضيفاً: "رضية اسم ارتبط بالدور النضالي للمرأة العدنية، إبان الحقبة الاستعمارية في عدن، اسم يتبادر إلى الأذهان، تلك البطولات التي كانت تسطرها المرأة العدنية دورها المشهود له في يوم 24 سبتمبر 1962، بإنزال العلم البريطاني من على سارية المجلس التشريعي، الجروح الذي حملها جسدها لا تزال شاهدة على ذلك اليوم الخالد من تاريخ الحركة الوطنية في جنوب اليمن المحتل (ص 134)، كما ورد في التقارير البريطانية التي تم الإفراج عنها مؤخراً من قبل الأرشيف البريطاني.

عادت بي الذاكرة إلى أوائل ستينات القرن الماضي، سيارة "فيات" لونها أخضر فاتح ملك لأخي الفقيد المناضل، محمد علي شمشير، الذي هو زوج ابنة أخوها عمر، كانت الراحلة تأخذ أطفال الأسرة، لتغطية تحركاتها، الأكبر سناً في المجموعة، كنت أنا ومعي من الأطفال (فوزي وفدوى فاروق إحسان، إحسان ووفاء عمر إحسان، بحرية شمشير)، المجموعة بين (8 - 6) سنوات لم نكن نعلم حجم النشاط الذي تقوم به رضية، فرحين بالسيارة لا من يسأل ولا من يعرف إلى أين ذهبنا ومن أين أتينا؟
صافيناز خليفة، نعمة سلام، ليلى جبلي، رضية احسان الله، فتحية ناجي الصياد
صافيناز خليفة، نعمة سلام، ليلى جبلي، رضية احسان الله، فتحية ناجي الصياد

في واحدة من هذه التنقلات توجهت بنا إلى شعب العيدروس، منازل البلدية، طرقت الباب لتدلف منه شابة في الثانية عشرة من عمرها، كان المنزل لأبي الأحرار (النعمان) والشابة ذات الخمار الأسود كانت فوزية النعمان ابنته، رحمها الله.
أدركت لاحقاً حجم ما تعرضت له (المناضلة رضية إحسان الله) من ملاحقات، وسجن إبان فترة الاستعمار البريطاني مع زميلاتها صافيناز خليفة، زينب ذو الفقار، نعمة سلام وخورشيد خان اللواتي أودعن سجن عدن لمدة عشرة أسابيع

رائدة من رائدات الحركة النضالية والنسائية
أواخر أربعينيات القرن الماضي، شهدت المستعمرة عدن، نشوة جمعية المرأة العدنية، حيث جاء انتخاب السيدة رقية محمد ناصر، أم صلاح في مواجهة (نادي نساء عدن) الذي كانت ترأسه زوجة نائب الحاكم العام البريطاني، انتخبت فيها نساء يمثلن الجاليات الأجنبية، وكان نشاط النادي بعيد كل البعد عن عمل نسائي النهوض بدور المرأة في المجتمع.

ومع تأسيس جمعية المرأة العدنية، يمكن القول إنه بدأت بوادر النشاط النسوي الذي تركز في عملية محو الأمية، التعليم، التدريب والتأهيل من منظور النظام الداخلي لجمعية.
بانتصار ثورة يوليو 1952، وتعاظم المد الثوري، ونشوء وتطور حركة التحرر الوطني العربية تحت شعار "وطن واحد.. ومسؤولية واحدة".. كانت رئيستها الفقيدة ليلى الجبلي، والسكرتيرة العامة رضية إحسان الله.

تقدمت "رضية" المسيرات العمالية التي شهدتها أحياء كريتر المختلفة تأييداً لتأميم قناة السويس عام 1956، فهي عضو مؤسس لحزب الشعب الاشتراكي، ورئيس دائرة المرأة في المؤتمر العمالي
في كتابها "عدن الخالدة ميناء عالمي حر" تقول: "بدأت نساء عدن في التكتل من كل الاتجاهات السياسية تحت قيادة جمعية المرأة العربية، التي لها ستة فروع في عدن، ولكل فرع قيادة تسير النشاط وفقاً للنظام الداخلي لمدة عام أو عامين إذا اقتضت الضرورة ذلك.

ولأنها كانت مؤمنة بأهمية دور المرأة في النضال من أجل نيل الاستقلال، لم تألُ جهداً في إيلاء الأهمية للشابات من عضوات الجمعية، حيث كانت تتصدر المشهد في إلقاء الكلمات في الأحداث والمناسبات الوطنية، ومن أبرزهن الفقيدة عائدة علي سعيد، والفقيدة نجيبة عبدالله وفتحية ناجي الصياد.
تشعر بالفخر والاعتزاز وهي تعبر عن القيادات النسائية لاحقاً، جاءت بعد تهجير جمعية المرأة العربية، ألا وهي ثمرة من ثمرات جمعية المرأة وتلميذة من تلامذة هذه المدرسة الوطنية هكذا كانت قيادات ذاك الزمن الجميل.
عائدة علي سعيد، فتحية الصياد، نادرة الياس، ليلى جبلي، رضية إحسان الله، صافيناز، أنيسة هادى
عائدة علي سعيد، فتحية الصياد، نادرة الياس، ليلى جبلي، رضية إحسان الله، صافيناز، أنيسة هادى

تأثرت رضية إحسان الله بالرائدة النسائية هدى شعراوي، قائدة المظاهرات لثورة 1919م المصرية، والمتمردة على الحجاب في مصر، ومؤسسة أول اتحاد نسائي عربي.
مع الفارق في الزمان والمكان، كانت مسيرة (رضية) على نفس نهج مثلها الأعلى (هدى شعراوي) في أن حجاب المرأة ليس من الإسلام، وأن الدعوة إلى سفور المرأة ليس خروجاً عن الدين الإسلامي، وصاحب تلك المواقف الجدل لفترة من الزمن استعانت فيه بأبرز رجال الدين، آنذاك، الشيخان باحميش والبيحاني.

مسيرة السفور الأولى كانت من مقهى (كشر) إلى المدرسة الإسلامية أمام مبنى البلدية كريتر، تصدرت هذه المسيرة صافيناز خليفة، نجاة خليفة، سيدة الكاف، شفيقة عبدالكريم وبهجة السوقي، كانت معركة حياة أو موت، كان لابد أن تخوضها في التحضير لخوض الدفعة الثانية من مسيرات السافرات لتؤتي ثمارها لاحقاً.

إبداعات وهوايات متعددة
جوانب خفية من حياة الفقيدة المناضلة رضية إحسان
عرف عنها أنها مناضلة، صحفية، رائدة نسائية، قلما يجود الزمان بمثلها. ولكن هناك جوانب إنسانية خفية لديها، لا يعرفها إلا الأقربون والقلة من الصديقات.

رضية مصممة أزياء، كانت تعمل على رسم الملابس للعارضات من عضوات الجمعية في الفعاليات والأنشطة، منطلقة في ذلك من أهمية أن يكون لدى العضوة انسجام في الشكل والمضمون من حيث المظهر، متأثرة في ذلك بعارضة الأزياء المصرية آنذاك (رجاء الجداوي)، وكان نادي التنس العدني الشاهد على هذه الأنشطة إلى جانب التمثيل والغناء والمعارض والفنون التشكيلية.

كما أولت عناية واهتمام خاص للطفولة، على الرغم من أن ذلك الزمان لم يشهد تأسيس رياض الأطفال، عيد ميلاد الطفل كان يعني لها الكثير، تقوم مع العضوات بتجهيز كل ما يلزم في شراء الهدايا والألعاب التي تنمي القدرات بحسب ذلك الزمان.
عرفت مراكز الشرط في كل من التواهي، البريقة، المعلا وسجن عدن المركزي، الاستضافة الدائمة لها مع زميلاتها.
صنعاء - بعد ثورة 26 سبتمبر 1962  تبرعت الأخوات في الصورة بحليهن مباشرة للمشير عبدالله السلال، رضية احسان الله، نورا خليفة، عائدة علي سعيد، أنيسة هادي، ليلى الجبلي، صفية لقمان، عائدة غانم، عبله جعفر
صنعاء - بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 تبرعت الأخوات في الصورة بحليهن مباشرة للمشير عبدالله السلال، رضية احسان الله، نورا خليفة، عائدة علي سعيد، أنيسة هادي، ليلى الجبلي، صفية لقمان، عائدة غانم، عبله جعفر

استكانت بعد مشوار طويل من العمل السياسي، لتخوض في العقد الخامس من عمرها المجال الدراسي كطالبة في العراق، سوريا ، الاتحاد السوفيتي، البنجاب في الباكستان، طالبة مجدة ومجتهدة تناست متعمدة أن ما قدمته، هناك من سيحل محلها ليواصل المشوار.

رضية قارئة فنجان من طراز جديد
رضية إحسان الله عمر كانت قارئة متميزة لواقع حال الميناء، وعبرت عن ذلك بكلمات حملت الكثير من المعاني حول ميناء عدن كأهم وأنشط موانئ البحر الأحمر بمزاياه الخاصة
وتسهيلاته المستمرة في ذلك الزمان دون بقية موانئ البحر الأحمر، باعتباره ميناءً عالمياً حراً ومركزاً لتجارة الترانزيت، هل كانت تدرك الحال الذي وصل إليه الميناء؟!
ليلى جبلي، عائدة غانم، رضية إحسان الله، صافيناز خليفة، فتحية ناجي الصياد، أنيسة هادي
ليلى جبلي، عائدة غانم، رضية إحسان الله، صافيناز خليفة، فتحية ناجي الصياد، أنيسة هادي

قرأت واقع الحال الذي آلت إليه عدن بعناوين بارزة:

* عشوائية صرف الأراضي أضاعت عدن كمدينة وناس

* الإسكان يقضي على تناسق عدن ويدمرها

* تخطيط حضري من طراز جديد هدف إلى تدمير معالم المدينة

* التصرف بالفراغات والمتنفسات وبيعها

* في ظل العشوائية والعبث ضاعت مدينة

إنها رضية إحسان الله عمر.. الباحثة عن الوطن المفقود

عدن 2 يناير 2020م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى