حمام شرعة السياحي بلحج.. من ينبوع ساخن للتداوي إلى مزار سياحي لعشاق الفن والتراث

> تقرير/ صبري عسكر

> يقع حمام شرعة السياحي في مديرية حالمين بمحافظة لحج، وتتميز هذه المنطقة بينبوع طبي ساخن تصل درجة حرارته إلى أكثر من 80 درجة مئوية، يتدفق من جبل يسمى "المعجزة" المطل على المصيف السياحي في شرعة لتصب تلك المياه البركانية في مسابح مخصصة للرجال وأخرى للنساء.


مياه شرعة الكبريتية الجارية تعتبر علاج رباني لمعظم الأمراض الجلدية والعصبية، إذ يقصدها الزائرون استشفاءً من الأسقام التي أصابتهم والتي عجز الطب الحديث في مشافي الوطن وخارجه أن يعالجها واستعصت عليه، ويعتبرها الكثير ممن كانوا مصابين بالشلل النصفي والروماتيزم والطفح والحساسية الجلدية، هبة من الرحمن وسبباً للشفاء.

ويتميز مصيف شرعة بتوفير كل المتطلبات والخدمات للوافدين من مطاعم ومقاهٍ ومتاجر ومحال للحوم والخضروات، كما أن أهالي شرعة يمتازون بالكرم وحسن الضيافة فيتيحون للزائرين فرصة الاستجمام بالمسابح وهو ما يدفع بقاصدي المنتجع للإقامة لفترة أطول.

شفاء للأبدان وطرب للوجدان..
ولم يكن مصيف شرعة للتداوي فقط، بل هناك الألاف من الناس يقصدون هذا المنتجع الترفيهي ويتوافدون إليه باستمرار ولسان حالهم يقول "ليلة بحمام شرعة تساوي باقي العمر"، فهو ينفس عن القلوب بأصوات وأغنيات وأشعار مستوحاة من طقوس الموروث الشعبي القديم، فلهذا الحمام السياحي مراسيم تبدأ في مثل هذه الأيام، أي في منتصف شهر فبراير من كل عام، وتستمر لأكثر من شهرين تقريبًا، حيث يقيم ملتقى رواد الفكر والبناء في المديرية، برعاية الشخصية الوطنية أبو أصيل الكربي، مهرجانا ثقافياً يعزز من القيمة السياحية للمنطقة فتظل مغروسة في أذهان زائريها.


مزار لعشاق الفن والتراث..
طوال أيام المهرجان تقام الأمسيات الفنية والشعرية والشعبية يصاحبها صوت الدان ودقات الطبول والمزامير والرقصات المشهورة، يتقدمها كوكبة من فرسان البرع الأصيل شاهرين السيوف الحميرية والأسلحة القديمة في مشاهد متنوعة تخطف الألباب وتشغف قلوب الزائرين الذين يرون في ذلك الموروث الشعبي منار فخر واعتزاز بميراث الآباء والأجداد.


وتتواصل السهرات والأمسيات الفنية على هذا الشغف منقطع النظير لفترة شهرين متواصلين في الصباح الباكر، وكذلك في المساء حتى مطلع الفجر، يبرز الأهالي والوافدين مورثهم الشعبي، لاسيما التراث اليافعي الحاضر بالأصالة والعراقة المميزة، حيث تتخلل تلك الليالي التراثية الهواجل والزوامل والمساجلات الشعرية التي تصدح بها الجموع على مقربة من الينبوع الساخن حتى نهاية القرية وتُعبر جميعها عن لم الشمل والألفة والمحبة بين الناس ونبذ الفرقة والشقاق وترنو بإصرار إلى مواصلة النضال التحرري التواق لاستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.


ملتقى رواد الفكر والبناء نسق مع مجموعة من الفنانين ليحلوا ضيوفاً على المصيف ويحيوا ليالي المصيف هذا العام، أبرزهم الفنان علي صالح اليافعي والشاعر ثابت عوض اليهري والشاعر محمد أحمد العكيمي وفرق فنية شهيرة.

بين منحة إلاهية ومحنة أزلية..
على الرغم من أن (شرعة) حباها الله بهذه الميزة الربانية لتكن قبلة للزائرين على مدار الأيام وموقعاً للتداوي بالمياه المعدنية الحارة ومزاراً لعشاق الفن والطرب والتراث الشعبي ومنطقة جذب سياحي وتزخر بالكثير من الشخصيات اللامعة في النضال والشعر والحكمة والقضاء والدين، واكتسبت شهرة منذ القدم، حيث زارها عدد من قيادات جمهورية اليمن الجنوبي آنذاك، أمثال الرئيس علي عنتر وعلي شائع هادي وصالح مصلح وعبدالفتاح إسماعيل ومحمد سليمان ناصر، وقيادات كثيرة في تلك الحقبة الزمنية ولها حضور مشرف في كل المراحل والأحداث الوطنية، إلا أنها وكبقية مناطق حالمين لم تأخذ نصيبها من مشاريع الدولة ولم تعط الاهتمام اللازم لتبرز مكانتها وأهميتها، فهي تفتقر لأبسط المشاريع الحيوية أبرزها نقيل المعدي الذي يعتبر الشريان الوحيد الرابط بينها وبين مركز حبيل الريدة، كما أنها تفتقر تماماً للخدمات الضرورية من كهرباء وماء ومياه وتعليم وصحة.


ويعيش أهالي شرعة أوضاعاً صعبة بينما اضطر بعضهم إلى الانتقال للعيش في عاصمة المديرية وردفان والضالع بعد أن يأسوا من تلتفت الجهات الحكومية إلى منطقتهم المنسية، فبدلاً من استثمار مناطق شرعة وحمامها الشهير بالاهتمام والرفد بالمتطلبات والاحتياجات ليصبح موقعاً ترفيهياً متواصلاً طوال أيام السنة كبقية الحمامات السياحية عمدت الحكومات المتعاقبة على إهمال هذه الهبة الربانية والدفع بسكانها إلى مغادرتها بحثاً عن خدمات تخفف من متاعب معيشتهم اليومية.​


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى