منطقة الحامية في مديرية رضوم بشبوة.. تحدت الطيران البريطاني وتعاني عزلة رسمية

> تقرير/ يسلم العظمي

> مازالت آثار الدمار الذي لحق بمنطقة الحامية وقراها في مديرية رضوم بمحافظة شبوة ماثلة للعيان إثر قصف نفذه الطيران البريطاني في العام 1939م، ولاتزال منطقة الحامية ومطارح قبيلة آل العظم الحميرية، إلى يومنا هذا، تعاني العزلة وانعدام الخدمات، فمنذ عقود من الاستقلال والمنطقة محرومة من الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات وتنتظر التفاتة من من قبل الحكومة والسلطة المحلية فيها..

تقع منطقة الحامية في مديرية رضوم بمحافظة شبوة وهي منطقة محروسة محصنة تحيط بها الجبال من ثلاث جهات بالجبال وتظم عدد من القرى: الضلعة والجول وخساعة وقردان وباصهري والسوداء والرقماة والحويمي والمحط، وهي موطن قبيلة آل العظم الحميرية.
تتحدث المصادر عن قبيلة آل العظم الحميرية التي أحكمت سيطرتها خلال سنوات طويلة على أرضها وسيطرت على أهم المنافذ البرية والبحرية في المنطقة وصمودها ومقاومتها للإمبراطورية التي لا تغيب عنها عين الشمس، عندما بدأت، خلال فترة استعمارها لعدن والجنوب، إخضاع المنطقة وفرض نظام الوصاية عليها.

وتذكر المصادر التاريخية أن السلطات البريطانية أرسلت تهديدات لقبيلة ال العظم وحثتها على الرضوخ للوصاية البريطانية وجاء في أحد الرسائل الموجهة من أحد القادة البريطانيين لقبيلة آل العظم: "ندعوكم للدخول تحت الوصاية البريطانية فقط على أن تبقوا كما كنتم عليه من قبل في حماية وتسيير القوافل وجباية العشور، ولا نريد أن ندخل معكم في حرب ولا نريد أن تكون عليكم شروط مثلما وقعت على القبائل الأخرى".

لم يستمع آل العظم لأوامر بريطانيا فأمر المندوب السامي البريطاني بمنع دخولهم عدن والمخيمات الأخرى وتم حصارهم لمدة ثلاث سنوات، ابتداء من شهر سبتمبر 1936م، وجهز القبطان (سيجر) قوة عسكرية من المكلا لقتال آل العظم بعد الحصار الطويل.
واصلت القوة العسكرية البريطانية السير حتى وصلت إلى بالحاف، وواجه آل العظم القوة العسكرية البريطانية وهزموها شر هزيمة عند وصولها منطقة القمري بالقرب من بالحاف وعادت القوة البريطانية وحلفاؤها منهزمين ومنكسرين.

بعد ذلك لجأت بريطانيا إلى سلاح الجو فقصفت منطقة الحامية معقل قبيلة آل العظم وأهلكت الزرع والحيوان، فيما تمكن آل العظم من إسقاط طائرتين حربيتين بريطانيتين.

وتذكر بعض المصادر أن الإمبراطورية البريطانية حاولت إخضاع آل العظم وتسببت بقيام انتفاضة رافضة للتدخل في شؤون منطقتهم وعبروا عن رفضهم صلح (انجرامز) والذي يمهد للتدخل في المنطقة، حيث كانت قبيلة آل العظم تسيطر على طريق التجارة من ميناء بالحاف إلى حوطة الفقيه علي، وحاولت بريطانيا وسلاطين الواحدي إعطاء آل العظم رسوماً على كل جمل (ريال ماريا تريزا) إلا أنهم رفضوا ذلك وبقي طريق التجارة مغلق.

في 14 سبتمبر 1936م أرسل السكرتير السياسي في المكلا القبطان سيجر رسالة إلى الشيخ عبدالله هادي العظمي وكآفة آل العظم تضمنت مطالبة بريطانيا لقبيلة آل العظم فتح الطريق التجاري من ميناء بالحاف إلى حوطة الفقيه علي، ورفض آل العظم مطالب بريطانيا فقررت بريطانيا منع دخول آل العظم المدن والأسواق التجارية كعدن والشحر والمكلا وأحور وسقطرى وقشن وبلاد الفضلي، وغيرها من المدن والأسواق التي تسيطر عليها الإمبراطورية البريطانية، وحذرت سلاطين هذه المناطق من بيع وشراء البضائع والأسلحة لهم وبهذا الإجراء كانت بريطانيا قد أعلنت الحصار الاقتصادي على قبيلة آل العظم، فالسلطنات والإمارات المجاورة لقبيلة آل العظم التزمت بتنفيذ توجيهات بريطانيا ولكن قبيلة آل العظم لم تخضع ولم تستسلم لهذه الإجراءات وظلوا على موقفهم العدائي للاحتلال البريطاني.

في 30 أكتوبر 1939م أرسل المستشار البريطاني في المكلا (انجرامز) رسالة تهديد إلى مقادمة وعقال آل العظم يهددهم بضرورة فتح الطريق التجاري (ميناء بالحاف - حوطة الفقيه علي) ويطالبهم بدفع غرامة مالية بسبب تمرد آل العظم على حكومة بريطانيا، وحدد انجرامز يوم 14 نوفمبر1939م الموعد الأخير للقبيلة لإجراء المفاوضات بينهم وبين بريطانيا في بالحاف وطالبهم بأن يتركوا العناد.

طائرت تلقي منشورات تحذيرية
ورداً على رسالة انجرامز أرسل آل العظم رسالة إلى المستشار السياسي في المكلا انجرامز بتاريخ 16 أكتوبر 1939م تؤكد رفض قبيلة آل العظم حضور المفاوضات مع بريطانيا في بالحاف، وذلك الأمر جعل البريطانيين يستعدون لضرب قبيلة آل العظم، حيث وصلت أحد الطائرات البريطانية إلى منطقة الحامية وألقت منشورات تهديد للقبيلة وطالب انجرامز بتسليم خمسة رهائن ودفع غرامة مالية قدرها ألفي ريال فرنسي (ماريا تريزا) وخمسين بندقية.

رفض آل العظم كل الشروط التي فرضتها بريطانيا، فقامت بريطانيا بإرسال طائرة استطلاع إلى منطقة الحامية وأرسل المستر (فيجس) مساعد (انجرامز) منشوراً وزعته الطائرة وحددت فيه المناطق التي سيستهدفها الطيران وهي قرى (الضلعة وريحون والحويمي) بجميع بيوتها ومزارعها وعيون وآبار الماء فيها كما تم تحديد السابع عشر من نوفمبر عام 1939م لإعلان الضربة الجوية على معقل قبيلة آل العظم.

إعلان الحرب على الحامية
في العاشرة من صباح يوم الـ 17من نوفمبر 1939م، وصلت الطائرات البريطانية قادمة من مطار المجراد في خور مكسر بالعاصمة عدن وألقت بقنابلها على مساكن قبيلة آل العظم في منطقة الحامية وريحون والحويمي والضلعة، وقد تمركز آل العظم فوق التلال الجبلية المحيطة بالمنطقة، رغم أن أسلحتهم بدائية وتقليدية، وقد كانوا محاصرين عسكرياً واقتصادياً لأكثر من ثلاث سنوات، حيث تم منعهم من شراء المواد الغذائية والأسلحة والذخائر من أسواق المناطق المجاورة لهم، وفي اليوم الثاني من القصف 18نوفمبر 1939م، تمكن أفراد قبيلة آل العظم من إسقاط طائرة حربية بريطانية بالقرب من منطقة عرقة الساحلية وبداخلها ثلاثة جنود بريطانيين، اتهمت الحكومة البريطانية في عدن والمستشار السياسي في المكلا قبيلة آل العظم بتصفية البريطانيين الثلاثة، وحددت تسعة من آل العظم بالاسم متهمين بقتلهم، وطالبت عقال آل العظم بتسليمهم، إلا أن آل العظم رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً، مما جعل البريطانيين يستمرون في قصف مناطق قبيلة آل العظم وبطريقة أكثر وحشية، حيث تمكن أفراد قبيلة آل العظم من إسقاط طائرة حربية بريطانية أخرى.

استمرت الطائرات الحربية البريطانية بألقاء القنابل على المساكن والمزارع والحيوانات في المنطقة وأحرقت كل شيء في المنطقة وتم إحراق أكثر من عشرة آلاف شجرة من أشجار النخيل ونفوق المئات من الحيوانات، وطال الدمار عشرات المساكن.

رضوخ بعد القصف والحصار
بعد الحصار الجائر الذي استمر لأكثر من ثلاث سنوات والقصف المتواصل لأكثر من عشرة أيام متتالية، فرضت بريطانيا شروطها القاسية على قبيلة آل العظم الحميرية في مقابل رفع القصف وكانت الشروط على النحو التالي:
2000 ريال (ماري تريزا) وخمسون بندقاً مع ألف وخمسون حبة رصاص تدفع لبريطانيا وتقديم خمسة رهائن من القبيلة، وقد وافق آل العظم على هذه الشروط القاسية، وقامت بريطانيا بالزج بعدد من أفراد قبيلة آل العظم في سجون المكلا، كما تم إعدام البعض منهم في سجون المكلا ومنهم:

عوض سالم المخلب ومحمد بن عوض الغراب، ومعوض يسلم كوسة، وأحمد سعيد دابي، وسعيد عوض بن عكيز، وصالح سالم بن علي وصالح عمر لشبط، وسالم سعيد بن عيدة.

آثار الحامية
من أشهر المواقع الأثرية هو حصن زنقل، وهو أحد الشواهد الحضارية على حضارة الإنسان الذي استوطن المنطقة منذ القدم، ويقع الحصن وسط المنطقة على جبل صغير، وقد كانت قبيلة آل العظم تتخذ منه مركزاً قيادياً للحكم، ويظم الحصن سجناً لكل من يخالف القوانين والأعراف داخل القبيلة التي عرفت في وقت مبكر دستوراً يحتكم له جميع أفراد القبيلة.

ومن بين الشواهد والمعالم الأثرية في المنطقة قبر ولي الله الصالح باشملول، الذي عرف بعدد من الكرامات وكان يعتقد زواره أن كل من وصل إلى ضريحه لا يمسه سوء أو مكروه ويقدمون له الذبائح قرباناً له عند زيارته ويسمى (حبط) أي حرم لا يسمح لأحد أن يعتدي على آخر.

خط إسفلتي لتجاوز العزلة
تحتاج منطقة الحامية إلى التفاتة من قبل الحكومة والمحافظ بن عديوه.. ويقول المواطنون إنهم بحاجة إلى خط إسفلتي يربط منطقتهم بمدينة رضوم عاصمة المديرية ومنطقة حورة الساحلية والخط الساحلي الدولي، ويقولون إن منطقتهم في عزلة تامة بسبب عدم وجود خط إسفلتي ويعتمدون في تنقلاتهم على خط ترابي يضاعف من معاناتهم خصوصاً في حالة نقل المرضى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى